Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 أكتوبر 2023

الكتاب: اتفاق المباني وافتراق المعاني المؤلف: سليمان بن بنين بن خلف بن عوض، تقيّ الدين، الدقيقي المصري (المتوفى: 613هـ)


الكتاب: اتفاق المباني وافتراق المعاني

المؤلف: سليمان بن بنين بن خلف بن عوض، تقيّ الدين، الدقيقي المصري (المتوفى: 613هـ)

المحقق: يحيى عبد الرؤوف جبر

مُقَدّمَة الْمُؤلف

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الْحَمد لله ولي الْحَمد وَالثنَاء وَأهل الْكَرم والنعماء حمد مستمتع بدوام نعمه ومستوزع للشكر على جليل قسمه ومؤد فرض محامده وآلائه ومستمد من فَوَائِد كرمه ونعمائه وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد نبيه المكين وَرَسُوله الْأمين وعَلى آله الطيبين الطاهرين وَصَحبه الْكِرَام المنتجبين وَسلم وَعظم ومجد وكرم وَبعد

فإنني لما أعنت على تصنيف كتابي الْمُسَمّى أَحدهمَا بإغراب الْعَمَل فِي إِعْرَاب أَبْيَات الْجمل وَالْآخر الْمُسَمّى الوضاح فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح أردْت أَن أعززهما بثالث يجْرِي فِي مسارهما وَيحسن فِي تتبع آثارهما ذكر ت من عجائب اللُّغَة الَّتِي شرف الله قدر منزلتها وَجعل علم الدّين وَالدُّنْيَا مَنُوطًا بفهمها ومعرفتها مَا بيّنت فِيهِ مَا أتفقت مبانيه وَاخْتلفت أَلْفَاظه ومعانيه وَدَعَانِي ذَلِك إِلَى أَن أشفعه بِمَا أَتَشفع بِهِ إِلَى مجْلِس الْمولى الْأَجَل الْأَشْرَف الْأمين بهاء الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن القَاضِي الْأَجَل الْفَاضِل أبي عَليّ عبد الرَّحِيم بن القَاضِي الْأَجَل الْأَشْرَف بهاء الدّين أبي الْحسن عَليّ لِأَنَّهُ أعزه الله فريد دهره ووحيد عصره يرى بِالْعلمِ مَا لَا يرَاهُ الظمئان بزلال قد عذب أَو الْمُحب بوصال من أحب فَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(ولنعم سوق الْعلم أَنْت لمن ... كسدت عَلَيْهِ بضَاعَة الْعلم)

(قَاض أدق النَّاس معرفَة ... يَرْمِي وَيعلم موقع السهْم)

جمل الله وجود الْجُود بِبَقَائِهِ وارتقائه وَثَبت سعود الصعُود بإدامة مجده

(1/83)

وعلائه وذب عَن مسالك الممالك بحراسة حوبائه وبذل حبائه

فَحملت هَذَا الْمُؤلف إِلَى خزائنه المعمورة بدائم عزه وبقائه المبرورة بِصَالح ادخار هـ واقتنائه تيمنا بانضمامه إِلَى حَاشِيَة مَالِكهَا وانتظامه فِي سلك عُقُود ممالكها فَإِن وَافق إِصَابَة الْغَرَض أعين على أَدَاء المفترض وَإِن وَقع دون المرمى وكنى عَن غير مَا أسمى فَمَا أولى الْمولى أيده الله لإقالة الكبوة وتغمد الهفوة وسد الْخلَل ورد الزلل وَالله أسأَل الْإِعَانَة على تَنْفِيذ خدمه ومراسمه ومشاهدة أعياد الزَّمَان بدوام أَيَّامه ومواسمه ليَكُون من ذخائر آدابها ونفائس جَوَاهِر علومها وألبابها وَللَّه أَرغب فِي إتْمَام ذَلِك بلطف السُّؤَال ودرجه فِي صحف الْعَمَل المقبول إِنَّه ولي الْإِجَابَة وَأهل الرَّغْبَة والإنابة وَهَذَا حِين ابتدئ الْكتاب وَالله الْمُوفق للصَّوَاب فَمن ذَلِك مَا أَخْبرنِي بِهِ الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن حَامِد بن مفرج بن غياث الأرتاحي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَ أنبأني الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عمر الْفراء الْموصِلِي وَقَالَ أخبرنَا أَبُو اسحق إِبْرَاهِيم بن سعيد بن عبد الله الحبال قَالَ أخبرنَا أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن إِسْمَاعِيل بن خرذاد النجيرمي قَالَ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم جَعْفَر بن شاذلي القمي قَالَ أخبرنَا أَبُو عمر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الزَّاهِد قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد ابْن يزِيد الْمبرد بِجَمِيعِ مَا اتّفق لَفظه وَاخْتلف مَعْنَاهُ من الْقُرْآن قَالَ أَبُو الْعَبَّاس

(1/84)

هَذِه حُرُوف ألفناها من كتاب الله عز وَجل متفقة الْأَلْفَاظ مُخْتَلفَة الْمعَانِي مُتَقَارِبَة فِي القَوْل مُخْتَلفَة فِي الْخَبَر على مَا يُوجد فِي كَلَام الْعَرَب لِأَن من كَلَامهم اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ لاخْتِلَاف الْمَعْنيين وَاخْتِلَاف اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَاحِد واتفاق اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَاف الْمَعْنيين قَالَ الْمبرد فَأَما اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ لاخْتِلَاف الْمَعْنيين نَحْو ذهب وَجَاء وَقَامَ وَقعد وَيَد وَرجل وَفرس وحمار

وَأما اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ وَالْمعْنَى وَاحِد فكقولك ظَنَنْت وحسبت وَقَعَدت وَجَلَست وذراع وساعد وأنف ومرسن

وَأما اتِّفَاق اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَاف الْمَعْنيين فنحو قَوْلك وجدت شَيْئا إِذا أردْت وجدان الضَّالة وَوجدت على الرجل من الموجدة وَوجدت زيدا كَرِيمًا أَي علمت

ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك فمما اتّفق لَفظه وَاخْتلف مَعْنَاهُ قَول الله عز وَجل {إِلَّا أماني وَإِن هم إِلَّا يظنون} هَذَا لمن يشك ثمَّ قَالَ {الَّذين يظنون أَنهم ملاقو رَبهم} فَهَذَا يَقِين

(1/85)

الْبَاب الأول مَا اخْتلف لَفظه وَاخْتلف مَعْنَاهُ

(1/87)

الْفَصْل الأول العشرات

قَالَ الْمُؤلف قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن جَعْفَر التَّمِيمِي النَّحْوِيّ وَقد اتَّصل بِي مَا ذكره الشَّيْخ الرئيس مُحَمَّد بن أبي الْعَرَب الْكَاتِب من كتاب العشرات لأبي عمر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَعْرُوف بالزاهد فرغبت فِيمَا رغب فِيهِ وملت إِلَى النّظر فِيمَا مَال إِلَيْهِ رَغْبَة أَن أؤلف كتابا فِي مَعْنَاهُ أؤدي بِهِ بعض مَا يلْزَمنِي من حَقه راجيا أَن يَقع فِي التَّأْلِيف بموافقته

فَرَأَيْت أَبَا عمر الزَّاهِد قد أَخذ فِي بَاب من الْعلم متسع وسلك طَرِيقا من التَّأْلِيف غير مُمْتَنع يجد الْمُؤلف فِيهِ من المئات مِمَّا وجد أَبُو عمر من العشرات وَلست أقصر بِهِ فِي وجود مَا ذَكرْنَاهُ من المئات فِي أَبْوَاب مَا صنفه من العشرات غير إِنَّا لَا نَدْرِي مَا السَّبَب الْمَانِع من تكثيره أَو مَا العائق الْقَاصِر على يسيره فأردنا أَن نأتي فِي أبوابه على حد مَا رسم فِي كِتَابه من المئات بأضعاف مَا جَاءَ بِهِ من العشرات ثمَّ إِذا علمنَا مَعَ ذَلِك أَنا لَو تكلفناه وَجِئْنَا بِهِ على مَا ذَكرْنَاهُ لما كَانَ غَرِيبا فِي التَّأْلِيف وَلَا مستطرفا من التصنيف إِذْ كَانَ الْكَلَام كُله لَا يخرج عَن ثَلَاثَة أَقسَام هِيَ

1 - معَان مفترقات يعبر عَنْهَا بِأَلْفَاظ مختلفات كَقَوْل أبي عمر المثع مشْيَة قبيحة وَالْمَنْع السرطان والمتع الطول وَأَشْبَاه ذَلِك وَلَيْسَ جمع

(1/89)

الْمِثَال لَهَا بمخرجها عَمَّا ذَكرْنَاهُ فِيهَا

2 - وَمَعَان متفقات يعبر عَنْهَا بِأَلْفَاظ متباينات كَقَوْلِهِم ذهب وَانْطَلق وَسَار وَأَشْبَاه ذَلِك

3 - وَمَعَان مفترقات يعبر عَنْهَا بِأَلْفَاظ متفقات وَهَذَا الْبَاب قَلِيل وتأليف مثله غَرِيب فألفنا مَا وجدنَا فِيهِ من العشرات إِلَى مَا يزِيد عَلَيْهَا وسميناه بِمَا رسمناه مِنْهَا وخشينا أَن يتَوَهَّم علينا تَقْصِير فِيمَا ضمناه من المئات مِمَّا أَتَى بِهِ أَبُو عمر من العشرات فقدمنا أَمَام مَا قصدناه بَابا ندل بِهِ على الْقُدْرَة على مَا ضمناه وجعلناه مبوبا على بَاب من كتاب أبي عمر مَوْجُود ليعلم قدر الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَيُوجد مَا ضمناه فِيهِ فَمن ذَلِك قَول أبي عمر المثع مشْيَة قبيحة والردع الْمقْبرَة وَالْمَنْع السرطان والسفع الْأَخْذ والكبع النَّقْد والقلع الْكَتف والمتع الطول والسلع الشق القنع أَن يُطَأْطِئ الرجل رَأسه والرقع الطَّرِيق فِي الْجَبَل فَهَذِهِ عشرَة أبي عمر

قَالَ وَقُلْنَا مَوْصُولا بذلك والبخع قتل النَّفس أسفا والبدع اختراع الشَّيْء والبكع اسْتِقْبَال الرجل مَا يكره والبلع الْكثير الصمت والبصع ضيق مخرج المَاء والبضع قطع اللَّحْم والتلع ارْتِفَاع النَّهَار وَالتسع أَخذ تسع الشَّيْء والجدع قطع الْأنف والجدع الْحَبْس والجدع الدَّلْك

(1/90)

والجرع حسو الدَّوَاء والجزع قطع الْوَادي والجزع صنف من الخرز والجلع قلَّة الْحيَاء وَالْجمع خلاف التَّفْرِيق وَالْجمع صنف من النّخل والدلع إِخْرَاج اللِّسَان والدمع سمة فِي مجْرى الْعين وَالدَّفْع الْحَاجة والدسع الْقَيْء والذرع الطَّاقَة الرّبع منزل الْقَوْم وَالرّبع الرّفْع وَالرّبع قوم الرجل والرتع مرج الْمَاشِيَة فِي المرعى والرجع الغدير والرجع نَبَات الرّبيع والرجع الْمَطَر والرجع رد الْجَواب والروع التضميخ بالزعفران والروع الْكَفّ عَن الشَّرّ والروع الدَّم والردع مقاديم الْإِنْسَان والرطع الْجِمَاع والرطع تطأطؤ الرَّأْس والرصع الطعْن بِالرُّمْحِ والرصع فراخ النَّحْل وَالرَّفْع خلاف الْوَضع وَالرَّفْع الهجاء وَالرَّفْع إصْلَاح خرق الثَّوْب والرسع شدّ الخرز فِي يَد الصَّبِي والروع الْفَزع والريع الزِّيَادَة والريع الرُّجُوع

(1/91)

والريع فضل كم الذِّرَاع على أَطْرَاف الأنامل وَالزَّرْع مَعْرُوف وَالزَّرْع النَّسْل والزلع استلاب الشَّيْء ختلا والزلع الْقطع والطبع مَا جبل عَلَيْهِ الْإِنْسَان والطبع الْخَتْم والطبع ملْء السقاء والطلع جمار النّخل والظلع خوض المَاء والكسع ضرب الدبر بِالرجلِ والكسع ترك بَقِيَّة اللَّبن فِي الْخلف والكشع افْتِرَاق الملحمة عَن قَتِيل واللذع حر النَّار واللطع ضرب من الشّرْب واللمع بريق الشَّيْء واللفع الإشتمال واللقع الْحَذف بالحصاة واللقع الْإِصَابَة بِالْعينِ واللسع ذكر الْعَقْرَب والمجع أكل التَّمْر بِاللَّبنِ والمذع الْخَبَر بِبَعْض الحَدِيث والمزع سرعَة الْفرس والمزع نفش

(1/92)

