Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 أكتوبر 2023

ج3.اعراب القران للزجاج

ومن إضمار الجملة قوله تعالى: (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) «8» . والتقدير: لتستيقن ولنجعلك آية للناس.
نظيره قبله: (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) «9» . تقديره: واشكروا ولأتم.
__________
(1) يريد: باب إضمار الجمل، وباب حذف المضاف.
(2) البقرة: 183 و 184. والنقط إشارة إلى موضع حذف في الآيتين.
(3) يريد قوله تعالى: (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) . [.....]
(4) البقرة: 83.
(5) في الأصل: «فأحسنوا» .
(6) البقرة: 83.
(7) البقرة: 239.
(8) البقرة: 259.
(9) البقرة: 150.

(1/23)


وقيل: هو معطوف على قوله: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) «1» ، (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) «2» .
وأما قوله تعالى: (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) «3» فهو معطوف على المعنى لأن قبله (قَدْ جِئْتُكُمْ ... وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ) «4» أي جئتكم لأصدق التوراة والإنجيل، ولأحل لكم، ولتكملوا العدة «5» .
نظيره في أحد القولين في سورة مريم عليها السلام: (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) «6» .
والتقدير: قال: كذلك قال ربك، ويكون «علّي هّين» لأخلقه من غير أب، ولنجعله آية للناس.
وقيل: هو معطوف على قوله تعالى: (لِأَهَبَ لَكِ)
«7» .
وقيل: الواو في الآى كلها مقحمة.
ومثله: (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) «8» . والتقدير: ليستقيم أمره ولنعلمه.
مثله: (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) «9» . أي: لتسلموا من «10» أذاهم، وشذاهم «11» (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) «12» .
ومثله: (فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) «13» أي: فبإذن الله ليظهر الحق.
__________
(1- 2) البقرة: 150.
(3) آل عمران: 50.
(4) آل عمران: 49، 50 والنقط إشارة إلى محذوف من الآيتين.
(5) كذا جاءت هذه العبارة «ولتكملوا العدة» في الأصل، وهي ليست من سرد الآية الكريمة.
(6) مريم: 20.
(7) مريم: 19.
(8) يوسف: 21.
(9) الفتح: 20. [.....]
(10) في الأصل «عن» .
(11) الشذا: الشر.
(12) الفتح: 20.
(13) الحشر: 5.

(1/24)


قال أبو علي «1» في قوله تعالى: (بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) «2» في سورة الأحقاف في قراءة الكوفيين «إحساناً» منصوب بمضمر يدل عليه ما قبله، وهو قوله (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) «3» كأنه لما قال: (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) «4» قال: وقلنا لهم أحسنوا بالوالدين إحساناً.
كما قال: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) «5» ، فالجار يتعلق بالفعل المضمر، ولا يجوز أن يتعلق بالمصدر، لأن ما يتعلق بالمصدر لا يتقدم عليه.
و «أحسن» «6» يوصل بالباء كما يوصل بإلى، يدلك على ذلك قوله تعالى:
(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) «7» فعداه بالباء كما تعدى بإلى في قوله تعالى: (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) «8» . والتقدير أنه لما قال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) وكان هذا الكلام قولا، صار كأنه: وقلنا: أحسن أيها/ الإنسان بالوالدين إحسانا.
ووجه من قرأ في الأحقاف: (بوالديه حسناً) أن يكون أراد بالحسن الإحسان، فحذف المصدر ورده إلى الأصل، كما قال الشاعر:
فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يهلك فذلك كان قدرى
أي: تقديرى.
__________
(1) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي إمام العربية، وكانت وفاته سنة 5377- 987 م.
(2- 3) الأحقاف: 15. وقد جاءت في الأصل (وبالوالدين إحسانا) وهو تبديل اضطرب فيه الناسخ فبدل وأسقط.
(4) كذا في الأصل، وفي الكلام حذف، فالإشارة هنا إلى آية أخرى من سورة البقرة هي قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) .
(5- 6) البقرة: 63. وهي على إضمار القول، أي: وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم. (البحر 1: 243) .
(7) يوسف: 100.
(8) القصص: 77.

