وقال: (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) «7» أي: لو أنهم كانوا يهتدون
ما رأوا العذاب.
ومنه قوله تعالى: (لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ) «8» لما قال
الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) «9» قال المشركون: نحن لا نشهد لك بذلك. فقيل: (لكِنِ
اللَّهُ يَشْهَدُ) . لا بد من ذا الحذف، لأن «لكن» استدراك بعد النفي.
__________
(1) يوسف: 36.
(2) إبراهيم: 52.
(3) الأعراف: 2.
(4) الكهف: 1، 2.
(5) الشعراء: 17.
(6) آل عمران: 26.
(7) القصص: 64. [.....]
(8) النساء: 166.
(9) النساء: 163.
(1/39)
ومنه قوله تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ
فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) «1» . أراد: فبعث الله
غراباً يبحث التراب على غراب ميت ليواريه، أي ليريه كيف يوارى سوأة أخيه.
ومن ذلك ما وقع في قصة شعيب: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ
عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) «2» . لم يذكر
للاستفهام جواباً، والمعنى: أخبروني إن كنت على بينة من ربي ورزقني النبوة وجعلني
رسولاً إليكم وأنتم تدفعونني، فماذا حالكم مع ربكم؟ فحذف «ماذا حالكم»
__________
(1) المائدة: 31.
(2) هود: 88.
(1/40)
الباب الثاني
باب ما جاء من حذف المضاف في التنزيل وليس من هذه
الأبواب في التنزيل أكثر من هذا.
وقد ذكر سيبويه حذف المضاف في «الكتاب» في مواضع «1» ، فمن
ذلك قوله حكاية عن العرب: اجتمعت اليمامة، أي أهل اليمامة وقوله: «صدنا قنوين» «2»
، أي وحش قنوين «3» .
فما جاء في التنزيل: قوله تعالى (مالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ) «4» والتقدير: مالك أحكام يوم الدين. وقدره الفارسي تقدير حذف المفعول،
أي: مالك يوم الدين الأحكام فتكون «الأحكام» المفعول، فلا يكون على قوله من هذا
الباب.
ومن ذلك قوله تعالى: (لا رَيْبَ فِيهِ) «5» أي: في صحته
وتحقيقه.
__________
(1) الكتاب (1: 26 و 109 2: 25) .
(2) قنوان: جبلان تلقاء المحاجر لبني مرة. (ياقوت) .
(3) وزاد سيبويه: «أو بقنوين» فلا يكون من هذا الباب.
(4) الفاتحة: 4.
(5) البقرة: 1، آل عمران: 9 و 25، النساء: 86، الأنعام:
12، الجاثية: 25، يونس: 37.
(1/41)
ومنه قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ
وَعَلى سَمْعِهِمْ) «1» أي: على مواضع سمعهم، فحذف لأنه استغنى عن جمعه، لإضافته إلى الجمع
لأن سيبويه قال:
وأما جلدها فصليب «2» أكثره في الشعر. وتبعه الفارسي
فحمل (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) «3» على حذف المضاف، أي ذي صدق وحمل (لِسَبَإٍ فِي
مَسْكَنِهِمْ) «4» على حذف المضاف.
وخفيت الخافية عليهم في قوله تعالى: (لا يَرْتَدُّ
إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) «5» فأضاف المفرد، وليس هناك مضاف محذوف.
ومنه قوله تعالى: (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) «6»
أي: في عقوبة طغيانهم.
ومنه قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) «7»
أي: كأصحاب صيب من السماء دليله قوله: (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ) «8» ف «يجعلون»
في موضع الجر وصف للأصحاب «من الصواعق» أي: من شدتها وأجلها وقوله تعالى:
(فِيهِ ظُلُماتٌ) «9» لأنه لا يخلو من أن يعود إلى
«الصيب» أو إلى «السماء» «10» فلا يعود إلى «الصيب» لأن الصيب لا ظلمات فيه.
__________
(1) البقرة: 7.
(2) جزء من بيت لعلقمة بن عبدة، والبيت بتمامه:
بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيضٌ وأما جلدها فصليب
والشاهد فيه وضع «الجلد» مكان «الجلود» . قال سيبويه:
«وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع، حتى قال بعضهم في
الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام» ، ثم ساق بيت علقمة. (الكتاب 1: 107) .
(3) القمر: 55.
(4) سبأ: 15.
(5) إبراهيم: 43. [.....]
(6) البقرة: 15.
(7، 8، 9)
البقرة: 19.
(10) في الأصل: «السحاب» ، ولم يرد له ذكر في الآية ولا
في التقدير.
(1/42)
[ويدل على هذا الحذف] قوله تعالى: (وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)
«1» فهما معطوفان على «الظلمات» ولا يجوز أن يكون الرعد والبرق مما ينزل وأنهما في
السماء، لاصطكاك بعض أجرامها ببعضها. روى عن الحسن أن ذلك من ملك، فقد يجوز أن
يكون الملك في السحاب، ويكون من هذا قراءة من قرأ: سحاب ظلمات، بالإضافة، لاستقلال
السحاب وارتفاعه في وقت كون هذه الظلمات.