الصُّوف والمطع الذّهاب فِي الأَرْض والمظع ترك الْعود فِي لحائه ليشْرب مَاءَهُ والملع السرعة وَالْمَنْع الحؤل دون الشَّيْء والمصع تَحْرِيك الذَّنب والمصع اضْطِرَاب الْقلب من الْفرق والمضع تنَاول الْعرض والمشع الْكسْب والمشع نفش الْقطن والمشع ضرب من الْأكل والنبع شجر مَعْرُوف والنتع خُرُوج النَّار من الزِّنَاد والنخع قطع نخاع الشَّاة والنزع مد وتر الْقوس والنزع النزاع والنصع بَيَاض الثَّوْب وَالنَّقْع خلاف الضّر والنفع الْغُبَار وَالنَّقْع اخْتِلَاط الْأَصْوَات وَالنَّقْع جمع الرِّيق تَحت اللِّسَان وَالنَّقْع كَثْرَة الْمَوْت وَالنَّقْع الرّيّ من المَاء والنشع الْوُجُود والنشع انتزاع الشَّيْء بعنف والنشع السعط والصبع إِرَاقَة المَاء بَين الْأَصَابِع والصبع الْإِشَارَة بالأصابع والصبع الدّلَالَة على الرجل والصدع الشق والصرع الْإِلْقَاء فِي الأَرْض والصفع

(1/93)

فِي الْقَفَا والصقع فِي الرَّأْس والصقع صياح الديك والضبع مد الضبع فِي السّير والضبع رَأس الْمنْكب والضبع لُغَة فِي الضبع والضجع إِلْقَاء الْجنب للنوم والضجع نبت يغسل بِهِ والضرع من الشَّاة مَعْرُوف والضلع الْميل والجور والضفع نجو الْفِيل والضفع قَضَاء الْحَاجة والفجع وجع الْمُصِيبَة وَالْفرع أَعلَى كل شَيْء وَالْفرع الْغُصْن والقلع شقّ الرَّأْس والفصع دلك الشَّيْء بالأصبع والفصع هشم الْعود والفقع الكمأة والقبع إِدْخَال الرَّأْس فِي الثَّوْب والقدع الْكَفّ والقذع الشتم بِاللِّسَانِ والقدع الضَّرْب بِالْيَدِ والقرع الضَّرْب بالعصا والقرع الدبا الْمَأْكُول وَالْقطع مَعْرُوف

(1/94)

وَالْقطع الخنق والقلع إِزَالَة الشي من مَوْضِعه والقمع الْقَهْر والقمع الْإِنْصَات للْحَدِيث والقصع ضرب الرَّأْس والقصع ابتلاع المَاء القفع ضرب من النبت

والقشع النطع والقشع الفرو والسبع لُغَة فِي السَّبع والسبع السّعَايَة عِنْد السُّلْطَان والسبع من الْعدَد والسدع مُوالَاة الْكَلَام على رُوِيَ وَاحِد والسجع تَرْجِيع صَوت الْحمام والسجع صدم الشي بالشَّيْء والسلع من قَوْلهم مَا أَدْرِي أَيْن سكع أَيْن أَن حل والسمع مدْخل الصَّوْت والسفع لفح النَّار والسقع الضَّرْب بالشَّيْء الصلب والسقع صياح الديك وَالشَّرْع شقّ الإهاب والكرع تنَاول المَاء بالفم والشمع لُغَة فِي الشمع وَالشَّفْع الزَّوْج وَالشَّفْع الْخلق والهتع السرعة والهزع اضْطِرَاب السهْم والهطع الْإِسْرَاع مَعَ خوف والهكع السعال والهمع سيلان الدمع من الْعين والودع ضرب من

(1/95)

الصدف والوزع الْكَفّ عَن الشَّيْء والولع الْكَذِب والولع الْعَدو السهل والوضع ترك الشَّيْء على الأَرْض والوقع سُقُوط الشَّيْء والوقع الْأَثر والوسع الطَّاقَة لُغَة فِي الوسع

قَالَ أَبُو عبد الله قد اتينا فِي هَذَا الْبَاب على مائَة وَسبعين لَفْظَة وَلَو جهدنا فِي جمعه لبلغناه مِائَتَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَإِن لم يبلغ نفاسة التَّأْلِيف فَهُوَ أَنْفَع للقارئ والحافظ وَأكْثر نَفعه للشاعر الْمَقْصد لوُجُوده مَا يركب من الروي وَقلة تَعبه فِي طلب الْحَرْف اللّغَوِيّ وَلَكنَّا رَأينَا أَن مَا قصدناه أغرب فِي التَّأْلِيف وَأحسن فِي الْحِفْظ مِمَّا قدمْنَاهُ

(1/96)

الْفَصْل الثَّانِي

قَالَ الْمُؤلف وَقد يفرقون بَين الْكَلَامَيْنِ المتكافئين والمعنيين الْمُخْتَلِفين بالإعراب وبحركة الْبناء وبتغيير حرف الْكَلِمَة كَمَا أَخْبرنِي بِهِ الشَّيْخ الإِمَام جمال الْعلمَاء وتاج الأدباء أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن بري النَّحْوِيّ رَحمَه الله بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي التَّاسِع عشر من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة قَالَ أَخْبرنِي الشريف القَاضِي أَبُو مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن العثماني الديباجي عَن أبي الْحسن عَليّ بن المشرف وَأَخْبرنِي أَيْضا الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن حمد بن حَامِد بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ يَوْم الْخَمِيس الرَّابِع عشر من شهر ربيع الآخر من سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة قَالَ أنبأني الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عمر الْفراء الْموصِلِي قَالَا أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن عبد الْبَاقِي بن فَارس بن أَحْمد المفروء عَن أبي حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن عرَاك الْمُقْرِئ عَن أبي بكر أَحْمد بن مَرْوَان الْمَالِكِي عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة الدينَوَرِي رَضِي الله عَنْهُم قَالَ وللعرب الاعراب الَّذِي جعله الله وشيا لكلامها وَحلية لنظامها وفارقا فِي بعض الْأَحْوَال بَين الْكَلَامَيْنِ المتكافئين والمعنيين الْمُخْتَلِفين كالفاعل وَالْمَفْعُول بِهِ وَلَا يفرق بَينهمَا إِذا تَسَاوَت حالتهما فِي إِمْكَان الْفِعْل أَن يكون لكل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بالإعراب وَلَو أَن قَائِلا قَالَ

هَذَا قَاتل أخي بِالتَّنْوِينِ دلّ على أَنه لم يقْتله وَدلّ حذف التَّنْوِين على أَنه قد قَتله وَلَو أَن قَارِئًا قَرَأَ {فَلَا يحزنك قَوْلهم إِنَّا نعلم مَا يسرون وَمَا}

(1/97)

يعلنون) وَنزل طَرِيق الإبتداء بإنا وأعمل القَوْل فِيهَا بِالنّصب على مَذْهَب من ينصب إِن بالْقَوْل كَمَا ينصبها بِالظَّنِّ لقلب الْمَعْنى عَن جِهَته وأزاله عَن طَرِيقه وَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَحْزُونا لقَولهم إِن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون وَهَذَا كفر مِمَّن تَعَمّده وَضرب من اللّحن لَا تجوز الصَّلَاة بِهِ وَلَا يجوز للمأمومين أَن يتجوزوا فِيهِ

وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يقتل قرشي صبرا بعد الْيَوْم وَلَا يقْتَصّ مِنْهُ فَمن رَوَاهُ مَجْزُومًا على جِهَة النَّهْي أوجب ظَاهر الْكَلَام للقرشي أَلا يقتل وَإِن ارْتَدَّ وَلَا يقْتَصّ مِنْهُ إِن قتل وَمن رَوَاهُ رفعا انْصَرف التَّأْوِيل إِلَى الْخَبَر عَن قُرَيْش أَنه لَا يرْتَد مِنْهَا أحد عَن الْإِسْلَام فَيسْتَحق الْقَتْل

أفما ترى الاعراب كَيفَ فرق بَين هذَيْن الْمَعْنيين

وَقد يفرقون بحركة الْبناء فِي الْحَرْف الْوَاحِد بَين الْمَعْنيين فَيَقُولُونَ رجل لعنة إِذا كَانَ يلعنه النَّاس فَإِذا كَانَ هُوَ يلعن النَّاس قيل رجل لعنة فحركوا الْعين بِالْفَتْح وَرجل سبة إِذا سبه النَّاس فَإِذا كَانَ هُوَ الَّذِي يسب النَّاس قَالُوا رجل سببة وَكَذَلِكَ هزءة وهزأة وسخرة وسخرة وضحكه وضحكة وخدعة وخدعة

قد يفرقون بَين الْمَعْنيين المتقاربين بِتَغَيُّر حرف الْكَلِمَة حَتَّى لَا يكون تقَارب مَا بَين اللَّفْظَيْنِ كتقارب مَا بَين الْمَعْنيين كَقَوْلِهِم للْمَاء الْملح الَّذِي لَا يشرب إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة شروب وَلما كَانَ دونه مِمَّا يتجوز بِهِ شريب وكقولهم لما ارْفض على

(1/98)

الثَّوْب من الْبَوْل إِذا كَانَ مثل رُؤُوس الإبر نضح ورش المَاء عَلَيْهِ من الْغسْل عِنْد بعض أهل الْعلم فَإِذا زَاد على ذَلِك قيل لَهُ نضخ وَلم يُجزئ مِنْهُ إِلَّا الْغسْل وكقولهم للقبض بأطراف الْأَصَابِع قبص ولأخذ الْكَفّ كلهَا قبض وللأكل بأطراف الْأَسْنَان قضم وبالفم خضم وَلما ارْتَفع من الأَرْض حزن فَإِن زَاد قَلِيلا قيل حزم وللذي يجد الْبرد خصر فَإِذا كَانَ مَعَ ذَلِك جوع قيل خرص وللنار إِذا طفيت هامدة فَإِذا سكن اللهب وَبَقِي من جمرها شَيْء قيل خامدة وللقائم من الْخَيل صَائِم فَإِذا كَانَ ذَلِك من حفى أَو وجى قيل صائن وللعطاء إِذا كَانَ مُبْتَدأ شكد فَإِذا كَانَ مُكَافَأَة قيل شكم وللخطأ من غير تعمد غلط فَإِذا كَانَ فِي الْحساب قيل غلت وللضيق فِي الْعين خوض فَإِذا كَانَ ذَلِك فِي مؤخرها قيل حوص وَقيل الخوص الغؤور والحوص الضّيق كَانَت غائرة أَو ظَاهِرَة إِذا كَانَت صَغِيرَة

وَتقول رَأَيْت النَّاس وتراءيت فِي الْمرْآة ورميت الصَّيْد وارتميت فِي الْغَرَض وَرجل فِيهِ إِذا كَانَ كثير الْأكل وأفوه إِذا كَانَ كَبِير الْفَم ومفوه إِذا كَانَ منطيقا وتكول هِيَ المروحة الَّتِي يتروح بهَا والمروحة بِالْفَتْح الأَرْض الْكَثِيرَة الرّيح وَيَوْم ريح إِذا كَانَ طيب الرّيح وَرَاح إِذا كَانَ شَدِيد الرّيح وَرجل حاف بِغَيْر حذاء وحف تعبت رِجْلَاهُ من الْمَشْي وبدن الرجل إِذا سمن وبدن إِذا كبر والهون الْعَذَاب والهون الرِّفْق والنزل الرّبع والنزل مَا قيم من الطَّعَام وَفقه الرجل الْكَلَام إِذا حفظه وَفقه إِذا أبْصر الْفِقْه وَيُقَال من أَحْيَا نفسا وَمن حايا بَهِيمَة وسفه الرجل إِذا جَاءَ مِنْهُ سفه وسفه إِذا كَانَت تِلْكَ سجيته وَكبر الرجل إِذا أسن وَكبر إِذا عظم أمره والمغتسل الْموضع والمغتسل

(1/99)

الرجل وَامْرَأَة رزان وَشَيْء رزين وَقيل ميل علينا وَفِي الْحَائِط ميل وفاظت نَفسه إِذا خرجت وفاض الدمع وقحط النَّاس أَصَابَهُم الْقَحْط وقحط الْمَطَر وَقد تمضمض الرجل بالفم كُله وتمضمض بِطرف لِسَانه وعيرت فلَانا بِمَا صنع وعايرت الْمِيزَان وَيُقَال للْوَلَد إِذا كَانُوا لأَب وَأم أعياف وَإِذا كَانَ أبوهم وَاحِدًا وأمهاتهم شَتَّى فهم علات وَإِذا كَانَت الْأُم وَاحِدَة والآباء شَتَّى فهم أخياف وأخلاف وَيُقَال رجل متلثم إِذا غطى فَاه بالعمامة فَإِذا رَفعهَا فِي المحجر فَهُوَ منتقب وَذَلِكَ النقاب فَإِن رَفعهَا حَتَّى لَا يرى من وَجهه إِلَّا عَيناهُ فَتلك الوصوصة وَالرجل متوصوص وَالْمُحصنَات ذَوَات الْأزْوَاج والحاصنات العفيفات والميل على مَا تُدْرِكهُ الْعين والميل مَا كَانَ خلقَة يرى والذل ضد الْعِزّ والذل ضد الصعوبة

