Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 أكتوبر 2023

ج5. تعراب القران للزجاج


وقال: (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) «7» أي: لو أنهم كانوا يهتدون ما رأوا العذاب.
ومنه قوله تعالى: (لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ) «8» لما قال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) «9» قال المشركون: نحن لا نشهد لك بذلك. فقيل: (لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ) . لا بد من ذا الحذف، لأن «لكن» استدراك بعد النفي.
__________
(1) يوسف: 36.
(2) إبراهيم: 52.
(3) الأعراف: 2.
(4) الكهف: 1، 2.
(5) الشعراء: 17.
(6) آل عمران: 26.
(7) القصص: 64. [.....]
(8) النساء: 166.
(9) النساء: 163.

(1/39)


ومنه قوله تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) «1» . أراد: فبعث الله غراباً يبحث التراب على غراب ميت ليواريه، أي ليريه كيف يوارى سوأة أخيه.
ومن ذلك ما وقع في قصة شعيب: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) «2» . لم يذكر للاستفهام جواباً، والمعنى: أخبروني إن كنت على بينة من ربي ورزقني النبوة وجعلني رسولاً إليكم وأنتم تدفعونني، فماذا حالكم مع ربكم؟ فحذف «ماذا حالكم»
__________
(1) المائدة: 31.
(2) هود: 88.

(1/40)


الباب الثاني
باب ما جاء من حذف المضاف في التنزيل وليس من هذه الأبواب في التنزيل أكثر من هذا.
وقد ذكر سيبويه حذف المضاف في «الكتاب» في مواضع «1» ، فمن ذلك قوله حكاية عن العرب: اجتمعت اليمامة، أي أهل اليمامة وقوله: «صدنا قنوين» «2» ، أي وحش قنوين «3» .
فما جاء في التنزيل: قوله تعالى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) «4» والتقدير: مالك أحكام يوم الدين. وقدره الفارسي تقدير حذف المفعول، أي: مالك يوم الدين الأحكام فتكون «الأحكام» المفعول، فلا يكون على قوله من هذا الباب.
ومن ذلك قوله تعالى: (لا رَيْبَ فِيهِ) «5» أي: في صحته وتحقيقه.
__________
(1) الكتاب (1: 26 و 109 2: 25) .
(2) قنوان: جبلان تلقاء المحاجر لبني مرة. (ياقوت) .
(3) وزاد سيبويه: «أو بقنوين» فلا يكون من هذا الباب.
(4) الفاتحة: 4.
(5) البقرة: 1، آل عمران: 9 و 25، النساء: 86، الأنعام: 12، الجاثية: 25، يونس: 37.

(1/41)


ومنه قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) «1» أي: على مواضع سمعهم، فحذف لأنه استغنى عن جمعه، لإضافته إلى الجمع لأن سيبويه قال:
وأما جلدها فصليب «2» أكثره في الشعر. وتبعه الفارسي فحمل (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) «3» على حذف المضاف، أي ذي صدق وحمل (لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) «4» على حذف المضاف.
وخفيت الخافية عليهم في قوله تعالى: (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) «5» فأضاف المفرد، وليس هناك مضاف محذوف.
ومنه قوله تعالى: (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) «6» أي: في عقوبة طغيانهم.
ومنه قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) «7» أي: كأصحاب صيب من السماء دليله قوله: (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ) «8» ف «يجعلون» في موضع الجر وصف للأصحاب «من الصواعق» أي: من شدتها وأجلها وقوله تعالى:
(فِيهِ ظُلُماتٌ) «9» لأنه لا يخلو من أن يعود إلى «الصيب» أو إلى «السماء» «10» فلا يعود إلى «الصيب» لأن الصيب لا ظلمات فيه.
__________
(1) البقرة: 7.
(2) جزء من بيت لعلقمة بن عبدة، والبيت بتمامه:
بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيضٌ وأما جلدها فصليب
والشاهد فيه وضع «الجلد» مكان «الجلود» . قال سيبويه: «وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع، حتى قال بعضهم في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام» ، ثم ساق بيت علقمة. (الكتاب 1: 107) .
(3) القمر: 55.
(4) سبأ: 15.
(5) إبراهيم: 43. [.....]
(6) البقرة: 15.
(7، 8، 9) البقرة: 19.
(10) في الأصل: «السحاب» ، ولم يرد له ذكر في الآية ولا في التقدير.