وقدره مرة أخرى، أي سحاب وفيه الظلمات فكذلك فيه ظلمات،
أي في وقت نزوله ظلمات.
ومنه قوله تعالى: (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) «2»
أي: ذا فراش.
(وَالسَّماءَ بِناءً) «3» أي: ذا بناء، (يُضِلُّ بِهِ
كَثِيراً) «4» أي بإنزاله (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) «5» أي بإنزاله: (خَلَقَ لَكُمْ
ما فِي الْأَرْضِ) «6» ، أي:
لانتفاعكم، ثم (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) «7» أي: إلى
خلق السماء.
وقوله تعالى: (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ) «8» أي من تحت أشجارها.
وقدره أبو علي: من تحت مجالسها.
ومنه قوله تعالى: (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ) «9» أي ذا غيب السموات.
وقيل: غيب، بمعنى غائب لأن «ذا غيب» صاحب غيب، وهو يكون
غائبا.
__________
(1) البقرة: 19.
(2- 3) البقرة: 22.
(4- 5) البقرة: 36.
(6- 7) البقرة: 29.
(8) البقرة: 25.
(9) البقرة: 33.
(1/43)
ومنه قوله تعالى: (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً
قَلِيلًا) «1» أي: ذا ثمن، لأن الثمن لا يشترى، وإنما يشترى شىء ذو ثمن.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي
نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) «2» أي: عقاب يوم، لا بد من هذا الإضمار، لأنه مفعول
«اتقوا» ، فحذف وأقيم «اليوم» مقامه. فاليوم
مفعول به وليس بظرف، إذ ليس المعنى:
ائتوا في يوم القيامة، لأن يوم القيامة ليس بيوم التكليف.
ومن حذف المضاف قوله تعالى: (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) «3» أي: انقضاء أربعين ليلة.
قال أبو علي: ليس يخلو تعلق «الأربعين» ب «الوعد» من أن
يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان، فلا يجوز أن يكون ظرفاً لأن «الوعد» ليس فيها كلها
فيكون جواب «كم» ، ولا في بعضها فيكون كما يكون جواباً ل «متى» ، لأن جواب «كم» يكون عن الكل،
لأنك إذا قلت: كم رجلاً لقيت؟
فالجواب: عشرين، فأجاب عن الكل.
وجواب «متى» جواب البعض. لأنك إذا/ قلت: متى رأيت؟
يقال في جوابه: يوم الجمعة، وهو بعض الأيام التي يدل
عليه «متى» ، فإذا لم يكن ظرفاً كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني،
والتقدير: واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أو تتمة أربعين ليلة، فحذف المضاف، كما
تقول:
اليوم خمسة عشر من الشهر، أي تمامه.
__________
(1) البقرة: 41.
(2) البقرة: 47، 123.
(3) البقرة: 51.
(1/44)
ونظيره في الأعراف: (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ
لَيْلَةً) «1» أي: انقضاء ثلاثين.
(وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) «2» والميقات هو الأربعون، وإنما هو ميقات ووعد، لما روى أن القديم
سبحانه وتعالى وعده أن يكلمه على الطور.
فأما انتصاب «الأربعين» في قوله: (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً) فذلك كقولك: تم القوم عشرين رجلاً. والمعنى: تم القوم معدودين هذا
العدد. وتم الميقات معدوداً هذا العدد. فيكون «عشرين» حالاً، كما أن معدودين كذلك.
ونظيره قوله تعالى: (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ
الْأَيْمَنَ) «3» أي إتيان جانب الطور الأيمن، فحذف المضاف الذي هو مفعول ثان وقام
مقامه «جانب» .
وليس «جانب» ظرفاً لأنه مخصوص، كقوله:
فواعديه سرحتى مالك «4»
أي إتيان سرحتى مالك.
ومن ذلك قوله تعالى: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) «5»
أو صورته، لأنهم لم يعبدوا العجل حقيقة من بعده، أي من بعد خروجه.
وكذلك (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) في
رأس التسعين، فإنه لم يكن فيه حياة كما يكون في العجل حقيقة، بل كان صورة مموهة
وصنعوه صورة العجل.
__________
(1- 2) الأعراف: 142.
(3) طه: 80.
[.....]
(4) صدر بيت لعمر بن أبي ربيعة. أو تمامه:
أو الربا بينهما أسهلا
وانظر الحاشية (4 ص 10) من هذا الكتاب.
(5) البقرة: 51.
(1/45)
وقيل: من بعد إنجائنا إياكم.
نظيره: (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) «1» أي: من بعد
وفاتي (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) «2» أي عن عبادتكم العجل.
ومثله: (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) «3» أي ذوي هزو.
ومنه قوله: (وَكُلا مِنْها رَغَداً) «4» أي: من نعيمها.
نظيره: (فَكُلُوا «5» مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) «6» أي:
من نعيمها.
ومثله في الأعراف «7» .
ومن ذلك قوله: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ
بِكُفْرِهِمْ) «8» .
أي حب عبادة العجل، فحذف «حب» أولا، فصار: وأشربوا في
قلوبهم عبادة العجل، ثم حذف «العبادة»
.
ومثله: (مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) «9» أي من أثر تراب
حافر فرس الرسول.