وَقد يكتنف الشَّيْء مَعَاني يشتق لكل معنى مِنْهَا اسْم من اسْم ذَلِك الشَّيْء كاشتقاقهم من الْبَطن الخمص مبطنا وللعظيم الْبَطن إِذا كَانَ خلقَة بطينا فَإِذا كَانَ ذَلِك من كَثْرَة الْأكل قيل مبطان وللمنهوم بَطنا وللعليل الْبَطن مبطونا

(1/100)

فصل

قَالَ أَبُو الْفَوَائِد مُحَمَّد بن عَليّ الغزنزي فِي كتاب غرائب اللُّغَة ثمَّ مَعَ جلالة منزلَة الفصحاء وعلو مرتبتهم سَأَلت بَعضهم مَا الْفرق بَين المعلي والمعلى والمخير والمخير والمذرع والمذرع والمبرقعة والمبرقعة فأفحم وَلم يَأْتِ بِالْجَوَابِ كَمَا يجب وَظن أَن ظَاهر هَذِه المساءلات يَقْتَضِي أَن يكون أَحدهمَا فَاعِلا وَالْآخر مَفْعُولا وَالْأَمر بِخِلَاف ذَلِك فَلَمَّا وجدته مقصرا زِدْت فِي السُّؤَال طلبا لإصابته فَقلت وَمَا الْفرق بَين الرَّمْي والرمية والنصي والنصية والبلي والبلية وَالْوَلِيّ والولية وَالْبَغي والبغية فَظن أَن أَحدهمَا مُذَكّر وَالْآخر مؤنث وَالْأَمر بِخِلَاف ذَلِك فَلَمَّا زَاد فِي التَّقْصِير زِدْت فِي السُّؤَال فَقلت وَمَا الْفرق بَين الدني والدنيء والموجد والمؤجد فَظن أَنَّهُمَا لُغَتَانِ يهمز وَلَا يهمز وَلَا يهمز وَالْأَمر بِخِلَاف ذَلِك فَلَمَّا زَاد فِي التَّقْصِير زِدْت فِي السُّؤَال فَقلت وَمَا الْفرق بَين قَول الرجل للرجل أَنا صَاحب الثَّنَاء وَأَنت صَاحب الثَّنَاء فَظن أَن الْحَالَتَيْنِ وَاحِدَة وَالْأَمر بِخِلَاف ذَلِك

تَفْسِير هَذِه الْمسَائِل الْمُعَلَّى السَّابِع من سِهَام الميسر والمعلي بِالْكَسْرِ الَّذِي يَأْتِي الحلوبة من قبل يَمِينهَا الْمُخَير تَصْغِير الْمُخْتَار المذرع بِالْكَسْرِ الْمَطَر الَّذِي يرسخ فِي الأَرْض قدر ذِرَاع والمذرع بِالْفَتْح الَّذِي أمه أشرف من أَبِيه والمبرقعة بِكَسْر الْقَاف غرَّة الْفرس إِذا أخذت جَمِيع وَجهه غير أَنه ينظر فِي سَواد يُقَال غرَّة مبرقعة والمبرقعة بِالْفَتْح الشَّاة الْبَيْضَاء الرَّأْس الرَّمْي السحابة الْعَظِيمَة الْقطر وَالْجمع أرمية والرمية الصَّيْد يرْمى يُقَال بئس الرَّمية

(1/101)

الأرنب النصي نبت مَا دَامَ رطبا فَإِذا ابيض فَهُوَ الطَّرِيقَة وَإِذا يبس فَهُوَ الْحلِيّ والنصية الْخِيَار من النَّاس وَالْإِبِل وَغَيرهمَا يُقَال انتصيت الشَّيْء أَي اخترته وَهَذِه نصيتي أَي خيرتي وانتصى الشّعْر أَي طَال وَهَذِه فلاة تناصي فلاة أُخْرَى وَهَذِه حَرْب تناصي حَربًا أُخْرَى أَي تتصل بفلاة أُخْرَى وبحرب أُخْرَى

والبلي قَبيلَة من قضاعة وَالنِّسْبَة لَهَا بلوي والبلية النَّاقة الَّتِي كَانَت تعقل فِي الْجَاهِلِيَّة عِنْد قبر صَاحبهَا فَلَا تعلف وَلَا تسقى حَتَّى تَمُوت يُقَال أبليت وبليت وَمِنْه قَوْلهم مبليات فلَان يَنحن عَلَيْهِ وَالْوَلِيّ الْمَطَر بعد الوسمي والولية البرذعة أَو هِيَ الَّتِي تكون تَحت البرذعة وَجَمعهَا الولايا وَمِنْه قَوْلهم رَأَيْت البلايا رؤوسها فِي الولايا يَعْنِي النَّاقة الَّتِي تعكس على قبر صَاحبهَا ثمَّ تطرح الولية على رَأسهَا إِلَى أَن تَمُوت

وَالْبَغي الْأمة الْفَاجِرَة والبغية طَلِيعَة الْعَسْكَر وَالْجمع البغايا الدنيء مَهْمُوز الخسيس والدني غير مَهْمُوز الْقَرِيب مَأْخُوذ من الدنو وَقَوْلهمْ أوجد الله

(1/102)

فلَانا من الْفقر فَهُوَ موجد بِغَيْر همز وأجده الله من الضعْف فَهُوَ مؤجد بِالْهَمْز أَي أغناه الله بعد الْفقر وَقواهُ بعد الضعْف وَمِنْه بِنَاء مؤجد مَهْمُوز الثَّنَاء عقال الْبَعِير وَغَيره وَالثنَاء أَيْضا جمع الثني من الْبَهَائِم وَكَذَلِكَ الثنيان فَهَذَا مَا اخْتلف لَفظه وَمَعْنَاهُ

(1/103)

الْبَاب الثَّانِي مَا اتّفق لَفظه وَاخْتلف مَعْنَاهُ

(1/105)

فصل الْعين

قَالَ الْمُؤلف وَأما اتِّفَاق اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَاف الْمَعْنيين فمما أنبأني بِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم زين الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن نجا الْمَقْدِسِي رَحمَه الله قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن سعد الْخَيْر بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ وَقَالَ أخبرنَا أَبُو الْفَتْح سليم بن أَيُّوب الرَّازِيّ والفقيه بصور قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس اللّغَوِيّ مُصَنف الْمُجْمل لنَفسِهِ

(يَا دَار سعدى بِذَات الْخَال من إضم ... سقاك صوب حَيا من واكف الْعين) // بسيط //

الْعين هُنَا سَحَاب ينشأ من قبل الْقبْلَة

(1/107)

(إِنِّي لأذكر أَيَّامًا بهَا وَلنَا ... فِي كل إصباح يَوْم قُرَّة الْعين)

الْعين هُنَا عين الْإِنْسَان وَغَيره

(تدني معشقة منا مُعتقة ... تشجها عذبة من نابع الْعين)

الْعين هُنَا مَا يَنْبع مِنْهَا المَاء

(إِذا تمززها شيخ بِهِ طرق ... سرت بقوتها فِي السَّاق وَالْعين)

الْعين هُنَا عين الرّكْبَة والطرق ضعف الرُّكْبَتَيْنِ

(والزق ملآن من مَاء السرورفلا ... تخشى توله مَا فِيهِ من الْعين)

الْعين هُنَا ثقب يكون فِي المزادة وتوله المَاء أَن يتسرب

(وَغَابَ عدالنا عَنَّا وَلَا كدر ... فِي عيشنا من رَقِيب السوء وَالْعين)

وَالْعين هُنَا الواشي

(يقسم الود فِيمَا بَيْننَا قسما ... ميزَان حق بِلَا بخس وَلَا عين)

الْعين هُنَا الْعين فِي الْمِيزَان

(وفائض المَال يغنينا بحاضره ... فنكتفي من ثقيل الدّين يالعين)

الْعين هُنَا المَال الْحَاضِر الناض

(والمجمل الْمُجْتَبى تغني فَوَائده ... حفاظه عَن كتاب الْجِيم وَالْعين)

وَالْعين هُنَا الْحَرْف

وَقَالَ أَبُو الطّيب عبد الْوَاحِد بن عَليّ اللّغَوِيّ فِي كتاب شجر الدّرّ هَذَا كتاب مداخلة الْكَلَام بالمعاني الْمُخْتَلفَة سميناه كتاب شجر الدّرّ لأَنا ترجمنا كل بَاب فِيهِ بشجرة وَجَعَلنَا لَهَا فروعا وكل شَجَرَة مائَة كلمة أَصْلهَا كلمة وَاحِدَة

(1/108)

شَجَرَة الْعين

الْعين عين الْوَجْه وَالْوَجْه الْقَصْد وَالْقَصْد الْكسر وَالْكَسْر جَانب الخباء والخباء مصدرها خابأت الرجل إِذا خبأت لَهُ خبأ وخبأ لَك مثله والخبء السَّحَاب من قَوْله تَعَالَى {يخرج الخبء فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} والسحاب اسْم عِمَامَة كَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّبِيّ التل العالي والتل هُوَ مصدر التليل المصروع على وَجهه والتليل صفع الْعُنُق قَالَ الراجز العجاج

(جابا ترى تليله مسحجا ... ) // العجاج //

والعنق الرجل من الْجَرَاد وَالرجل الْعَهْد يُقَال كَانَ ذَلِك على رجل الْحجَّاج أَي عَهده والعهد الْمَطَر المعاود والمعاود الَّذِي يعودك فِي مرضك وتعوده فِي مَرضه وَالْمَرِيض الشاك وَالْمَرَض فِي الْقلب الشَّك وَفِي التَّنْزِيل {فِي قُلُوبهم مرض} والشاك الطاعن يُقَال شكه إِذا طعنه والطاعن الدَّاخِل فِي السن وَالسّن قرن من كلاء أَي قِطْعَة والقرن الْأمة من النَّاس وَالْأمة الْحِين من الدَّهْر قَالَ الشَّاعِر

(عمروا أمة من الدَّهْر فِيهَا ... أهلات أعز قوم جنابا) // خَفِيف //

(1/109)

والحين حلب النَّاقة من الْوَقْت إِلَى الْوَقْت والحلب مَاء السَّمَاء وَالسَّمَاء سقف الْبَيْت وَالْبَيْت زوج الرجل وَالزَّوْج النمط من فرش الديباج والفرش أفتأ الْإِبِل من قَوْله تَعَالَى {وَمن الْأَنْعَام حمولة وفرشا} وَالْإِبِل قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَفلا ينظرُونَ إِلَى الْإِبِل كَيفَ خلقت} قَالُوا الْغَيْم والغيم الصدى من الْعَطش والصدى مَا تحتوي عَلَيْهِ الهامة من الدِّمَاغ والهامة جمع هائم وَهُوَ العطشان وَكَذَلِكَ الأهيم وَالْأُنْثَى هيماء وَفِي التَّنْزِيل {فشاربون شرب الهيم} قَالَ الشَّاعِر ذُو الرمة

(فَأَصْبَحت كالهيماء لَا المَاء قَاطع ... صداها وَلَا يقْضِي عَلَيْهَا هيامها) // طَوِيل

والهائم المائج فِي الأَرْض والسائح الصَّائِم فِي قَوْله تَعَالَى {السائحون الراكعون} والصائم الْقَائِم والقائم صومعة الراهب والراهب المتخوف والمتخوف الَّذِي يقتطع مَال غَيره فينتقصه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف} أَي على تنقص وَالْمَال الرجل ذُو الْعِزّ والثراء والثراء كَثْرَة الْأَهْل والأهل الخليق يُقَال فلَان أهل لكذا أَي خليق بِهِ والخليق الْمَخْلُوق أَي الْمُقدر يُقَال خلقت الشَّيْء إِذا قدرته وينشد لزهير بن أبي سلمى

(1/110)

كَامِل أحذ مُضر

(وأراك تفري مَا خلقت وَبَعض ... الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفري)

والمخلوق الْكَلَام الزُّور والزورة الْقُوَّة وَالْقُوَّة الطَّاقَة من طاقات الْحَبل والطاقة الْمقدرَة والمقدرة الْيَسَار واليسار خلاف الْيَمين وَالْيَمِين الألية والألية التَّقْصِير وَالتَّقْصِير قصّ الشّعْر خلاف الْحلق وَالْحلق الذّبْح ويروى هَذَا الْبَيْت لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ

(يرى ناصحا فِيمَا بدا فَإِذا خلا ... فَذَلِك سكين على الْحلق حالق) // طَوِيل // أَي ذابح ويروى حاذق والحاذق الْقَاطِع والحالق الذَّابِح وَالذّبْح الشق والشق شدَّة الْأَمر على الْإِنْسَان والشدة الْجلد وَالْجَلد الحزم من الأَرْض والحزم شدّ حزَام الْفرس والحزام مصدر تحازم الرّجلَانِ إِذا تباريا أَيهمَا أحزم للخيل أَي أحذق بحزمها والأحزم الأحكم فِي الْأُمُور والأحكم الأمنع يُقَال الْحَد أحكم للزاني أَي أمنع لَهُ من المعاودة والأمنع الْجَانِب المنيع والمنيع الشَّيْء الْمَمْنُوع مِمَّن طلب قَالَ الشَّاعِر

(فلاقوا دونه طودا منيعا ... ) // وافر //

(1/111)