(1/42)


[ويدل على هذا الحذف] قوله تعالى: (وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) «1» فهما معطوفان على «الظلمات» ولا يجوز أن يكون الرعد والبرق مما ينزل وأنهما في السماء، لاصطكاك بعض أجرامها ببعضها. روى عن الحسن أن ذلك من ملك، فقد يجوز أن يكون الملك في السحاب، ويكون من هذا قراءة من قرأ: سحاب ظلمات، بالإضافة، لاستقلال السحاب وارتفاعه في وقت كون هذه الظلمات.
وقدره مرة أخرى، أي سحاب وفيه الظلمات فكذلك فيه ظلمات، أي في وقت نزوله ظلمات.
ومنه قوله تعالى: (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) «2» أي: ذا فراش.
(وَالسَّماءَ بِناءً) «3» أي: ذا بناء، (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) «4» أي بإنزاله (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) «5» أي بإنزاله: (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) «6» ، أي:
لانتفاعكم، ثم (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) «7» أي: إلى خلق السماء.
وقوله تعالى: (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) «8» أي من تحت أشجارها.
وقدره أبو علي: من تحت مجالسها.
ومنه قوله تعالى: (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «9» أي ذا غيب السموات.
وقيل: غيب، بمعنى غائب لأن «ذا غيب» صاحب غيب، وهو يكون غائبا.
__________
(1) البقرة: 19.
(2- 3) البقرة: 22.
(4- 5) البقرة: 36.
(6- 7) البقرة: 29.
(8) البقرة: 25.
(9) البقرة: 33.

(1/43)


ومنه قوله تعالى: (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا) «1» أي: ذا ثمن، لأن الثمن لا يشترى، وإنما يشترى شىء ذو ثمن.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) «2» أي: عقاب يوم، لا بد من هذا الإضمار، لأنه مفعول «اتقوا» ، فحذف وأقيم «اليوم» مقامه. فاليوم مفعول به وليس بظرف، إذ ليس المعنى: ائتوا في يوم القيامة، لأن يوم القيامة ليس بيوم التكليف.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) «3» أي: انقضاء أربعين ليلة.
قال أبو علي: ليس يخلو تعلق «الأربعين» ب «الوعد» من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان، فلا يجوز أن يكون ظرفاً لأن «الوعد» ليس فيها كلها فيكون جواب «كم» ، ولا في بعضها فيكون كما يكون جواباً ل «متى» ، لأن جواب «كم» يكون عن الكل، لأنك إذا قلت: كم رجلاً لقيت؟
فالجواب: عشرين، فأجاب عن الكل.
وجواب «متى» جواب البعض. لأنك إذا/ قلت: متى رأيت؟
يقال في جوابه: يوم الجمعة، وهو بعض الأيام التي يدل عليه «متى» ، فإذا لم يكن ظرفاً كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني، والتقدير: واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أو تتمة أربعين ليلة، فحذف المضاف، كما تقول:
اليوم خمسة عشر من الشهر، أي تمامه.
__________
(1) البقرة: 41.
(2) البقرة: 47، 123.
(3) البقرة: 51.

(1/44)


ونظيره في الأعراف: (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) «1» أي: انقضاء ثلاثين.
(وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) «2» والميقات هو الأربعون، وإنما هو ميقات ووعد، لما روى أن القديم سبحانه وتعالى وعده أن يكلمه على الطور.
فأما انتصاب «الأربعين» في قوله: (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) فذلك كقولك: تم القوم عشرين رجلاً. والمعنى: تم القوم معدودين هذا العدد. وتم الميقات معدوداً هذا العدد. فيكون «عشرين» حالاً، كما أن معدودين كذلك.
ونظيره قوله تعالى: (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) «3» أي إتيان جانب الطور الأيمن، فحذف المضاف الذي هو مفعول ثان وقام مقامه «جانب» .
وليس «جانب» ظرفاً لأنه مخصوص، كقوله:
فواعديه سرحتى مالك «4»
أي إتيان سرحتى مالك.
ومن ذلك قوله تعالى: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) «5» أو صورته، لأنهم لم يعبدوا العجل حقيقة من بعده، أي من بعد خروجه.
وكذلك (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) في رأس التسعين، فإنه لم يكن فيه حياة كما يكون في العجل حقيقة، بل كان صورة مموهة وصنعوه صورة العجل.
__________
(1- 2) الأعراف: 142.
(3) طه: 80. [.....]
(4) صدر بيت لعمر بن أبي ربيعة. أو تمامه:
أو الربا بينهما أسهلا
وانظر الحاشية (4 ص 10) من هذا الكتاب.
(5) البقرة: 51.