وقال الكلبي «10» : لما ذرى العجل/ في اليم وشربوا منه
الماء ظهرت علامة الذهب على بدن محبي العجل، فذلك قوله: (وَأُشْرِبُوا فِي
قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) «11» .
__________
(1) البقرة: 133.
(2) البقرة: 52.
(3) البقرة: 67.
(4) البقرة: 35.
(5) في الأصل. «وكاوا» بتبديل من الناسخ.
(6) البقرة: 58.
(7) يريد الاية 161 من سورة الأعراف ( ... وَكُلُوا
مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) .
(8) البقرة: 93.
(9) طه: 96.
(10) الكلبي، هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر، نسابة
مفسر إخباري. كانت وفاته سنة ست وأربعين ومائة. (تهذيب التهذيب 9: 178- وفيات الأعيان 2: 301) .
(11) البقرة: 93.
(1/46)
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ
وَأَمْناً) «1» أي: ذا أمن. وإن شئت «أمنا» كان بمعنى: آمن.
ومن ذلك قوله تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها
ما كَسَبَتْ) «2» أي: لها جزاء ما كسبت (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) «3» أي: جزاء
ما كسبتم.
ومنه قوله تعالى: (وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها) «4» أي في عقوبة اللعنة، وهي النار.
(كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ) «5» أي: جزاء
أعمالهم.
قوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) «6» أي: مثل
داعي الذين كفروا (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) «7» لا بد من هذا الإضمار ليكون
الداعي بمنزلة الراعي.
وقيل: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) «8» : مثل وعظ الذين
كفروا، فحذف المضاف. قال سيبويه: وهذا من أفصح الكلام إيجازاً واختصاراً ولأن الله
تعالى أراد تشبيه شيئين بشيئين: الداعي والكفار، بالراعي والغنم فاختصر. وذكر
المشبه في الغنم بالظرف الأول فدل ما أبقى على ما ألقى.
وهذا معنى كلامه.
ومثله: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) «9» أي
أكل الميتة، فحذف.
__________
(1) البقرة: 125. [.....]
(2- 3) البقرة: 134.
(4) آل عمران: 87، 88. وبدء الآية الأولى: (أُولئِكَ
جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ.
(5) البقرة: 167.
(6- 7) البقرة: 171.
(8) إبراهيم: 18.
(9) البقرة: 173.
(1/47)
قوله تعالى: (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) «1» [أي:
ولكن ذا البر] «2» .
وإن شئت: ولكن البر بر من آمن.
وإن شئت: «كان البر» بمعنى البار، فلا يكون من هذا
الباب. ولا وجه أن يكون التقدير: ولكن البر بر من آمن، ليكون ابتداء الكلام على
الحقيقة لأنه إذا حذف منه «ذا» ، أو جعل بمعنى البار، فعلى الوجهين يكون مغيراً عن
أصله.
(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) «3» أي: من
جناية أخيه، وتقديره: من جنايته على أخيه. والعفو: التيسير «4» دون الصفح، كالذي
في قوله. وآخره عفو لله، أي يسر له حيث قبلت الصلاة في آخره قبولها في أوله، لم
تضيق على المصلى.
Translate
بحث هذه المدونة الإلكترونية
السبت، 14 أكتوبر 2023
ج5. تعراب القران للزجاج
ج4. اعراب القران للزجاج
وقال: (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) «4» ، أي: أملي لهم
الله، فالذكر في «أملى» . غير الذكر في «سَوَّلَ» .
وقال تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) «5» فالهاء الأخيرة لله،
والمتقدمان للنبي صلى الله عليه وعلى آله.
فكذا هاهنا (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) «6» لمن لم
يقم معه، ويكون الضمير في (فَإِذا سَجَدُوا) «7» لمن معه.
فتحقق قولنا إنه اختصر وأوجز.
__________
(1) التوبة: 40.
(2) النحل: 100.
(3) سبأ: 45.
(4) محمد: 25.
(5) الفتح: 9.
(6) النساء: 102.
(7) النساء: 102.
(1/33)
فأما قولنا أطنب وأسهب، فقوله عز من قائل: (وَلْتَأْتِ
طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا) «1» ولو قال: ولتأت طائفة أخرى «2» لم يصلوا
فليصلوا معك، كان حسناً أيضاً، لكنها وصفت بقوله (أُخْرى) «3» إطنابا في الكلام،
كما قال: (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) «4» وقال: (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ
الْأُخْرى) «5» وقال:
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) «6» .
وقال: (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) «7»
فيمن رفع، لأن المعنى:
لهم عذاب أليم من عذاب لأن الرجز: العذاب، بدلالة قوله:
(فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) «8» وقوله تعالى: (لَئِنْ كَشَفْتَ
عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) «9» وقال: (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ
إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) «10»
وفي موضوع آخر: (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ
إِذا هُمْ) «11» .
قال أبو علي: ومن قال: لهم عذاب من رجز أليم، فرفع
«أليماً» كان المعنى: لهم عذاب أليم من عذاب. وليست فائدته كذلك.
فالقول في ذلك أمران:
أحدهما أن الصفة قد تجيء على وجه التأكيد، كما أن الحال
قد تجىء كذلك في قوله تعالى: (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) «12» .