والطلب الْقَوْم الطالبون وَالْقَوْم الرجل الْقَائِم والقائم الْمُصَلِّي وَالْمُصَلي من الْخَيل الَّذِي يَجِيء بعد السَّابِق فِي الجري والجري الْإِفَاضَة فِي الْأَخْبَار والإفاضة الإنكفاء من قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} والإنكفاء انكباب الْإِنَاء والإنكباب دنو الصَّدْر من الأَرْض والصدر الرئيس والرئيس الْمُصَاب فِي رَأسه بِسَهْم وَغَيره قَالَ الشَّاعِر زُهَيْر بن حرَام الدَّاخِل)

(وَيقتل نَفسه إِن لم ينلها ... فَحق لَهُ رَئِيس أَو بعيج) // وافر //

والسهم الْقسْط من الشَّيْء والقسط الْعدْل وَالْعدْل الْميل والميل الْحبّ وَالْحب آنِية من الْجَرّ والجر سفح الْجَبَل والسفح الصب والصب الدنف من عشق بِهِ والدنف الْعلَّة وَالْعلَّة السَّبَب قَالَ الشَّاعِر

(أنخت بهَا الوجناء من غير عِلّة ... لثنتين بَين اثْنَيْنِ آتٍ وذاهب) // طَوِيل //

وَالسَّبَب الْحَبل وَالْحَبل صيد العصفور بالحبالة يُقَال حبلت العصفور حبلا والعصفور غرَّة دقيقة فِي جبين الْفرس والغرة أول لَيْلَة يرى فِيهَا الْهلَال والهلال الرَّحَى المثلومة والرحى سيد الْقَبِيلَة والقبيلة وَاحِد شئون الرَّأْس

(1/112)

والشئون الْأَحْوَال وَالْأَحْوَال جمع حَالَة وَالْحَالة الكارة قَالَ الراجز

(قد أركب الْآلَة بعد الآله ... وأحمل الْحَالة بعد الحاله)

(وأترك الْعَاجِز بالجداله ... منعفرا لَيست لَهُ محاله)

والكارة جمع كاير وَهُوَ الَّذِي يكور عمَامَته على رَأسه وَالرَّأْس فَارس الْقَوْم والفارس الكاسر فرسه السَّبع وافترسه أَي كَسره والكاسر الْعقَاب وَالْعِقَاب راية الْجَيْش والجيش جيشان النَّفس وَالنَّفس ملْء كف من دباغ والكف خياطَة كفة الثَّوْب وَالثَّوْب نفس الْإِنْسَان وَالْإِنْسَان النَّاس كلهم قَالَ الراجز

(وعصبة تنميهم من عدنان ... بهَا هدى الله جَمِيع الْإِنْسَان)

(من الضلال وهم كالعميان ... )

أَي جمع النَّاس

فرع 1

وَالْعين عين الشَّمْس وَالشَّمْس شماس الْخَيل وَالْخَيْل الْوَهم وَالوهم الْجمل الْكَبِير قَالَ الشَّاعِر

(1/113)

(ويأوي إِلَى أوطانه الْجمل الْوَهم ... ) // طَوِيل //

والجمل دَابَّة من دَوَاب الْبَحْر وَالْبَحْر المَاء الْملح وَالْملح الْحُرْمَة وَالْحُرْمَة مَا كَانَ للْإنْسَان حَرَامًا على غَيره وَحرَام حَيّ من الْعَرَب والحي ضد الْمَيِّت قَالَ الشَّاعِر عبد الرَّحْمَن بن الحكم)

(لقد أسمعت لَو ناديت حَيا ... لَكِن لَا حَيَاة لمن تنادي) // وافر //

فرع 2

وَالْعين النَّقْد والنقد ضربك أذن الرجل أَو أَنفه بإصبعك وَالْأُذن الرجل الْقَابِل لما يسمع والقابل الَّذِي يَأْخُذ الدَّلْو من الماتح والدلو السّير الرفيق قَالَ الراجز

(لَا تقلواها وادلواها دلوا ... إِن مَعَ الْيَوْم أَخَاهُ غدوا)

(1/114)

والرفيق الصاحب والصاحب السَّيْف ... . مصدر ساف مَاله إِذا أودى وأودى الرجل إِذا خرج من إحليله الودي والودي الفسيل قَالَ الشَّاعِر

(جلندى الَّذِي أعْطى الودي بحملها ... مسخرة من بَين فرض وبلعق) // طَوِيل //

فرع 3

وَالْعين مَوضِع انفجار المَاء والانفجار انْشِقَاق عَمُود الصُّبْح وَالصُّبْح جمع أصبح وَهُوَ لون من الألوان واللون الضَّرْب من الضروب وَالضَّرْب الرجل المهزول قَالَ الشَّاعِر طرفَة بن العَبْد

(أَنا الرجل الضَّرْب الَّذِي تعرفونه ... خشَاش كرأس الْحَيَّة المتوقد) // طَوِيل //

والمهزول الْفَقِير وَالْفَقِير المكسور فقر الظّهْر والفقر النَّوَادِر والنوادر أنوف الْجبَال والأنوف الْأَوَائِل من كل شَيْء وَالْوَاحد أنف بِضَم الْهمزَة قَالَ

(1/115)

الشَّاعِر (امْرُؤ الْقَيْس)

(قد غَدا يحملني فِي أَنفه ... لَاحق الإطلين محبوك ممر) // رمل // أَي فِي أول جريه وَهُوَ الْأنف بِضَمَّتَيْنِ أَيْضا

فرع 4

وَالْعين عين الْمِيزَان وَالْمِيزَان برج فِي السَّمَاء وَالسَّمَاء أَعلَى متن الْفرس والمتن الصلب من الأَرْض وَالْأَرْض قَوَائِم الدَّابَّة قَالَ الشَّاعِر خفاف بن ندبة)

(إِذا مَا استحمت أرضه من سمائه ... جرى وَهُوَ مودوع وواعد مُصدق) // طَوِيل //

والقوائم جمع قَائِمَة وَهِي السارية والسارية المزنة تنشأ لَيْلًا وَاللَّيْل فرخ الكروان والفرخ مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ قبائل الرَّأْس من الدِّمَاغ والقبائل من الْعَرَب

(1/116)

دون الْأَحْيَاء

فرع 5

وَالْعين مطر لَا يقْلع أَيَّامًا ومطر حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب والأحياء جمع حَيَاء النَّاقة وَالْحيَاء الاستحياء والاستبقاء من قَوْله تَعَالَى {ويستحيون نساءكم} قَالَ الشَّاعِر الْحصين بن الْحمام

(تباطأت أستحيي الْحَيَاة فَلم أجد ... لنَفْسي حَيَاة مثل أَن أتقدما) // طَوِيل // ويروى تَأَخَّرت والاستبقاء التمَاس النظرة والالتماس الْجِمَاع يُقَال لمس الْمَرْأَة والتمسها كِنَايَة عَن الْجِمَاع وَالْجِمَاع ضد الْفِرَاق والفراق جمع فرق وَهُوَ ظرف يسع سِتِّينَ رطلا وَالْفرق جمع فَارق والفارق من النوق والأتن الَّتِي تذْهب على وَجههَا عِنْد الْولادَة فَلَا يدرى أَيْن تَلد قَالَ الراجز

(ومنجنون كالأتان الْفَارِق ... من أتن بَين الْعرض والتضايق)

(1/117)

فرع 6

وَالْعين رَئِيس الْقَوْم والرئيس الْمُصَاب فِي رَأسه بعصا أَو غَيرهَا وَالرَّأْس زعيم الْقَبِيلَة أَي سَيِّدهَا والزعيم الصبير والصبير السَّحَاب المتراكب أعناقا فِي الْهَوَاء قَالَ الراجز (أَبُو مُحَمَّد الفقعسي)

(يَا سلم أسقاك الصبير الوامض ... هَل لَك والعارض مِنْك عائض)

(فِي هجمة يعْذر مِنْهَا الْقَابِض ... )

والأعناق جمع عنق والعنق الرجل من الْجَرَاد وَالرجل الْعَهْد والعهد الْمَطَر الأول فِي السّنة وَالْأول يَوْم الْأَحَد لُغَة أهل الْجَاهِلِيَّة وأنشدونا

(أُؤَمِّل أَن أعيش وَإِن يومي ... بِأول أَو بِأَهْوَن أَو جَبَّار) // وافر //

(أَو التَّالِي دبار أَو فيومي ... بمؤنس أَو عرُوبَة أَو شيار)

(1/118)

روى ابْن دُرَيْد عَن أبي حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي وَأبي عُبَيْدَة وَأبي زيد كلهم قَالُوا حَدثنَا يُونُس بن حبيب عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تسمي الْأَحَد أول والاثنين أَهْون وَبَعْضهمْ أهود وَالثُّلَاثَاء جبارا وَالْأَرْبِعَاء دبارا وَالْخَمِيس مؤنسا وَالْجُمُعَة الْعرُوبَة وَبَعْضهمْ يَقُول عرُوبَة وَلَا يصرفهَا والسبت شيارا وَكَانَ قوم من الْعَرَب يسمون الْعِيد الْعرُوبَة وَبِه سميت الْجُمُعَة الْعرُوبَة وَأنْشد للقطامي

(نَفسِي الْفِدَاء لأقوام همو خلطوا ... يَوْم الْعرُوبَة أورادا بأوراد) // بسيط //

فرع 7

وَالْعين نفس الشَّيْء وَالنَّفس ملْء كف من دباغ والكف الذب والذب الثور الوحشي والثور قشور الْقصب يَعْلُو على وَجه المَاء وأنشدوا لنهشل بن حري

(1/119)

(كَذَاك الثور يضْرب بالهراوي ... إِذا مَا عافت الْبَقر الظماء) // وافر //

والقصب رهان الْخَيل والرهان الْمُرَاهنَة من الرهون والمراهنة المقاومة فلَان يراهن فلَانا أَي يقاومه والمقاومة مَعَ الرجل أَن تذكر قَوْمك وَيذكر قومه تتفاخران بذلك وَالْقَوْم الْقيام قَالَ الراجز لَقِيط بن زُرَارَة

(يَا قوم قد أحرقتموني باللوم ... وبالقعود تَارَة وبالقوم)

(شتان هَذَا والعناق وَالنَّوْم ... وَالْمشْرَب الْبَارِد فِي ظلّ الدوم) أَي الدَّائِم

فرع 8

وَالْعين الذَّهَب وَالذَّهَب زَوَال الْعقل يُقَال ذهب الرجل ذَهَبا إِذا تحير وَزَالَ عقله وَالْعقل الشد عقلت النَّاقة إِذا شددت يَدهَا والشد الإحكام والإحكام الْكَفّ وَالْمَنْع قَالَ الْأَصْمَعِي قَرَأت فِي كتب بعض الْخُلَفَاء الأول فأحكم بني فلَان أَي امنعهم وكفهم وَأنْشد لجرير

(1/120)

(أبني حنيفَة أحكموا سفهاءكم ... إِنِّي أَخَاف عليكمو أَن أغضبا) // كَامِل //

والكف قدم الطَّائِر والقدم الثُّبُوت والثبوت جمع ثَبت من الرِّجَال وَهُوَ الشجاع والشجاع الْحَيَّة والحية شُجَاع الْقَبِيلَة يُقَال فلَان حَيَّة ذكر إِذا كَانَ شجاعا جريئا وَأنْشد لِعبيد بن الأبرص

(وَإِن رَأَيْت بواد حَيَّة ذكرا ... فَاذْهَبْ وَدعنِي أمارس حَيَّة الْوَادي) // بسيط //

فصل الْحَال

شعر قَالَه الأقليشي فَجمع فِيهِ تصرف الْحَال ووجوهها

1 - (يَا لَيْت شعري هَل أكسى ثِيَاب تقى ... وَالشعر يبيض حَالا بَعْدَمَا حَال) // بسيط // أَي شَيْئا بعد شَيْء

2 - (فَكلما ابيض شعري فالسواد إِلَى ... نَفسِي يمِيل فنفسي بالهوى حَال) // بسيط // حَال من الْحِلْية يُقَال حليت الْمَرْأَة حليا وَهِي حَال وحالية

3 - (لَيست تسود غَدا سود النُّفُوس فكم ... أغدو مضيع نور عَامر الْحَال) // بسيط // الْحَال التُّرَاب هُنَا

4 - (تَدور الدنا بِالنَّفسِ تنقلها ... عَن حَالهَا كصبي رَاكب الْحَال) // بسيط //

(1/121)

5 - (فالمرء يبْعَث يَوْم الْحَشْر من جدث ... بِمَا جنى وعَلى مَا مَاتَ من حَال)

أَي هَيْئَة خير أَو شَرّ

6 - (لَو كنت أَعقل حَالي عقل ذِي نظر ... لَكُنْت مشتغلا بِالْوَقْتِ وَالْحَال)

أَي السَّاعَة الَّتِي أَنْت فِيهَا

7 - (لكنني بلذيذ الْعَيْش مغتبط ... كَأَنَّمَا هُوَ شهد شيب بِالْحَال)

الْحَال هَا هُنَا اللَّبن حَكَاهَا كرَاع فِيمَا حكى عَن ابْن سَيّده

8 - (مَاذَا الْمحَال الَّذِي مَا زلت أعشقه ... ضيعت عَقْلِي فَلم أصلح بِهِ حَالي)