(1/25)


ويجوز أن يكون وضع الاسم موضع المصدر كما قال:
وبعد عطائك المائة الرتاعا «1»
والباء في هذين الوجهين متعلقة بالفعل المضمر، كما تعلقت به في قول الكوفيين في قراءتهم (إحساناً) .
ومن إضمار الجملة قراءة ابن كثير في قوله تعالى: (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) «2» بالاستفهام «3» ، على تقدير: بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، تعترفون أو تقرون؟ فأضمر، لأن قوله: (وَلا تُؤْمِنُوا) «4» يدل عليه.
كما قال: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) «5» والتقدير: الآن آمنت، فأضمر «آمنت» لجرى ذكره في قوله (آمَنْتُ) «6» .
ومن ذلك قوله تعالى: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) «7» . والتقدير: ولو شهدتم على أنفسكم، فحذف الفعل.
__________
(1) عجز بيت للقطامي، صدره:
أكفرا بعد رد الموت عني
والرقاع: الماشية ترقع في المرعى.
(2) آل عمران: 73.
(3) قال أبو حيان: «على الاستفهام الذي معناه الإنكار عليهم والتقرير والتوبيخ. والاستفهام الذي معناه الإنكار هو مثبت من حيث المعنى، أي: المخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قلتم ذلك وفعلتموه؟» (البحر 2: 494- 496) .
(4) بدء الآية 73 من سورة آل عمران. قال تعالى: (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى ... ) . [.....]
(5) يونس: 91.
(6) يونس: 90.
(7) النساء: 135.

(1/26)


فأما قوله تعالى: (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى)
«1» . أي: ولو كان المشهود عليه ذا قربى.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) - إلى قوله- (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) «2» فحذف جواب «لمَّا» . أي كفروا.
ودل عليه قوله تعالى: (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) «3» ولا يكون «لما» الثانية بجوابها جواب «لما» الأولى لأنا لا نعلم «لما» في موضع، لما أجيب بالفاء، كذا ذكره الفارسي «4» . فإذن نجىء بقول عمرو بن معد يكرب:
فلما رأيت الخيل زورا «5» كأنها ... جداول زرع خليت فاسبطرت
فجاشت إلى النفس [أول مرة ... فردت على مكروهها فاستقرت] «6»
فأجاب «لما» بقوله «فجاشت» .
فأما قوله تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) «7» فإن الجواب محذوف أيضاً.
وقيل: بل الواو مقحمة.
وعلى هذا الخلاف قوله تعالى: (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) «8» .
__________
(1) الأنعام: 152.
(2- 3) البقرة: 89.
(4) هو أبو علي الفارسي، وقد تقدم التعريف به (ص 22) .
(5) زورا: أي مائلة من وقع الطعن فيها جمع أزور.
(6) ما بين القوسين المربعين زيادة عن شرح ديوان الحماسة (1: 157) .
(7) الصافات: 103.
(8) الانشقاق: 1.

(1/27)


قيل: جوابه محذوف، أي: قامت القيامة.
وقيل: بل الواو في (وَأَذِنَتْ) «1» مقحمة، والجواب «أذنت» .
وقيل: بل الجواب قوله: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) «2» .
وقيل: بل الفاء مضمرة، أي: ف (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ) «3» .
ونظير هذا قوله تعالى: (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) «4» إلى قوله: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) «5» .
ومثله: (وَلْنَحْمِلْ) «6» . أي: اتبعوا سبيلنا [ولنحمل] .
ومثله: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا) «7» إلى قوله (وَأَوْحَيْنا) «8» الواو مقحمة.
وقيل: بل الجواب مضمر.
فأما قوله تعالى: (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) «9» ، فقيل: الجواب: (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) «10» . أي: إذا وقعت الواقعة لم يكن التكذيب بها.
وقيل: بل الجواب قوله: (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) «11» . أي: فهي خافضة رافعة.
قال أبو علي: وإذا جاز (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) «12» على تقدير: فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم؟ فحذف الفاء مع القول، وحذف الفاء وحده أجوز.
__________
(1- 2) الانشقاق: 7. وفي الأصل: «فى وأقتت» يريد قوله تعالى (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) سورة المرسلات:
11.
(3) الانشقاق: 6.
(4) الأنبياء: 96.
(5) الأنبياء: 97. [.....]
(6- 7) العنكبوت: 12.
(8) يوسف: 15.
(9) الواقعة: 1.
(10) الواقعة: 2.
(11) الواقعة: 3.
(12) آل عمران: 106.