__________
(1) النساء: 102.
(2) كذا في الأصل، والأولى حذف كلمة «الأخرى» ليصح
الاستشهاد.
(3) النساء: 102.
(4) النحل: 51.
(5) النجم: 20.
(6) الحاقة: 13. [.....]
(7) سبأ: 5.
(8) البقرة: 59.
(9) الأعراف: 134.
(10) الأعراف: 135.
(11) الزخرف: 50.
(12) البقرة: 91.
(1/34)
وفي قوله: (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) «1» وكذا الصفة فيما
تلونا، وفى بعض المصاحف:
(وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) «2» .
والآخر أن الرجز: النجاسة، فيحمل على البدل للمقاربة.
ومعنى النجاسة فيه قوله: (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ
يُسِيغُهُ) «3» فكأن المعنى: عذاب من تجرع رجزاً ومن شربه، فتكون «من» تبييتاً
للعذاب:
مما هو؟ ومن أي شىء؟
وقال الشافعي في صلاة الخوف: يفتتح الإمام الصلاة
بالجميع، ثم تذهب طائفة إلى وجه العدو، ويصلى بطائفة ركعة وسجدتين بمقام ويقف حتى
تصلى هذه الطائفة ركعة أخرى ويسلموا.
ثم تذهب هذه الطائفة وتقف بإزاء العدو، وتأتى الطائفة
التي لم تصل شيئاً، فيصلي الإمام بهم الركعة الثانية، ثم يقومون ويقضون الركعة
الأخيرة.
والدليل/ على ما قلنا قول الله تعالى: (وَإِذا كُنْتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ) «4»
.
الآية.
فالله تبارك وتعالى أثبت طائفة لم يؤدوا شيئاً من الصلاة
مع الإمام، وعنده «5» لا يتصور هذا هاهنا، لأن الطائفة الثانية افتتحوا الصلاة مع
الإمام فقد أدوا جزءاً من الصلاة حال الافتتاح، ولأنه قال: (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ
أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) «6» وهذا يدل على خلاف قوله لأن
لطائفة الثانية قد صلّت عنده.
__________
(1) المعارج: 16. وقبلها: «كلا إنها لظى» .
(2) سورة ص: 23. وانظر: كتاب المصاحف للسجستاني طبعة
بريل (ص 81) .
(3) إبراهيم: 16، 17 كذا في الأصل.
(4- 5) وعنده، أي: وعند الشافعي.
(6) النساء: 102.
(1/35)
وقال:
(فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) «1»
والفاء للتعقيب، فهذا يدل على أن الطائفة الأولى تنصرف عقيب السجود، وعنده: تصلى
ركعة ثم تنصرف.
ولأن ما يقوله الشافعي يؤدى إلى سبق المؤتم الإمام
بالفراغ بالصلاة، وإلى أن يقف الإمام ينتظر فراغ المؤتم من الصلاة، وهذا لا يجوز
في غير حال الخوف، فكذلك فيها كسائر الأعمال.
وإنما قلنا: إن الطائفة الأولى تقضي ركعة بغير قراءة،
لأنها أدركت الصلاة فهي في حكم من هو خلف الإمام وأما الثانية فلم تدرك أول
الصلاة، والمسبوق فيها يقضى كالمنفرد في صلاته.
ومن ذلك قوله «2» : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها
لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) «3» أي: لولا أن رأى برهان ربه لواقعها، أو
لهم بها.
وقال: (وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) «4» أي:
لولا أن يحتجوا لو أصابتهم مصيبة، بأن «5» يقولوا: لولا أرسلت رسولاً فاتبعنا لما
أرسلنا الرسل «6» .
وقيل: عاجلناهم بالعقوبة.
وقيل: لكان فيما تقدم من الرسل المبعوثين قبلهم حجة عليهم.
__________
(1) النساء: 102.
(2) أي من حذف الجملة.
(3) يوسف: 24.
[.....]
(4) القصص: 47.
(5) في الأصل «فإن يقولوا» .
(6) أي إنما أرسلنا الرسل إزالة لهذا العذر. عن أبي حيان
(7: 123) . وقد استطرد فقال: وتقدير الجواب: «ما أرسلنا إليهم الرسل، هو قول
الزجاج» .
(1/36)
ومن حذف الفعل: قوله تعالى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)
«1» أي: إذا كورت الشمس.
و (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) «2»
أي: إن استجارك أحد.
و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) «3» [أي: إن هلك امرؤ] «4» .
و (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) «5» . [أي: إن خافت امرأة]
«6» .
و (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) «7» - إلى قوله-
(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) «8»
.
أي: انفطرت السماء، وانتثرت الكواكب، وفجرت البحار،
وبعثرت القبور.
وقال: (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) «9» أي: إذا انشقت
السماء.
وأما قوله: (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) «10»
فالتقدير: أحلف وأقسم، فحذف الفعل مع الفاعل، وفي الأول حذف الفعل، فحسب.
ومن ذلك قوله تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا
عَلَيْكُمْ) «11» . أي: كيف لا يقاتلونكم، فحذف الجملة. فأما قوله تعالى: (فَكَيْفَ
إِذا جِئْنا) «12» .