حَال الرجل امْرَأَته وَهِي عبارَة عَن النَّفس وَهِي لُغَة هذلية

9 - (ركبت للذنب طرفا مَا لَهُ طرف ... فيا لراكب طرف سيء الْحَال)

حَال الْفرس طرائق ظَهره وَقيل مَتنه وَقد ذكره امْرُؤ الْقَيْس فِي شعره

(يزل الْغُلَام الْخُف عَن حَال مَتنه ... كَمَا زلت الصفواء بالمتنزل)

10 - (يَا رب غفرا يهد الذَّنب أجمعه ... حَتَّى يخر من الْآرَاب كالحال) الْحَال هُنَا ورق الشّجر يخبط فَيسْقط

(1/122)

فصل الْخَال

وَأنْشد أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب فِي الْخَال

1 - (أتعرف أطلالا شجونك بالخال ... وعيش زمَان كَانَ فِي الْعَصْر الْخَالِي) // طَوِيل //

أَي الْمَاضِي

2 - (لبالي ريعان الشَّبَاب مسلط ... عَليّ بعصيان الْإِمَارَة وَالْخَال)

أَي اللِّوَاء

3 - (وَإِذ أَنا خدن للغوي أخي الصِّبَا ... وللغزل المريح ذِي اللَّهْو وَالْخَال)

أَي الْخُيَلَاء

4 - (وللخود تصطاد الرِّجَال بفاحم ... وخد أسيل كالوذيلة ذِي الْخَال)

أَي الشامة

5 - (إِذا رئمت ربعا رئمت رباعها ... كَمَا رئم الميثاء ذُو الرثية الْخَالِي)

أَي العزب

6 - (ويقتادني مِنْهَا رخيم دلاله ... كَمَا اقتاد مهْرا حِين يألفه الْخَالِي)

أَي الْخَلَاء

7 - (زمَان أفدي من يراح الى الصِّبَا ... بغمي من فرط الصبابة وَالْخَال)

أَخُو الْأُم

8 - (وَقد علمت سلمى وَإِن ملت للصبا ... إِذا الْقَوْم كعوا لست بالرعش الْخَالِي)

أَي الظالع

9 - (وَلَا أرتدي إِلَّا الْمُرُوءَة خلة ... إِذا ضن بعض الْقَوْم بالعصب وَالْخَال)

ضرب من الثِّيَاب

(1/123)

10 - (وَإِن أَنا أَبْصرت المحول ببلدة ... تنكبتها واشتمت خالا على خَال)

أَي سحابا

1 - (فحالف بخلقي كل حلف مهذب ... وَإِلَّا تحالفني فخال إِذن خَال)

أَي المخالاة

1 - (وَإِنِّي حَلِيف للسماحة والندى ... كَمَا احتلفت عبس وذبيان بالخال)

أَي مَوضِع

13 - (وثالثنا فِي الْحلف كل مهند ... لما رم من صم الْعِظَام بِهِ خَال)

أَي قَاطع

فصل صَالح

وَقَالَ آخر رجز

1 - لقد قدمت من دمشق صَالحا يُرِيد سالما

2 - وَقد تجهزت جهازا صَالحا يُرِيد حسنا

3 - وَكَانَ زَاد الْقَوْم زادا صَالحا يُرِيد كثيرا

4 - لأجذبن النسع جذبا صَالحا يُرِيد شَدِيدا

5 - أَو ألقين بالعراق صَالحا يُرِيد رجلا

6 - إِنِّي وجدت صَالحا لي صَالحا يُرِيد نَافِعًا

7 - يفعل بِي فعلا كَرِيمًا صَالحا أَي حُسَيْنًا

(1/124)

فصل اللّحن

وَمن الأضداد اللّحن يُقَال للخطأ لحن وللصواب لحن فَأَما كَون اللّحن على معنى الْخَطَأ فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى شَاهد وَأما كَونه على معنى الصَّوَاب فشاهده قَوْله تَعَالَى {ولتعرفنهم فِي لحن القَوْل} مَعْنَاهُ صَوَاب القَوْل وَصِحَّته وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي يُقَال لحن الرجل يلحن لحنا إِذا أَخطَأ ولحن يلحن إِذا أصَاب وَقَالَ غَيره يُقَال للصَّوَاب اللّحن واللحن وَقَالَ مُعَاوِيَة للنَّاس كَيفَ ابْن زِيَاد فِيكُم قَالُوا ظريف على أَنه يلحن قَالَ فَذَاك أظرف لَهُ ذهب مُعَاوِيَة إِلَى أَن معنى يلحن يفْطن ويصيب وَعَن أبي بن كَعْب أَنه قَالَ تعلمُوا اللّحن فِي الْقُرْآن كَمَا تتعلمونه

قَالَ أَبُو بكر فَيجوز أَن يكون اللّحن فِي الحَدِيث الصَّوَاب وَيجوز أَن يكون الْخَطَأ لِأَنَّهُ إِذا عرف الْقَارئ الْخَطَأ عرف الصَّوَاب

وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ تعلمُوا الْفَرَائِض وَالسّنة واللحن كَمَا تتعلمون الْقُرْآن فَيجوز أَن يكون اللّحن الصَّوَاب وَيجوز أَن يكون الْخَطَأ يعرف فيتجنب

وَحدث يزِيد بن هَارُون بِهَذَا الحَدِيث فَقيل لَهُ مَا اللّحن فَقَالَ النَّحْو وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز عجبت لمن لاحن النَّاس كَيفَ لَا يعرف جَوَامِع الْكَلم

(1/125)

أَرَادَ ب لاحن فاطن فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة كَانَ ابْن عَبَّاس يعلمنَا لحن الْكَلَام وَقَالَ لبيد

(متعوذ لحن يُعِيد بكفه ... قَلما على عسب ذبلن وَبَان) // كَامِل //

فاللحن الْمُصِيب الفطن يُقَال رجل لحن ولاحن من الفطنة وَالصَّوَاب وَرجل لاحن من الْخَطَأ لَا غير وَقَالَ الْقِتَال

(وَلَقَد لحنت لكم لكيما تفقهوا ... ووحيت وَحيا لَيْسَ بالمرتاب)

وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف صحيفَة كتبهَا

(وتعرف فِي عنوانها بعض لحنها ... وَفِي جوفها صمعاء تبلي النواصيا)

الصمعاء الداهية واللحن ايضا يكون بِمَعْنى اللُّغَة قَالَ شريك عَن ابي اسحق عَن أبي ميسرَة فِي قَول الله عز وَجل (سيل العرم) العرم المسناة بلحن الْيمن أَي لغتهم

(1/126)

وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب عَليّ بن عميرَة الْجرْمِي

(وَمَا هاج هَذَا الشوق إِلَّا حمامة ... تبكت على سمراء خضر قيودها) // طَوِيل //

(هتوف الضُّحَى مَعْرُوفَة اللّحن لم تزل ... تقود الْهوى من مسعد ويقودها) // طَوِيل // وَقَالَ الآخر يذكر حَمَامَتَيْنِ

(باتا على غُصْن بَان فِي ذرى فنن ... يرددان لحونا ذَات ألوان)

وَأنْشد أَبُو الْعَبَّاس لمَالِك بن أَسمَاء بن خَارِجَة فِي جَارِيَة لَهُ

(وَحَدِيث ألذه هُوَ مِمَّا ... تشتهيه النُّفُوس يُوزن وزنا)

(منطق صائب وتلحن أَحْيَانًا ... وَخير الْكَلَام مَا كَانَ لحناً)

وَقَالَ أَرَادَ ب تلحن تصيب وتفطن وَأَرَادَ بقوله مَا كَانَ لحنا مَا كَانَ صَوَابا وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة اللّحن فِي هَذَا الْبَيْت مَعْنَاهُ الْخَطَأ وَهَذَا الشَّاعِر استملح من هَذِه الْمَرْأَة مَا يَقع فِي كَلَامهَا من الْخَطَأ

وَقَالَ أَبُو بكر وَقَوله عندنَا محَال لِأَن الْعَرَب لم تزل تستقبح اللّحن من النِّسَاء كَمَا تستقبحه من الرِّجَال ويستملحون البارع من كَلَام النِّسَاء كَمَا يستملحونه من الرِّجَال وَالدَّلِيل على هَذَا قَول ذِي الرمة يصف امْرَأَة

(1/127)

(لَهَا بشر مثل الحريرومنطق ... رخيم الْحَوَاشِي لَا هراء وَلَا نزر)

فوصفها بِحسن الْكَلَام واللحن لَا يكون عِنْد الْعَرَب حسنا إِذا كَانَ بِتَأْوِيل الْخَطَأ لِأَنَّهُ يقلب الْمَعْنى وَيفْسد التَّأْوِيل الَّذِي يقْصد لَهُ الْمُتَكَلّم وَقَالَ قيس بن الخطيم يذكر امْرَأَة أَيْضا

(وَلَا يغث الحَدِيث مَا نطقت ... وَهُوَ بفيها ذُو لَذَّة طرف) // منسرح //

(تخزنه وَهُوَ مشتهى حسن ... وَهُوَ إِذا تَكَلَّمت أنف)

فَلَو كَانَت هَذِه الْمَرْأَة تلحن وتفسد ألفاظها لكَانَتْ عِنْد هَذَا الشَّاعِر الفصيح غثة الْكَلَام وَلم تسْتَحقّ عِنْده وَصفا بجودة الْمنطق وحلاوة الْكَلَام وَقَالَ كثير

(وَكنت إِذا مَا زرت ليلى بأرضها ... أرى الأَرْض تطوى لي وَيَدْنُو بعيدها)

(من الخفرات الْبيض ود جليسها ... إِذا مَا انْقَضتْ أحدوثة لَو تعيدها) فخبر هَذَا بِصِحَّة ألفاظها

وَلم تزل الْعَرَب تصف النِّسَاء بِحسن الْمنطق وتستملح مِنْهُنَّ قرض الشّعْر وَالْقُدْرَة

(1/128)

عَلَيْهِ فَمن ذَلِك عمات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأشعارهن فِي رثاء عبد الْمطلب ومنهن قتيلة بنت النَّضر قتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَاهَا صبرا يَوْم بدر وَلما انْصَرف من بدر كتبت إِلَيْهِ فِي أَبِيهَا قبل إسْلَامهَا

(يَا رَاكِبًا إِن الأثيل مَظَنَّة ... من صبح خَامِسَة وَأَنت موفق) // كَامِل //

(مَا كَانَ ضرك لَو مننت وَرُبمَا ... من الْفَتى وَهُوَ المغيظ المحنق)

(النَّضر أقرب من أسرت قرَابَة ... وأحقهم إِن كَانَ عتق يعْتق)

(أمحمد ياضنء كل نجيبة ... فِي قَومهَا والفحل فَحل معرق)

فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَكَى حَتَّى أخضل الدُّمُوع لحيته وَقَالَ لَو بَلغنِي شعرهَا قبل أَن أَقتلهُ لعفوت عَنهُ

ومنهن تماضر أُخْت ذِي الرمة ومنهن جنوب بنت العجلان ومنهن

(1/129)

عمْرَة أُخْتهَا ومنهن حَلِيلَة بنت مرّة ومنهن بنت أياس بن مصاب الْعجلِيّ ومنهن الوافدة ومنهن هِنْد ابْنة الأوقص ومنهن ضباعة بنت عَامر ابْن قرط ومنهن صَفِيَّة بنت ابي مسافع وَأُخْتهَا ومنهن الفارعة بنت مُعَاوِيَة بن قُشَيْر ومنهن عمْرَة بنت عَمْرو بن قيس ومنهن جداية بنت خَالِد بن جَعْفَر ومنهن أم الْهَيْثَم ومنهن سعاد بنت شَدَّاد ومنهن ربيعَة بنت حميضة العذرية ومنهن أمينة الطائية ومنهن نعْمَة بنت عتاب بن سعد ومنهن أم طريف ومنهن أم حَنْبَل ومنهن سعيدة أُخْت الأحزم بن قَارب ومنهن حَيَّة امْرَأَة من بني ثعل ومنهن ام حسان ومنهن أم حَكِيم ومنهن عفراء ابْنة مَالك العذرية ومنهن محبوبة بنت مطر بن الأخشن ومنهن عنبة

(1/130)

بنت عفيف بن عَمْرو بن أمرئ الْقَيْس ومنهن كبيشة أُخْت عَمْرو بن معد يكرب ومنهن أم ثَوَاب ومنهن فَاطِمَة الْخُزَاعِيَّة ومنهن السلكة أم السليك ومنهن أم قيس الضبية ومنهن الخرنق بنت هفان القيسية ومنهن هِنْد ابْنة النُّعْمَان بن بشير الْأنْصَارِيّ ومنهن مَيْسُونُ بنت بَحْدَل الْكلابِيَّة ومنهن بثينة ومنهن ليلى الأخيلية ومنهن عفراء بنت مهاصر

(1/131)