(1/28)


وقيل: جوابه (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) «1» . أي وقت وقوع القيامة وقت رج الأرض.
وقيل: بل العامل فيه: اذكر.
ومن حذف الجملة قوله تعالى: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) «2» .
وتقديره: وأنتم محدثون فاغسلوا.
وقدره قوم: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا من أجلها.
وكلاهما تحتمله العربية.
ومن حذف الجملة ما وقع في سورة «الأعراف» وفي سورة «هود» من قوله: (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) «3» . [وإلى ثمود أخاهم صلحا] «4» (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) «5» . والتقدير في ذا كله: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا وأرسلنا إلى ثمود أخاهم [صالحاً] «6» ، وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً.
هذا على قول من قال: إن العامل مع الواو في تقدير الثبات، وله العمل دون الواو.
ومن قال: بل العامل هو الواو نفسه، لم يكن معطوفاً على ما تقدم من قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) «7» ... «8» وذلك كقوله تعالى:
__________
(1) الواقعة: 4.
(2) المائدة: 6.
(3) الأعراف: 65، هود: 50.
(4) الأعراف: 73، هود: 61.
(5) الأعراف: 85، هود: 84.
(6) تكملة يقتضيها السياق ويظهر أنها سقطت من الناسخ.
(7) هود: 25.
(8) موضع النقط من الأصل هذه العبارة: «يا قارى كتاب عثمان ولا تفهمه أبدا» وهي كسابقتها زيادة قارى أقحمها الناسخ. وسنشير إلى هذا كله في التقديم لهذا الكتاب. [.....]

(1/29)


(فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) «1» . (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) «2» . (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) »
. والتقدير: فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم «4» . يدل على صحته قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) . «5» ف «عهد» اسم «يكون» و «عند الله» صفة له. و «كيف» خبر عنه، أعني: يكون.
«وللمشركين» : ظرف «يكون» .
ومن حذف الجملة، قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) «6» . والتقدير: من يحادد الله ورسوله يعذب، فحذف الجواب كحذفه فيما قدمناه. وقوله تعالى: (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) بدل من (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) والفاء زيادة على قول سيبويه.
وقال غيره: إن «أنّ» ، مرتفع بالظرف، أي: فله أن له «7» ، وستراه في بابه.
ومن حذف الجملة [قوله تعالى] «8» : (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) «9» والتقدير: لالتجأت إليه. فحذف الجواب.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: رحم الله أخي لوطاً قد وجد ركناً شديداً.
__________
(1) آل عمران: 25.
(2) النساء: 62.
(3) التوبة: 8.
(4) كأن في الكلام نقصا لسكوته عن الآيتين الأخريين، أو لعله اكتفى بالأولى ليدل بها عليها.
(5) التوبة: 7.
(6) التوبة: 63.
(7) كذا في الأصل. وفي الكلام نقص واضطراب. والعبارة تنطوي على مذهبين: أحدهما أن «أن له» مفرد في موضع رفع على الابتداء وخبره محذوف، قدر مقدما، أي فحق أن يكون، وقدر متأخرا، أي فأن له نار جهنم واجب.
وثاني المذهبين: أن «أن له» الثانية مكررة للتوكيد، والتقدير فله نار جهنم. (البحر 5: 65- الكشاف 2: 285) .
(8) تكملة يفقدها الأصل.
(9) هود: 80.