(1/45)


وقيل: من بعد إنجائنا إياكم.
نظيره: (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) «1» أي: من بعد وفاتي (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) «2» أي عن عبادتكم العجل.
ومثله: (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) «3» أي ذوي هزو.
ومنه قوله: (وَكُلا مِنْها رَغَداً) «4» أي: من نعيمها.
نظيره: (فَكُلُوا «5» مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) «6» أي: من نعيمها.
ومثله في الأعراف «7» .
ومن ذلك قوله: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) «8» .
أي حب عبادة العجل، فحذف «حب» أولا، فصار: وأشربوا في قلوبهم عبادة العجل، ثم حذف «العبادة» .
ومثله: (مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) «9» أي من أثر تراب حافر فرس الرسول.
وقال الكلبي «10» : لما ذرى العجل/ في اليم وشربوا منه الماء ظهرت علامة الذهب على بدن محبي العجل، فذلك قوله: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) «11» .
__________
(1) البقرة: 133.
(2) البقرة: 52.
(3) البقرة: 67.
(4) البقرة: 35.
(5) في الأصل. «وكاوا» بتبديل من الناسخ.
(6) البقرة: 58.
(7) يريد الاية 161 من سورة الأعراف ( ... وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) .
(8) البقرة: 93.
(9) طه: 96.
(10) الكلبي، هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر، نسابة مفسر إخباري. كانت وفاته سنة ست وأربعين ومائة. (تهذيب التهذيب 9: 178- وفيات الأعيان 2: 301) .
(11) البقرة: 93.

(1/46)


(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) «1» أي: ذا أمن. وإن شئت «أمنا» كان بمعنى: آمن.
ومن ذلك قوله تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ) «2» أي: لها جزاء ما كسبت (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) «3» أي: جزاء ما كسبتم.
ومنه قوله تعالى: (وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها) «4» أي في عقوبة اللعنة، وهي النار.
(كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ) «5» أي: جزاء أعمالهم.
قوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) «6» أي: مثل داعي الذين كفروا (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) «7» لا بد من هذا الإضمار ليكون الداعي بمنزلة الراعي.
وقيل: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) «8» : مثل وعظ الذين كفروا، فحذف المضاف. قال سيبويه: وهذا من أفصح الكلام إيجازاً واختصاراً ولأن الله تعالى أراد تشبيه شيئين بشيئين: الداعي والكفار، بالراعي والغنم فاختصر. وذكر المشبه في الغنم بالظرف الأول فدل ما أبقى على ما ألقى.
وهذا معنى كلامه.
ومثله: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) «9» أي أكل الميتة، فحذف.
__________
(1) البقرة: 125. [.....]
(2- 3) البقرة: 134.
(4) آل عمران: 87، 88. وبدء الآية الأولى: (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ.
(5) البقرة: 167.
(6- 7) البقرة: 171.
(8) إبراهيم: 18.
(9) البقرة: 173.

(1/47)


قوله تعالى: (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) «1» [أي: ولكن ذا البر] «2» .
وإن شئت: ولكن البر بر من آمن.
وإن شئت: «كان البر» بمعنى البار، فلا يكون من هذا الباب. ولا وجه أن يكون التقدير: ولكن البر بر من آمن، ليكون ابتداء الكلام على الحقيقة لأنه إذا حذف منه «ذا» ، أو جعل بمعنى البار، فعلى الوجهين يكون مغيراً عن أصله.
(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «3» أي: من جناية أخيه، وتقديره: من جنايته على أخيه. والعفو: التيسير «4» دون الصفح، كالذي في قوله. وآخره عفو لله، أي يسر له حيث قبلت الصلاة في آخره قبولها في أوله، لم تضيق على المصلى.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطحاوي والنووي يقران بأن المصر علي الكبيرة ومات مصرا عليها سيدخل الجنة وخالفا كتاب الله

 الطحاوي والنووي يقران بأن المصر علي الكبيرة ومات مصرا عليها سيدخل الجنة وخالفا كتاب الله {تعرف علي المهزلة العقائدية}   الطحاااااااااوي...