وَأما الخنساء بنت عَمْرو بن الشريد الشاعرة السلمِيَّة فَقدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ قَومهَا فَأسْلمت مَعَهم وَذكروا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يستنشدها ويعجب بشعرها فَكَانَت تنشده وَهُوَ يَقُول هيه يَا خناس ويوميء بِيَدِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما قدم عدي بن حَاتِم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسلم وحادثه فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن فِينَا أشعر النَّاس وأسخى النَّاس وأفرس النَّاس قَالَ سمهم قَالَ أما أشعر النَّاس فامرئ الْقَيْس بن حجر وَأما أسخى النَّاس فحاتم بن سعد يَعْنِي أَبَاهُ وَأما أَفرس النَّاس فعمرو بن معد يكرب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ كَمَا قلت يَا عدي أما أشعر النَّاس فالخنساء بنت عَمْرو وَأما أسخى النَّاس فمحمد يَعْنِي نَفسه وَأما أَفرس النَّاس فعلي بن أبي طَالب

وَقد ذكر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْمُعَلَّى بن عبد الله الْأَزْدِيّ فِي كتاب التراقيص كل امْرَأَة من الْعَرَب رقصت ابْنهَا وَهُوَ صَغِير بشعرها وَذكر الصولي أشعار خلفاء بني الْعَبَّاس وَبَعض نِسَائِهِم وَقد عمل ابْن المغربي أَيْضا مثل ذَلِك وَلأبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ كتاب جمع فِيهِ مَا للإماء والشواعر

وَقَالَ ابْن المعتز فِي كتاب طَبَقَات الشُّعَرَاء أسامي الْجَوَارِي مِمَّن نسبن إِلَى الشّعْر وشهرن بِهِ وعرفن مِنْهُنَّ عريب جَارِيَة الْمَأْمُون وَكَانَت ماجنة ظريفة فائقة الْجمال

(1/132)

صَبِيحَة مليحة لم يكن فِي عصرها أحد آدب مِنْهَا وَلَا أشعر وَلَا أعلم بأخبار النَّاس وأيامهم وَلَا أحفظ للسير والنوادر وَالْملح مِنْهَا وَكَانَت راوية لأشعار الْجَاهِلِيَّة الجهلاء وأشعار المخضرمين والإسلاميين وأشعار الْمُحدثين تهذها هَذَا وتفسرها بغرائبها ومعانيها وَكَانَت مطبوعة ظريفة حافظة لفنون الْآدَاب وَكَانَ الْمَأْمُون قد شغف بحبها لبراعتها فِي الْأَدَب وَغَيره فَكَانَ لَا يصبر عَنْهَا ومنهن خنساء جَارِيَة هِشَام المكفوف وَكَانَت بارعة الْأَدَب فصيحة مفوهة شاعرة مفلقة ماجنة ظريفة عَالِمَة بالأخبار والأسمار ظريفة نبيلة فِي نَفسهَا كَثِيرَة النَّوَادِر وَلم يقاومها أحد فِي الْكَلَام كَانَت من أعلم النَّاس بالْكلَام تضع لسانها حَيْثُ شَاءَت وتقطع جَمِيع من يكلمها وَكَانَت مَشْهُورَة مَعْرُوفَة وَأعْطِي هِشَام بهَا الرغائب فَامْتنعَ من بيعهَا لحسن أدبها وفصاحتها وبيانها وَحسن شعرهَا ولطفها وَكَانَ أَصْحَاب الْكَلَام يَجْتَمعُونَ عِنْدهَا ويتناظرون فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي شَيْء إِلَّا تحاكموا فِيهِ إِلَيْهَا وتحكم وتقضي فَينفذ حكمهَا وَيقبل قَضَاؤُهَا كَانَت تمدح الْخُلَفَاء والوزراء والأشراف والملوك فَكَانَ هِشَام يَأْخُذ صلات الْمُلُوك وجوائزهم حَتَّى جمع من ذَلِك مَالا كثيرا وَمن محدثي الشُّعَرَاء من النِّسَاء عنان جَارِيَة الناطقي وَكَانَت من ألطف النَّاس وأظرفهم وأشعرهم مطبوعة وَكَانَت من معرفَة الْغَرِيب والنحو بِمحل رفيع عَالِمَة بالأنساب عارفة بأيام النَّاس كَثِيرَة النَّوَادِر وَالْأَخْبَار وَذكر عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي أَنه قَالَ شهدتها وَقد اجْتمع عِنْدهَا أدباء النَّاس وشعراؤهم وَأَصْحَاب النَّحْو والغريب وَأهل الْأَخْبَار والأنساب فَمَا جرى فِي ذَلِك الْمجْلس من هَذِه الصنوف الَّتِي ذكرتها إِلَّا وَجدتهَا أَكثر مِنْهُم وأحفظ قَالَ وَلَقَد سَمعتهَا تَقول حفظت من سير النَّاس ألف مُجَلد وَلَا أدع بَيْتا لجاهلي وَلَا مخضرمي وَلَا

(1/133)

إسلامي سمعته إِلَّا حفظته وَكَانَ أَبُو نواس وَمُسلم بن الْوَلِيد وَأَبَان بن عبد الحميد اللاحقي وَأَشْجَع السّلمِيّ وَسلم الخاسر وَغَيرهم من نظرائهم يَجْتَمعُونَ عِنْدهَا فَكَانَت تناقضهم ويناقضونها ونوادرهم باجتماعهم عِنْدهَا كثير وَكَانَت تمدح آل برمك فتجيد وَأعْطِي الناطقي بهَا مَالا كثيرا فَامْتنعَ من بيعهَا قَالَ وَمَا علمنَا أَن جَارِيَة بلغت فِي الْأَدَب والمعرفة وَالْبَيَان والفصاحة وَقَول الشّعْر مَعَ مَا جمعت إِلَى هَذِه الْخلال من الذكاء والظرف مبلغها وَذكرت فِي الشرق والغرب عِنْد الْمُلُوك والأشراف وتحدثوا عِنْدهم بنوادرها وشعرها فَكتب من شعرهَا ونوادرها فِي الْبلدَانِ مَالا يُحْصى

وَمن النِّسَاء سكن جَارِيَة مَحْمُود الْوراق وَكَانَت من أعذب النَّاس ألفاظا وأشعر النَّاس وأجودهم مَعَاني وأحكمهم رصفا وَأَحْسَنهمْ وَصفا عَالِمَة بالأخبار والأنساب عارفة بأيام النَّاس مناظرة فِي الْكَلَام فائقة فِيهِ لَا يكلمها أحد إِلَّا قطعته وَكَانَ مَحْمُود مَعَ براعة أدبه وَحسن شعره ومعرفته بفنون الْآدَاب وبصره بجيد الشّعْر وردئيه وَمَا كَانَ رزق من الْحِكْمَة يَقُول رُبمَا وَالله تتقاصر إِلَيّ نَفسِي فِي مناظرتها لِأَنَّهَا تَأتي من بَدَائِع الْكَلَام وَمن الِاحْتِجَاج بِشَيْء لم يسمع بِمثلِهِ من أحد من الْعلمَاء الَّذين نسبوا إِلَى الْكَلَام وَعرفُوا بِهِ فَأَقُول يَا سُبْحَانَ الله من ايْنَ هَذِه الفطنة التقية الْخَالِصَة فأبقى مبهوتا

وَكَانَت تمدح الْمُلُوك والأشراف وَكَانَ مَحْمُود ضَعِيف الْحَال لَا يكَاد يقوم

(1/134)

بمؤونتها فَكَانَ يَقُول لَهَا يَا سكن أَنْت فِي جمالك ونبلك وأدبك وأخلاقك على هَذِه الْحَالة وَأَنا مقتور عَليّ وَلست أقوم بواجبك وَوَاللَّه مَا شَيْء من عرض هَذِه الدُّنْيَا أثر عِنْدِي من النّظر إِلَيْك وَمن الْقرب مِنْك فَتَقول سكن يَا مولَايَ أما إِذا كَانَ الْأَمر عل مَا تَقول فإنني أَصْبِر مَعَك وأتجزأ بقليلك وَلَا أكلفك مَالا تُطِيقهُ قَالَ فغبرا بذلك زَمَانا فِي ضيق وضنك بعيشهما يقاسيان الْأَمريْنِ من ضيق الْعَيْش وَسُوء الْحَال حَتَّى كادا يشرفان على الفضيحة وَكَانَ قد أعطي بهَا عشرَة آلَاف دينا وحديثهما فِي أحوالهما وأخبارهما مَشْهُور

وَمن النِّسَاء عَائِشَة بنت عبد الله العثمانية وَكَانَت خرجت على السُّلْطَان وَكَانَت من أهل مَكَّة وَلم يكن فِي زمانها أحد أشعر وَلَا أحسن أدبا وَلَا أَكثر علما مِنْهَا وَكَانَت من أنبل النِّسَاء وأعفهن ورعة يابسة الْوَرع دينة وعمدت إِلَى رجل من آل أبي طَالب فأخرجت إِلَيْهِ مَالا وأمرته وأمرته أَن يجمع الرِّجَال ومحاربة بني الْعَبَّاس فَجمعت جموعا كَثِيرَة وَفرقت أَمْوَالًا جليلة وَخرجت تحارب بِنَفسِهَا وَكَانَت من أشعر أهل زمانها وَأَشْعَارهَا مدونة مَرْفُوعَة فحاربت مرّة بعد أُخْرَى وَقتلت جمَاعَة وَقتلت وَكَانَت عَائِشَة بن عبد الله هَذِه تصف قدميها من أول اللَّيْل إِلَى الصَّباح تصلي وَرُبمَا جمعت فِي اللَّيْلَة الْوَاحِدَة الْقُرْآن وَلم ير أحد إِلَى يَوْم النَّاس هَذَا أَشد اجْتِهَادًا مِنْهَا

وَمن الْجَوَارِي فضل الشاعرة وَكَانَت شاعرة مفلقة مقتدرة أديبة بارعة الْأَدَب كَامِلَة فصيحة نبيلة لَطِيفَة وَكَانَت تعشق سعيد بن حميد الْكَاتِب وأنفقت عَلَيْهِ أَكثر من ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَكَانَت من الْأَدَب بِمَنْزِلَة رفيعة ودرجة سنية عارفة بأخبار النَّاس وأيامهم تنشد أشعار الشُّعَرَاء فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَتعلم

(1/135)

تَفْسِير ذَلِك وتسوق أَيَّام الْعَرَب سوقا بأشعارها وحروبها وَمَا جرى فِيهَا وَكَانَت تشعر وَتقول فِي الْغَزل والعشق وَكَانَت قد حبب إِلَيْهَا اللَّهْو وَالشرَاب وَلها فِي الْغَزل وَالشرَاب أشعار كَثِيرَة مدونة وَقد كتبنَا قصَّتهَا وقصة سعيد بن حميد الْكَاتِب وَمَا جرى بَينهمَا فِي مَوْضِعه من هَذَا الْكتاب وسنأتي عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله قَالَ حَدثنِي الْقَاسِم بن عبد الله الْحَرَّانِي قَالَ كنت عِنْد سعيد بن حميد الْكَاتِب ذَات يَوْم وَقد فصد وأتته هَدَايَا فضل الشاعرة ألف جدي وَألف دجَاجَة وَألف طبق رياحين وَطيب وَغير ذَلِك فَكتب إِلَيْهَا إِن هَذَا الْيَوْم يَوْم لَا يطيب سروري إِلَّا بحضورك وَكَانَت من أحسن النِّسَاء ضربا بِالْعودِ وأملحهن صَوتا فَأَتَتْهُ فَضرب بَينهَا وَبَينه حِجَابا وأحضر ندماءه فِي ذَلِك الْيَوْم وَوضعت الموائد وجيئ بِالشرابِ فَلَمَّا شربنا أقداحا أخذت عودهَا فغنت بِهَذَا الشّعْر وَالشعر لَهَا وَالصَّوْت والأبيات هَذِه

(يَا من أطلت تفرسي ... فِي وَجهه وتنفسي) // مجزوء الْكَامِل //

(أفديك من متدلل ... يزهى بقتل الْأَنْفس)

(هبني أَسَأْت وَمِمَّا أَسَأْت ... بلَى أقرّ أَنا المسي)

(أحلفتني أَلا أسارق ... نظرة فِي مجْلِس)

(فَنَظَرت نظرة عاشق ... اتبعتها بتفرس)

(ونسيت أَنِّي قد حَلَفت ... فَمَا يُقَال لمن نسي)

قَالَ فَمَا أَتَى يَوْم كَانَ أقرّ لعَيْنِي من ذَلِك الْيَوْم

قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى حضرت لَيْلَة مَعَ جمَاعَة من إخْوَانِي فَأَنْشد أحدهم لامْرَأَة فاستحسناه وتحرر بَيْننَا أَن نعمر ليلتنا بأشعار النِّسَاء فَلم ننشد تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَّا شعر امْرَأَة

وَهَذَا يدل على كثرتهن ووفور عدتهن وَتعذر حصرهن وَعدم الْإِحَاطَة

(1/136)

بشعرهن وَإِنَّمَا اعتمدنا فِي هَذَا الْفَصْل الْإِشَارَة إِلَى شائعة وإيراد الْيَسِير من مشهوره وذائعه