__________
(1) التكوير: 1.
(2) التوبة: 7.
(3) النساء: 176.
(4) تكملة يفقدها الأصل.
(5) النساء: 128.
(6) تكملة يفقدها الأصل.
(7) الانفطار: 1- 4.
(8) الانفطار: 4.
(9) الانشقاق: 1.
(10) البروج: 1.
(11) التوبة: 8. [.....]
(12) النساء: 41.
(1/37)
أي: كيف أنتم إذا جئنا! فحذف المبتدأ، بخلاف قوله (فَكَيْفَ إِذا
جَمَعْناهُمْ) «1» لأنه كالأول، أي: كيف تكون حالهم! أي: وكيف يصنعون! ومن إضمار
الجملة: قوله تعالى: (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ
خَزَنَتُها) «2» : كذا وكذا، صدقوا وعدهم وطابت نفوسهم. والكوفى «3» يحمله على زيادة الواو.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما
سَأَلْتُمُوهُ) «4» والتقدير: وما لم تسألوه، فحذف هذه الجملة، وهى فى موضع الجر،
أعنى الموصولة بالعطف على «ما» الأولى. وقد حذف في الحقيقة اسما معطوفا على المضاف
إليه، وكأنه قال: من كل مسئولكم وغير مسئولكم، ف «ما» يكون موصولا أو موصوفا، وأن
يكون موصوفا أحب إلينا، لأن «كلّا» يقتضى النكرة نظيره: (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) «5» أي:
هذا شىء لدى عتيد ومن كل شىء سألتموه.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ
عَلَيْكُمْ) «6» أي فقل لهم:
إني أخاف. ويجوز في (تَوَلَّوْا) تقديران:
المضى، والاستقبال، لقوله (يُمَتِّعْكُمْ) «7» .
__________
(1) آل عمران: 25.
(2) الزمر: 73.
(3) في البحر (7: 443) : «الكوفيون» .
(4) إبراهيم: 34.
(5) ق: 23.
(6- 7) هود: 3.
(1/38)
ومن ذلك قوله تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ
فَتَيانِ) «1» أي: عزموا على سجنه فسجنوه، ودخل معه السجن فتيان.
ومن ذلك قوله: (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا
بِهِ) «2» . قيل: الواو مقحمة.
وقيل: التقدير: هذا لإبلاغ الناس ولينذروا به.
وقال أبو علي: اللام تتعلق بفعل محذوف، كأنه قال: وأنزل
لينذروا ويعلموا التوحيد من الدلالات التي فيه كما قال الله تعالى: (كِتابٌ
أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... لِتُنْذِرَ) «3» . وقال: (أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ
... لِيُنْذِرَ
بَأْساً شَدِيداً) «4» .
ومنه قوله تعالى: (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ)
«5» أي: أرسلنا بأن أرسل معنا، فحذف.
ومنه قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ)
«6» والتقدير: أعزنا ولا تذلنا.
ج3.اعراب القران للزجاج
ومن إضمار الجملة قوله تعالى: (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ
آيَةً لِلنَّاسِ) «8» . والتقدير: لتستيقن ولنجعلك آية للناس.
نظيره قبله: (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) «9» .
تقديره: واشكروا ولأتم.
__________
(1) يريد: باب إضمار الجمل، وباب حذف المضاف.
(2) البقرة: 183 و 184. والنقط إشارة إلى موضع حذف في
الآيتين.
(3) يريد قوله تعالى: (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ) . [.....]
(4) البقرة: 83.
(5) في الأصل: «فأحسنوا» .
(6) البقرة: 83.
(7) البقرة: 239.
(8) البقرة: 259.
(9) البقرة: 150.
(1/23)
وقيل: هو معطوف على قوله: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) «1» ، (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) «2» .
وأما قوله تعالى: (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي
حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) «3» فهو معطوف على المعنى لأن قبله (قَدْ جِئْتُكُمْ ...
وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ) «4» أي جئتكم لأصدق التوراة والإنجيل، ولأحل
لكم، ولتكملوا العدة «5» .
نظيره في أحد القولين في سورة مريم عليها السلام:
(وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) «6»
.
والتقدير: قال: كذلك قال ربك، ويكون «علّي هّين» لأخلقه
من غير أب، ولنجعله آية للناس.
وقيل: هو معطوف على قوله تعالى: (لِأَهَبَ لَكِ)
«7» .
وقيل: الواو في الآى كلها مقحمة.
ومثله: (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ
وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) «8» . والتقدير: ليستقيم أمره
ولنعلمه.
مثله: (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) «9» . أي:
لتسلموا من «10» أذاهم، وشذاهم «11» (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) «12» .
ومثله: (فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ)
«13» أي: فبإذن الله ليظهر الحق.
__________
(1- 2) البقرة: 150.
(3) آل عمران: 50.
(4) آل عمران: 49، 50 والنقط إشارة إلى محذوف من الآيتين.
(5) كذا جاءت هذه العبارة «ولتكملوا العدة» في الأصل،
وهي ليست من سرد الآية الكريمة.
(6) مريم: 20.
(7) مريم: 19.
(8) يوسف: 21.