(1/30)


ومن ذلك الآية الواردة في صلاة الخوف، وهو قوله عز من قائل:
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) «1» . اختصر وأوجز وأطنب وأسهب، وأتى بالبلاغة والفصاحة بحيث لا يفوتها كلام، ولا يبلغ كنهها بشر، فتحقق قوله (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) «2» .
فاعرف أيها الناظر كيفية صلاة الخوف، ثم انظر في الآية يلح لك إيماؤنا إلى ما أومأنا إليه.
قال أبو حنيفة: إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين طائفة في وجه العدو، وطائفة خلفه فصلى بهذه الطائفة ركعة وسجدتين، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة. فصلى بهم ركعة وسجدتين وتشهد وسلم، ولم يسلم القوم وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت طائفة أخرى فصلوا وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهد، ومضوا إلى وجه العدو، وجاءت طائفة أخرى فصلوا ركعة وسجدتين بقراءة وتشهد وسلموا.
فإذا عرفت هذا فقوله تعالى: (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) «3» فمعناه:
فلتصل طائفة منهم لم يصلوا معك، أي: فلتقم طائفة بركعة، فحذف.
__________
(1) النساء: 102.
(2) الإسراء: 88.
(3) النساء: 102.

(1/31)


ثم قال: (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) أي: الذين انصرفوا إلى تجاه العدو ولم يصلوا معك، وليأخذوا أسلحتهم. ثم قال: (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) «1» يعني الطائفة التي صلت تقوم بإزاء العدو حين فرغت من ركعة عقيب السجدة، لأن الفاء للتعقيب. فلا يجوز: إذا سجدت الثانية أن تقف لتتم الركعة الأولى، فتضم إليها الركعة الثانية، لأن الفاء يبطل معناها إذ ذاك، فوجب أن يكونوا من وراء عقيب السجدة بإزاء العدو، ولا تقف للركعة الباقية، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ركعة، فحذف المفعول.
ولم يقل: فلتنصرف الأولى وتؤدى الركعة بغير قراءة وتسلم. فحذف هذه الجملة، وحذف المفعول من قوله (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) «2» ، وحذف الجار والمجرور من قوله (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) «3» وأضمر في قوله (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) «4» غير الطائفة المأمورين بالقيام معه. فلا ينصرف الضمير من قوله (وَلْيَأْخُذُوا) «5» إلى الظاهر قبله وإنما التقدير: وليأخذ باقيهم أسلحتهم فحذف المضاف فاتصل المنفصل.
ونظير حذف الباقي قوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) «6» ، أي: ليتفقه باقيهم.
ولما أضمر غير المقدم ذكرهم رجع إلى ذكرهم في قوله (فَإِذا سَجَدُوا) «7» فخالف بين الضميرين اللذين أحدهما بعد صاحبه. فلا يمكنك إنكاره بقولك:
لم خالفت بينهما؟ ولم تجعل قوله (وَلْيَأْخُذُوا) راجعاً إلى الطائفة التي أمرت
__________
(1، 2، 3، 4، 5) النساء: 102.
(6) التوبة: 122. [.....]
(7) النساء: 102.

(1/32)


بالقيام معه حتى تأخذ السلاح معه في الصلاة لأن اختلاف الضميرين قد جاء في التنزيل.
قال عز من قائل: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) «1» فالهاء الأولى لصاحبه، والثانية له صلى الله عليه وآله.
وقال: (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) «2» فالهاء في «به» لله والمتقدمان للشيطان. وقال: (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) «3» فالضمير في «بلغوا» لمشركي مكة والذي في «آتيناهم» للمتقدمين من المشركين.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطحاوي والنووي يقران بأن المصر علي الكبيرة ومات مصرا عليها سيدخل الجنة وخالفا كتاب الله

 الطحاوي والنووي يقران بأن المصر علي الكبيرة ومات مصرا عليها سيدخل الجنة وخالفا كتاب الله {تعرف علي المهزلة العقائدية}   الطحاااااااااوي...