وَمن قدر على قَول الشّعْر حكم لَهُ بِمَعْرِِفَة أَكثر الْإِعْرَاب وتجنب اللّحن وَكَيف يكون الْخَطَأ مستحسنا وَالصَّوَاب مستحسنا وَالْعرب تقرب المعربين وتنتقص اللاجنين وتبعدهم فعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مر بِقوم يرْمونَ نبْلًا فعاب عَلَيْهِم فَقَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّا قوم متعلمين فَقَالَ لحنكم أَشد عَليّ من سوء رميكم سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول رحم الله امْرأ أصلح من لِسَانه وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نحل وَالِد وَلَده أفضل من أدب حسن وَقَالَ الْعَبَّاس للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الْجمال فِي الرجل يَا رَسُول الله قَالَ اللِّسَان وَقَالَ أَيْضا جمال الرجل فصاحة لِسَانه وَقَالَ أجمل الْجمال الفصاحة وَقَالَ تعلمُوا الْعَرَبيَّة فَإِن الله مخاطبكم بهَا يَوْم الْقِيَامَة وَكَانَ ابْن عمر يضْرب بنيه على اللّحن وَلَا يَضْرِبهُمْ على الْخَطَأ قَالَ العتبى عَن أَبِيه اسْتَأْذن رجل من جند الشَّام لَهُ فيهم قدر على عبد الْملك ابْن مَرْوَان وَهُوَ يلْعَب بالشطرنج فَقَالَ يَا غُلَام غطها هَذَا شيخ لَهُ جَلَاله ثمَّ أذن لَهُ فَلَمَّا كَلمه وجده يلحن فَقَالَ يَا غُلَام اكشفها فَلَيْسَ للاحن حُرْمَة وَقَالَ حَمَّاد بن سَلمَة مثل الَّذِي يطْلب الحَدِيث وَلَا يعرف النَّحْو مثل الْحمار عَلَيْهِ مخلاة لَا شعير فِيهَا وَلَقَد أصَاب بعض الْأَشْرَاف حَيْثُ يَقُول نعْمَة الْجَاهِل كروضة على مزبلة وَفِيمَا يرْوى أَن بَعضهم رأى شَابًّا لَا أدب لَهُ وَعَلِيهِ خَاتم ذهب فَقَالَ حمَار عَلَيْهِ لجام من ذهب وَقَالَ بَعضهم أيرضى أحدكُم إِذا تكلم أَن يكون مثل عَبده وَكَيف ترْضونَ أَن تكون أَلْسِنَتكُم معوجة وأحدكم لَا يرضى أَن يكون الْحذاء الَّذِي فِي رجله إِلَّا فِي نِهَايَة الاسْتقَامَة وَأي عُضْو أولى أَن يحرس من

(1/137)

الزلل من عُضْو كرمه الله إِذْ أنطقه بتوحيده وَهَذَا بَاب طَوِيل إِن اسهبنا فِيهِ انقطعنا من ذكر مَا نَحن إِلَى شَرحه أحْوج مِمَّا يُوَافق الْكتاب وَكله يدل على أَن اللّحن تستقبحه الْعَرَب فِي جَمِيع الْأَحْوَال من كل ذكر أَو أُنْثَى وَهَذَا مُسْتَوفى فِي كتابي الْمُسَمّى مُنْتَهى الأرب فِي مُبْتَدأ كَلَام الْعَرَب

فصل الْمولى

وَمن ذَلِك أَيْضا قَول أبي عُبَيْدَة الْمولى الْمُعْتق ذُو النِّعْمَة وَالْمولى الْمُعْتق وَالْمولى فِي الدّين وَهُوَ الْوَلِيّ وَفِي كتاب الله {فإخوانكم فِي الدّين ومواليكم} وَمِنْه قَوْله عز وَجل {وَأَن الْكَافرين لَا مولى لَهُم} أَي لَا ولي وَقَالَ تَعَالَى {مأواكم النَّار هِيَ مولاكم} أَي أولى بكم وَالْمولى الْمُنعم وَالْمولى الْمُنعم عَلَيْهِ وَقَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ {فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ} أَي وليه وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام (مزينة وجهينة وَأسلم وغفار موَالِي الله وَرَسُوله وَقَالَ العجاج

(الْحَمد لله الَّذِي أعْطى الحبر ... موَالِي الْحق إِن الْمولى شكر) // رجز //

أَي الْأَوْلِيَاء الْحق وَقَالَ لبيد بن ربيعَة العامري

(1/138)

(فغدت كلا الفرجين تحسب أَنه ... مولى المخافة خلفهَا وأمامها) // كَامِل //

والفرج مَوضِع المخافة فَيَقُول غَدَتْ كلا موضعي المخافة تحسب أَن مِنْهُ أتيت وَأَنه ولي المخافة ثمَّ قَالَ ذَانك الفرجان هما خلفهَا وأمامها وَالْمولى الْعصبَة وَبَنُو الْعم وَمِنْه قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} وَقَوله عز وَجل {يَوْم لَا يُغني مولى عَن مولى شَيْئا} يَعْنِي ابْن الْعم عَن ابْن الْعم وَقَالَ اللهبي

(مهلا بني عمنَا مهلا موالينا ... لَا تنبشوا بَيْننَا مَا كَانَ مَدْفُونا) // بسيط //

وَقَالَ الزبْرِقَان

(وَمن الموَالِي موليان فمنهما ... معطي الجزيل وباذل النَّصْر) // كَامِل //

(وَمن الموَالِي ضَب جندلة ... لحز الْمُرُوءَة ظَاهر الْغمر)

وَقَالَ الحطيئة

(1/139)

(فأبقوا لَا أبالكم عَلَيْهِم ... فَإِن ملامة الْمولى شقاء) // وافر //

وَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر

(وَمولى قد رعيت الْغَيْب مِنْهُ ... وَلَو كنت المغيب مَا رعاني) // وافر //

وَقَالَ آخر

(وَمولى كداء الْبَطن لَو كَانَ قَادِرًا ... على الدَّهْر أفنى الدَّهْر أَهلِي وماليا) // طَوِيل //

قَالَ الحطيئة

(ففاخر بهم فِي آل سعد فَإِنَّهُم ... مواليك أَو كاثر بهم من تكاثر) // طَوِيل //

وَالْمولى الحليف وَمن انْضَمَّ إِلَيْك فمنعته وَعز بعزك وَقَالَ حُصَيْن بن الْحمام المري

(يَا أخوينا من أَبينَا وَأمنا ... مرا موليينا من قضاعة يذهبا) // طَوِيل //

يَعْنِي بني سلامان بن سعد بن زيد بن الحاف بن قضاعة وَكَانُوا حلفاء بني صرمة بن مرّة بن عَوْف بن معد بن عدنان

وَالْمولى الصهر قَالَ أَبُو الْمُخْتَار الْكلابِي

(1/140)

(وَلَا يفتلن النافعان كِلَاهُمَا ... وَذَاكَ الَّذِي فِي السُّوق مولى بني بدر) // طَوِيل //

وَقَالَ الرَّاعِي فِي الحليف

(جزى الله مَوْلَانَا غَنِيا ملامة ... شرار موَالِي عَامر فِي العزائم) // طَوِيل //

وَقَالَ الحطيئة

(وَإِن قَالَ مَوْلَاهُم فِي جلّ حَادث ... من الدَّهْر ردوا فضل أحلامكم ردوا) // طَوِيل // وَقَالَ الأخطل

(أتشتم قوما أثلوك نبهشل ... ولولاهم كُنْتُم بعكل مواليا) // طَوِيل //

وَقَالَ رجل من كلب يحضض بني عذرة على بني فَزَارَة فِي سبي أَصَابُوهُ مِنْهُم

(وَأَشْجَع إِن لَا قيتموهم فَإِنَّهُم ... لذبيان مولى فِي الحروب وناصر) // طَوِيل //

وَالْمولى الْجَار قَالَ مربع الْكلابِي وجاور بني كُلَيْب بن يَرْبُوع فَأَحْمَد

(1/141)

جوارهم

(جزى الله خيرا وَالْجَزَاء بكفه ... كُلَيْب بن يَرْبُوع وَزَادَهُمْ حمدا) // طَوِيل //

(هم خلطوني بالنفوس وألجموا ... إِلَى نصر مَوْلَاهُم مسومة جردا)

فصل السُّلْطَان

السُّلْطَان الْحجَّة وَالْملك القاهر قَالَ تَعَالَى فِي الْحجَّة {وَلَقَد أرسلنَا مُوسَى بأياتنا وسلطان مُبين} يَعْنِي حجَّة بَيِّنَة وَكَذَلِكَ كل سُلْطَان فِي أَمر مُوسَى يَعْنِي حجَّة وَقَالَ فِي الْأَنْعَام {مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا} يَعْنِي حجَّة فِي كتاب الله وَقَالَ فِي الرّوم {أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا} يَعْنِي حجَّة فِي كتاب بِأَن مَعَ الله شَرِيكا بِأَن لَيْسَ لَهُم حجَّة وَكَقَوْلِه فِي الصافات {أم لكم سُلْطَان مُبين} يَعْنِي حجَّة بَيِّنَة بِأَن مَعَ الله شَرِيكا بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُم حجَّة وَقَالَ فِي طس النَّمْل للهدهد (أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين) يَعْنِي حجَّة بَيِّنَة أعذره بهَا وَنَحْوه كثير

وَالثَّانِي السُّلْطَان يَعْنِي الْملك القاهر فَذَلِك قَول إِبْلِيس فِي سُورَة إِبْرَاهِيم {وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُم من سُلْطَان} يَعْنِي من ملك فأقهركم على الشّرك وَقَالَ فِي الصافات {وَمَا كَانَ لنا عَلَيْكُم من سُلْطَان} يَعْنِي من ملك فيقهركم على الشّرك {بل كُنْتُم قوما طاغين}

(1/142)

فصل السَّاحر

وَمن ذَلِك السَّاحر يُقَال للمذموم الْمُفْسد وَيُقَال سَاحر للممدوح الْعَالم قَالَ الله تَعَالَى {وَقَالُوا يَا أَيهَا السَّاحر ادْع لنا رَبك بِمَا عهد عنْدك} أَرَادَ يَا أَيهَا الْعَالم الْفَاضِل لأَنهم لَا يخاطبونه بالذم وَالْعَيْب فِي حَال حَاجتهم إِلَى دُعَائِهِ لَهُم واستنقاذه إيَّاهُم من الْعَذَاب والهلكة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن من الشّعْر حكما وَإِن من الْبَيَان سحرًا) فَقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن من الْبَيَان لسحرا يُفَسر تفسيرين مُخْتَلفين أَحدهمَا وان من الْبَيَان مَا يصرف قُلُوب السامعين على قبُول مَا يسمعُونَ ويضطرهم إِلَى التَّصْدِيق بِهِ إِن كَانَ فِيهِ غير حق يدل على هَذَا الحَدِيث الَّذِي يرْوى عَن قيس بن عَاصِم وَعَمْرو بن الْأَهْتَم والزبرقان بن بدر أَنهم قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمرا عَن الزبْرِقَان بن بدر فَأثْنى عَلَيْهِ خيرا فَلم يرض بذلك وَقَالَ وَالله يَا رَسُول الله إِنَّه ليعلم أَنِّي أفضل مِمَّا وصف وَلكنه حسدني على موضعي مِنْك فَأثْنى عَلَيْهِ عَمْرو شرا وَقَالَ وَالله يَا رَسُول الله مَا كذبت عَلَيْهِ فِي الأولى وَلَا الْآخِرَة وَلكنه أرضاني فَقلت بِالرِّضَا وأسخطني فَقلت بالسخط فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن من الْبَيَان لسحرا)

وَقَالَ مَالك بن دِينَار مَا رَأَيْت أحدا أبين من الْحجَّاج بن يُوسُف إِن كَانَ ليرقى الْمِنْبَر فيذكر إحسانه إِلَى أهل الْعرَاق وصفحه عَنْهُم وإساءتهم إِلَيْهِ حَتَّى أَقُول فِي نَفسِي إِنِّي لأحسبه صَادِقا وَإِنِّي لأظنهم ظالمين لَهُ وَسمع مسلمة بن عبد الْملك رجلا يتَكَلَّم فَيحسن وَيبين مَعَانِيه الَّتِي يقْصد لَهَا تبيينا شافيا فَقَالَ مسلمة هَذَا وَالله السحر الْحَلَال

والتأويل الآخر فِي الحَدِيث هُوَ أَن من الْبَيَان مَا يكْسب المأثم مثل مَا يكْسب

(1/143)

السحر صَاحبه يدل على هَذَا حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار فَقَالَ كل وَاحِد من الرجلَيْن يَا رَسُول الله حَقي لأخي فَقَالَ اذْهَبَا فَتَوَخَّيَا ثمَّ اسْتهمَا ثمَّ ليحلل كل وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه فَدلَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا الحَدِيث على أَن الرجل ببيانه وَحسن عِبَارَته يَجْعَل الْحق بَاطِلا وَالْبَاطِل حَقًا فَهَذَا الَّذِي يكْتَسب من الأوزار ببيانه مثل مَا يكسبه السَّاحر بسحره