(9) الفتح: 20. [.....]
(10) في الأصل «عن» .
(11) الشذا: الشر.
(12) الفتح: 20.
(13) الحشر: 5.
(1/24)
قال أبو علي «1» في قوله تعالى: (بِوالِدَيْهِ
إِحْساناً) «2» في سورة الأحقاف في قراءة الكوفيين «إحساناً» منصوب بمضمر يدل عليه
ما قبله، وهو قوله (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) «3» كأنه
لما قال: (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) «4» قال: وقلنا لهم أحسنوا بالوالدين
إحساناً.
كما قال: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا
فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) «5» ، فالجار يتعلق بالفعل
المضمر، ولا يجوز أن يتعلق بالمصدر، لأن ما يتعلق بالمصدر لا يتقدم عليه.
و «أحسن» «6» يوصل بالباء كما يوصل بإلى، يدلك على ذلك
قوله تعالى:
(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ)
«7» فعداه بالباء كما تعدى بإلى في قوله تعالى: (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ
إِلَيْكَ) «8» . والتقدير أنه لما قال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) وكان هذا
الكلام قولا، صار كأنه: وقلنا: أحسن أيها/ الإنسان بالوالدين إحسانا.
ووجه من قرأ في الأحقاف: (بوالديه حسناً) أن يكون أراد
بالحسن الإحسان، فحذف المصدر ورده إلى الأصل، كما قال الشاعر:
فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يهلك فذلك كان قدرى
أي: تقديرى.
__________
(1) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي
إمام العربية، وكانت وفاته سنة 5377- 987 م.
(2- 3) الأحقاف: 15. وقد جاءت في الأصل (وبالوالدين
إحسانا) وهو تبديل اضطرب فيه الناسخ فبدل وأسقط.
(4) كذا في الأصل، وفي الكلام حذف، فالإشارة هنا إلى آية
أخرى من سورة البقرة هي قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ
لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) .
(5- 6) البقرة: 63. وهي على إضمار القول، أي: وقلنا لكم
خذوا ما آتيناكم. (البحر 1: 243)
.
(7) يوسف: 100.
(8) القصص: 77.
(1/25)
ويجوز أن يكون وضع الاسم موضع المصدر كما قال:
وبعد عطائك المائة الرتاعا «1»
والباء في هذين الوجهين متعلقة بالفعل المضمر، كما تعلقت
به في قول الكوفيين في قراءتهم (إحساناً) .
ومن إضمار الجملة قراءة ابن كثير في قوله تعالى: (أَنْ
يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) «2» بالاستفهام «3» ، على تقدير: بأن يؤتى
أحد مثل ما أوتيتم، تعترفون أو تقرون؟ فأضمر، لأن قوله: (وَلا تُؤْمِنُوا) «4» يدل
عليه.
كما قال: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) «5» والتقدير:
الآن آمنت، فأضمر «آمنت» لجرى ذكره في قوله (آمَنْتُ) «6» .
ومن ذلك قوله تعالى: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ
شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) «7» . والتقدير: ولو شهدتم على
أنفسكم، فحذف الفعل.
__________
(1) عجز بيت للقطامي، صدره:
أكفرا بعد رد الموت عني
والرقاع: الماشية ترقع في المرعى.
(2) آل عمران: 73.
(3) قال أبو حيان: «على الاستفهام الذي معناه الإنكار
عليهم والتقرير والتوبيخ. والاستفهام الذي معناه الإنكار هو مثبت من حيث المعنى،
أي: المخافة
أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قلتم ذلك وفعلتموه؟» (البحر 2:
494- 496) .
(4) بدء الآية 73 من سورة آل عمران. قال تعالى: (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا
لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى ... ) . [.....]
(5) يونس: 91.
(6) يونس: 90.
(7) النساء: 135.
(1/26)
فأما قوله تعالى: (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ
كانَ ذا قُرْبى)
«1» . أي: ولو كان المشهود عليه ذا قربى.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ) - إلى قوله- (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) «2»
فحذف جواب «لمَّا» . أي كفروا.
ودل عليه قوله تعالى: (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا
كَفَرُوا بِهِ) «3» ولا يكون «لما» الثانية بجوابها جواب «لما» الأولى لأنا لا
نعلم «لما» في موضع، لما أجيب بالفاء، كذا ذكره الفارسي «4» . فإذن نجىء بقول عمرو بن معد يكرب:
فلما رأيت الخيل زورا «5» كأنها ... جداول زرع خليت
فاسبطرت
فجاشت إلى النفس [أول مرة ... فردت على مكروهها فاستقرت]
«6»
فأجاب «لما» بقوله «فجاشت» .
فأما قوله تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ
لِلْجَبِينِ) «7» فإن الجواب محذوف أيضاً.
وقيل: بل الواو مقحمة.
وعلى هذا الخلاف قوله تعالى: (إِذَا السَّماءُ
انْشَقَّتْ) «8» .
__________
(1) الأنعام: 152.
(2- 3) البقرة: 89.
(4) هو أبو علي الفارسي، وقد تقدم التعريف به (ص 22) .
(5) زورا: أي مائلة من وقع الطعن فيها جمع أزور.
(6) ما بين القوسين المربعين زيادة عن شرح ديوان الحماسة
(1: 157) .
(7) الصافات: 103.
(8) الانشقاق: 1.
(1/27)
قيل: جوابه محذوف، أي: قامت القيامة.
وقيل: بل الواو في (وَأَذِنَتْ) «1» مقحمة، والجواب
«أذنت» .
وقيل: بل الجواب قوله: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ)
«2» .
وقيل: بل الفاء مضمرة، أي: ف (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ
إِنَّكَ كادِحٌ) «3» .
ونظير هذا قوله تعالى: (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ
وَمَأْجُوجُ) «4» إلى قوله: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) «5» .
ومثله: (وَلْنَحْمِلْ) «6» . أي: اتبعوا سبيلنا [ولنحمل] .
ومثله: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا) «7» إلى
قوله (وَأَوْحَيْنا) «8» الواو مقحمة.
وقيل: بل الجواب مضمر.
فأما قوله تعالى: (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) «9» ،
فقيل: الجواب: (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) «10» . أي: إذا وقعت الواقعة لم
يكن التكذيب بها.
وقيل: بل الجواب قوله: (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) «11» . أي:
فهي خافضة رافعة.
قال أبو علي: وإذا جاز (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ
وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) «12» على تقدير: فيقال لهم: أكفرتم
بعد إيمانكم؟ فحذف الفاء مع القول، وحذف الفاء وحده أجوز.
__________
(1- 2) الانشقاق: 7. وفي الأصل: «فى وأقتت» يريد قوله
تعالى (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) سورة المرسلات:
11.
(3) الانشقاق: 6.
(4) الأنبياء: 96.
(5) الأنبياء: 97. [.....]
(6- 7) العنكبوت: 12.
(8) يوسف: 15.
(9) الواقعة: 1.
(10) الواقعة: 2.
(11) الواقعة: 3.
(12) آل عمران: 106.
(1/28)
وقيل: جوابه (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) «1» . أي
وقت وقوع القيامة وقت رج الأرض.
وقيل: بل العامل فيه: اذكر.
ومن حذف الجملة قوله تعالى: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) «2» .
وتقديره: وأنتم محدثون فاغسلوا.
وقدره قوم: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا من أجلها.
وكلاهما تحتمله العربية.
ومن حذف الجملة ما وقع في سورة «الأعراف» وفي سورة «هود»
من قوله: (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) «3» . [وإلى ثمود أخاهم صلحا] «4» (وَإِلى
مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) «5» . والتقدير في ذا كله: وأرسلنا إلى عاد أخاهم
هودا وأرسلنا إلى ثمود أخاهم [صالحاً] «6» ، وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً.
هذا على قول من قال: إن العامل مع الواو في تقدير
الثبات، وله العمل دون الواو.
ومن قال: بل العامل هو الواو نفسه، لم يكن معطوفاً على
ما تقدم من قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) «7» ... «8» وذلك كقوله تعالى:
__________
(1) الواقعة: 4.
(2) المائدة: 6.
(3) الأعراف: 65، هود: 50.
(4) الأعراف: 73، هود: 61.
(5) الأعراف: 85، هود: 84.
(6) تكملة يقتضيها السياق ويظهر أنها سقطت من الناسخ.
(7) هود: 25.
(8) موضع النقط من الأصل هذه العبارة: «يا قارى كتاب
عثمان ولا تفهمه أبدا» وهي كسابقتها زيادة قارى أقحمها الناسخ. وسنشير إلى هذا كله
في التقديم لهذا الكتاب.
[.....]
(1/29)
(فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) «1» . (فَكَيْفَ إِذا
أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) «2» . (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) »
. والتقدير: فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم «4» . يدل على
صحته قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ
وَعِنْدَ رَسُولِهِ) . «5» ف «عهد» اسم «يكون» و «عند الله» صفة له. و «كيف» خبر
عنه، أعني: يكون.
«وللمشركين» : ظرف «يكون» .
ومن حذف الجملة، قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ
مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) «6» . والتقدير:
من يحادد الله ورسوله يعذب، فحذف الجواب كحذفه فيما قدمناه. وقوله تعالى: (فَأَنَّ
لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) بدل من (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) والفاء
زيادة على قول سيبويه.
وقال غيره: إن «أنّ» ، مرتفع بالظرف، أي: فله أن له «7»
، وستراه في بابه.
ومن حذف الجملة [قوله تعالى] «8» : (قالَ لَوْ أَنَّ لِي
بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) «9» والتقدير: لالتجأت إليه. فحذف
الجواب.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: رحم الله أخي لوطاً قد
وجد ركناً شديداً.
__________
(1) آل عمران: 25.
(2) النساء: 62.
(3) التوبة: 8.
(4) كأن في الكلام نقصا لسكوته عن الآيتين الأخريين، أو
لعله اكتفى بالأولى ليدل بها عليها.
(5) التوبة: 7.
(6) التوبة: 63.
(7) كذا في الأصل. وفي الكلام نقص واضطراب. والعبارة
تنطوي على مذهبين: أحدهما أن «أن له» مفرد في موضع رفع على الابتداء وخبره محذوف،
قدر مقدما، أي فحق أن يكون، وقدر متأخرا، أي فأن له نار جهنم واجب.
وثاني المذهبين: أن «أن له» الثانية مكررة للتوكيد،
والتقدير فله نار جهنم. (البحر 5: 65- الكشاف 2: 285) .
(8) تكملة يفقدها الأصل.
(9) هود: 80.
(1/30)
ومن ذلك الآية الواردة في صلاة الخوف، وهو قوله عز من
قائل:
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ
فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا
سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ
يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) «1» . اختصر وأوجز
وأطنب وأسهب، وأتى بالبلاغة والفصاحة بحيث لا يفوتها كلام، ولا يبلغ كنهها بشر،
فتحقق قوله (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيراً) «2» .
فاعرف أيها الناظر كيفية صلاة الخوف، ثم انظر في الآية
يلح لك إيماؤنا إلى ما أومأنا إليه.
قال أبو حنيفة: إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين
طائفة في وجه العدو، وطائفة خلفه فصلى بهذه الطائفة ركعة وسجدتين، فإذا رفع رأسه
من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة. فصلى بهم
ركعة وسجدتين وتشهد وسلم، ولم يسلم القوم وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت طائفة أخرى
فصلوا وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهد، ومضوا إلى وجه العدو، وجاءت طائفة
أخرى فصلوا ركعة وسجدتين بقراءة وتشهد وسلموا.
فإذا عرفت هذا فقوله تعالى: (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ
مِنْهُمْ مَعَكَ) «3» فمعناه:
فلتصل طائفة منهم لم يصلوا معك، أي: فلتقم طائفة بركعة،
فحذف.
__________
(1) النساء: 102.
(2) الإسراء: 88.
(3) النساء: 102.
(1/31)
ثم قال: (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) أي: الذين
انصرفوا إلى تجاه العدو ولم يصلوا معك، وليأخذوا أسلحتهم. ثم قال: (فَإِذا
سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) «1» يعني الطائفة التي صلت تقوم بإزاء
العدو حين فرغت من ركعة عقيب السجدة، لأن الفاء للتعقيب. فلا يجوز: إذا سجدت
الثانية أن تقف لتتم الركعة الأولى، فتضم إليها الركعة الثانية، لأن الفاء يبطل
معناها إذ ذاك، فوجب أن يكونوا من وراء عقيب السجدة بإزاء العدو، ولا تقف للركعة
الباقية، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ركعة، فحذف المفعول.
ولم يقل: فلتنصرف الأولى وتؤدى الركعة بغير قراءة وتسلم.
فحذف هذه الجملة، وحذف المفعول من قوله (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) «2» ، وحذف الجار
والمجرور من قوله (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) «3» وأضمر في قوله (وَلْيَأْخُذُوا
أَسْلِحَتَهُمْ) «4» غير الطائفة المأمورين بالقيام معه. فلا ينصرف الضمير من قوله
(وَلْيَأْخُذُوا) «5» إلى الظاهر قبله وإنما التقدير: وليأخذ باقيهم أسلحتهم فحذف
المضاف فاتصل المنفصل.
ونظير حذف الباقي قوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ
كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) «6» ، أي: ليتفقه
باقيهم.
ولما أضمر غير المقدم ذكرهم رجع إلى ذكرهم في قوله
(فَإِذا سَجَدُوا) «7» فخالف بين الضميرين اللذين أحدهما بعد صاحبه. فلا يمكنك
إنكاره بقولك:
لم خالفت بينهما؟ ولم تجعل قوله (وَلْيَأْخُذُوا) راجعاً
إلى الطائفة التي أمرت
__________
(1، 2، 3، 4، 5)
النساء: 102.
(6) التوبة: 122. [.....]
(7) النساء: 102.
(1/32)
بالقيام معه حتى تأخذ السلاح معه في الصلاة لأن اختلاف
الضميرين قد جاء في التنزيل.
قال عز من قائل: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) «1» فالهاء الأولى لصاحبه،
والثانية له صلى الله عليه وآله.
وقال: (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ
يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) «2» فالهاء في «به» لله
والمتقدمان للشيطان. وقال: (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) «3» فالضمير
في «بلغوا»
لمشركي مكة والذي في «آتيناهم» للمتقدمين من المشركين.
الطحاوي والنووي يقران بأن المصر علي الكبيرة ومات مصرا عليها سيدخل الجنة وخالفا كتاب الله
الطحاوي والنووي يقران بأن المصر علي الكبيرة ومات مصرا عليها سيدخل الجنة وخالفا كتاب الله {تعرف علي المهزلة العقائدية} الطحاااااااااوي...
-
التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب 4. التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب كتاب السبق والرمي وتصح المسابقة على الدواب وا...
-
الطحاوي والنووي يقران بأن المصر علي الكبيرة ومات مصرا عليها سيدخل الجنة وخالفا كتاب الله {تعرف علي المهزلة العقائدية} الطحاااااااااوي...
-
هيتميل الدجال للمقدسي ادلة ثبوت خبر تميم الداري المستيقنة ادلة ثبوت خبر تميم الداري المستيقنة 1- الدليل الفيزيائي المناخي : لق...