فصل التصغير

وَمن ذَلِك أَيْضا التصغير يدْخل لِمَعْنى التحقير ولمعنى التَّعْظِيم فَمن التَّعْظِيم قَول الْعَرَب أَنا سر يسير هَذَا الْأَمر أَي أَنا أعلم النَّاس بِهِ وَمِنْه قَول الْأنْصَارِيّ يَوْم السَّقِيفَة أَنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أَي أَنا أعلم النَّاس بهَا فَالْمُرَاد من هَذَا التصغير التَّعْظِيم لَا التحقير والجذيل تَصْغِير الجذل وَهُوَ الْجزع وأصل الشَّجَرَة والمحكك الَّذِي يحتك بِهِ أَرَادَ أَنا يشتفى برأيي كَمَا تشتفي الْإِبِل أولات الجرب باحتكاكها بالجزع والعذيق تَصْغِير تَصْغِير العذق وَهُوَ الكباسة والشمراخ الْعَظِيم والمرجب الَّذِي يعمد لعظمه قَالَ لبيد فِي هَذَا الْمَعْنى

(1/144)

(وكل أنَاس سَوف تدخل بَينهم ... دويهية تصغر مِنْهُمَا الأنامل) // طَوِيل // فصغر الداهية مُعظما لَهَا لَا محقرا لشأنها والتصغير على ثَمَانِيَة أوجه أحدهن تَصْغِير الْعين لنُقْصَان فِيهَا كَقَوْلِك هَذَا حُجَيْر إِذا كَانَ صَغِيرا وَكَذَلِكَ هَذِه دويرة إِذا لم تكن كَبِيرَة وَاسِعَة

وَيكون التصغير على جِهَة تحقير المصغر فِي عين الْمُخَاطب وَلَيْسَ بِهِ نقص فِي ذَاته وَلَا صغر كَقَوْل الْقَائِل ذهبت الدَّنَانِير فَمَا بَقِي مِنْهَا إِلَّا دنينير وَاحِد وَالدِّينَار كَامِل الْوَزْن وَكَذَلِكَ هلك الْقَوْم فَمَا بَقِي مِنْهُم إِلَّا أهل بييت وَالْبَيْت المصغر لَا نقص فِيهِ وَلَا تغير

وَيكون التصغير على معنى التَّعْظِيم وَقد مضى شَرحه

وَيكون التصغير على معنى الذَّم كَقَوْلِهِم يَا فويسق يَا خَبِيث

وَيكون التصغير على معنى الرَّحْمَة والإشفاق والعطف كَقَوْلِهِم للرجل يَا بني وَيَا أخي وللمرأة يَا أخية لَا يقْصد فِي هَذَا قصد التصغير والتحقير وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ الرَّحْمَة والمحبة قَالَ أَبُو زبيد

(يَا ابْن أُمِّي وَيَا شَقِيق نَفسِي ... أَنْت خليتني لدهر شَدِيد) // خَفِيف //

وَمِنْه قَوْلهم يَا عميمة أدْخلك الله الْجنَّة

(1/145)

وَيكون تَصْغِير الْمحل على جِهَة التَّقْرِيب لَهُ كَقَوْلِهِم هَذَا فويق هَذَا وَهُوَ دوين الْحَائِط

وَالْوَجْه السَّابِع أَن يصغر الْجمع بتصغير واحده كَقَوْلِهِم فِي تَصْغِير الدَّرَاهِم دريهمات

وَالْوَجْه الثَّامِن أَن يصغر الْجمع بتصغير أَقَله كَقَوْلِهِم فِي تَصْغِير الْفُلُوس والبحور أفيلس وأبيحر فيصغرونهما بتصغير الأفلس والأبحر لِأَنَّهُمَا علما الْقلَّة فِي هَذَا الْبَاب

فصل الْحَرْف

والحرف أحد أَقسَام الْكَلم من قَوْلهم الْكَلم اسْم وَفعل وحرف جَاءَ لِمَعْنى والحرف النَّاقة الضامر والحرف أَيْضا الصلبة من الْإِبِل الشَّدِيدَة كحرف الْجَبَل وَمِنْه قَول الشَّاعِر ذُو الرمة

(جمالية حرف سناد يشلها ... وظيف أَزجّ الخطو رَيَّان سهوق) // طَوِيل //

وَجمعه من النوق أحراف وَمن الْجَبَل أحرفة وَمن الْخط حُرُوف وحرف السَّيْف حَده والحرف أحد الْقرَاءَات من قَوْلهم هُوَ يقْرَأ بِحرف أبي عَمْرو وَفُلَان على حرف من هَذَا الْأَمر أَي على انحراف عَنهُ والحرف الْأَمر المتوقع وَمِنْه قَوْله عز وَجل {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} أَي على أَمر متوقع وَفُلَان على حرف من هَذَا الْأَمر أَي قد بلغ آخِره كَأَنَّهُ بلع حرفه وَهُوَ حَده والحرف مصدر حرفته عَن جِهَته أزلته حرفا

(1/146)

فصل الثور

وَمن ذَلِك الثور وَاحِد الْبَقر مَعْرُوف يُقَال لَهُ ذَلِك من الوحشية والإنسية والثور مصدر ثار الْغُبَار يثور ثورا وثورة وَكَذَلِكَ النَّاقة إِذا ثارت من مبركها وَمِنْه قَول الشَّاعِر

(وَهن عِنْد اغترار الْقَوْم ثورتها ... يرهفن مُجْتَمع الْأَعْنَاق بالذنب) // بسيط //

وَيَقُولُونَ ثارت الحصبة بالإنسان تثور ثورا وثورانا إِذا خرجت عَلَيْهِ وثار الْجَرَاد يثور ثورا إِذا طَار

والثور برج من بروج السَّمَاء والثور السَّيِّد وَبِه كني عَمْرو بن معدي كرب أَبَا ثَوْر والثور انتشار الشَّفق قيل هُوَ الْحمرَة وَقيل هُوَ الْبيَاض والثور الْقطعَة من الاقط وَمِنْه قَول عَمْرو بن معد يكرب تضيفت ببني فلَان فأتوني بثور وقوس وَكَعب فالثور مَا ذَكرْنَاهُ والقوس بَقِيَّة التَّمْر فِي الجلة والكعب مَا جمع من السّمن وثورة الْغَضَب سورته والثور مَا يطلع على المَاء من الطحلب وَمِنْه قَول الشَّاعِر أنس بن مدركة الْخَثْعَمِي

(كالثور يضْرب لما عافت الْبَقر ... ) // بسيط //

(1/147)

يُرِيد أَن يضْرب عَن المَاء إِذا عافته الْبَقر وَقيل إِنَّمَا يُرِيد الثور بِعَيْنِه لِأَنَّهُ يقدم إِذا عافت الْبَقر الشّرْب فَيضْرب ليرد فتتبعه الْبَقر

وثور جبل مَعْرُوف قريب من مَكَّة يُقَال لَهُ ثَوْر أطحل

وَبَنُو ثَوْر قَبيلَة من الْعَرَب

شَجَرَة الثور

والثور ذكر الْبَقر وَالْبَقر الْفَزع والفزع الإغاثة والإغاثة وجود المرعى والوجود جمع وجد والوجد السخيمة فِي الْقلب والسخيمة السَّوْدَاء والسوداء مرّة فِي بدن الْإِنْسَان والمرة الْقُوَّة وَالْقُوَّة الطَّاقَة من الْحَبل وَالْجمع قوى قَالَ الْأَغْلَب

(كَأَن عرق أيره إِذا ودى ... حَبل عجوزضفرت سبع قوى) // رجز //

(1/148)

والطاقة الْمقدرَة والمقدرة الْيَسَار واليسار خلاف الْيَمين وَالْيَمِين الْحلف وَالْحلف الألية والألية التَّقْصِير وَالتَّقْصِير قصّ الشّعْر والقص اتِّبَاع الْأَثر والأثر السّنة وَالسّنة الْوَجْه قَالَ الشَّاعِر

(يَا زفر الْخَيْر رزقت الْجنَّة ... يَا شامخ الْبَيْت كريم السنه) // رجز // وَالْوَجْه الطَّرِيقَة والطريقة اللحمة واللحمة من الثَّوْب خلاف السدى والسدى الْعَسَل وَالْعَسَل عَدو الذئبة والذئبة دَاء من أدواء ذَوَات الْحَافِر والحافر حد الْمعول والمعول الرجل الْكثير الْعَوْل والعول الْجور والجور الحيود قَالَ الراجز

(فحاد عَن نهج السَّبِيل القاصد)

والحيود عقد الْقُرُون والقرون الْأُمَم السالفة والسالفة جَانب الْعُنُق من عَن يَمِين وشمال وَالشمَال الخليقة والخليقة الْخلق كلهم والخلق الزُّور من

(1/149)

الْكَلَام يختلقه الْإِنْسَان والزور الْقَوْم الْميل عَن الطَّرِيق أَي المائلون والميل مِقْدَار ثَلَاثَة فراسخ والفرسخ الْوَاسِع من كل شَيْء والواسع الْجواد وَمِنْه قَوْله {وَكَانَ الله وَاسِعًا حكيما}

وَقَالَ أَبُو النَّجْم

(الْحَمد لله الْعلي الْوَاسِع ... ) // رجز //

والجواد من الْخَيل الَّذِي يجود بأقصى مَا عِنْده من الجري وَالْخَيْل الْوَهم وَالوهم الإغفال تَركك النَّاقة بِلَا ميسم والميسم الْحسن وَالْجمال وَالْجمال الْبَهَاء مصدر الْبَهِي والبهي من الرِّجَال النَّبِيل والنبيل والنبيلة الجيفة والجيفة الطعنة الْجَائِفَة أَو الضَّرْبَة والجائفة الَّتِي تبلع الْجوف قَالَ الأسعر

(1/150)

(بجائفة كعزلاء المزاد ... ) // وافر //

والجوف وَاد يعرف بجوف الْحمار وَالْحمار وَاحِد الحمارين والحماران وهما حجران تنصب عَلَيْهِمَا العلاة الَّتِي يجفف عَلَيْهَا الأقط والعلاة الْعَالِيَة من الْمنَار والعالية بَلْدَة والبلدة الصَّدْر والصدر الرئيس والرئيس الْمُصَاب الرَّأْس والمصاب الَّذِي بِهِ طيف جُنُون والطيف الخيال الَّذِي يرى فِي النّوم والخيال الْأَثر قَالَ الأخطل

(كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسط ... غلس الظلام من الربَاب خيالها) // كَامِل //

والأثر مصدر أثرت الشَّيْء أَي استأثرت بِهِ والمصدر مَوضِع الرُّجُوع وَالرُّجُوع والرجاع جمع رَجَعَ والرجع النَّهْي وَالنَّهْي وَالنَّهْي وَاحِد النهاء والنهاء الأصناع والأصناع جمع صنع والصنع الْفضل وَالْفضل الربو والربو الانبهار قَالَ زيد الْخَيل

(1/151)

(لاربوها مِمَّا نَخَاف وَلَا ... تمشي براكبها على عثم) // كَامِل أحذ مُضْمر //

والانبهار انْقِطَاع الْبَقَرَة وابهرة الْجَوْز والجوز الْوسط وَالْوسط الْعدْل وَالْعدْل الشَّاهِد الَّذِي لَا يمِيل مَعَ الْخصم وَالشَّاهِد الْحَاضِر والحاضر خلاف البادي والبادي الظَّاهِر وَالظَّاهِر الضَّارِب ظهر غَيره وَظهر الانسان الْمعِين لَهُ وَهُوَ الظهير ايضا قَالَ الراجز

(نعم ظهير المملق بن معمر ... فِي الْأَزْمَان والسنين الْغمر)

والمعين الْمُصِيب بِعَيْنِه يُقَال عانه وأعانه وَالْعين نفس الشَّيْء وَالنَّفس كف من دباغ والكف الَّتِي فِيهَا الْأَصَابِع والأصابع الفواضل من الله تَعَالَى والفواضل النِّسَاء الكرائم والكرائم خِيَار المَال وَالْمَال الرجل المكثر وَالْمُكثر الْكثير الحَدِيث والْحَدِيث من كل شَيْء الْجَدِيد قَالَ أَبُو ذُؤَيْب الْهُذلِيّ

(وَإِن حَدِيثا مِنْك لَو تبذلينه ... جنى النَّحْل من ألبان عوذ مطافل) // طَوِيل //

(مطافيل أبكار حَدِيث نتاجها ... تشاب بِمَاء مثل مَاء المفاصل)

والجديد الْمَقْطُوع والمقطوع المخلف والمخلف المحمق والمحمق الَّذِي بِهِ الحميقاء وَهُوَ بِئْر فِي الْجَسَد والحميقاء الْجَارِيَة الرعناء والرعناء الهضبة الشامخة

(1/152)

والشامخة الجبارة والجبارة النَّخْلَة الْعلية والعلية الدَّابَّة الْعَظِيمَة الْخلق والخلق التَّقْدِير قَالَ الشَّاعِر زُهَيْر بن أبي سلمى

(وأراك تفري مَا خلقت وَبَعض الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفري) // كَامِل //

فرع 1

والثور ارْتِفَاع الغبرة والغبرة جمع غابر والغابر الْبَاقِي والباقيي النَّاظر يُقَال إبق الْمُؤَذّن أَي انتظره والناظر الحدقة قَالَ الْكُمَيْت

(فَأَنت وَجدك من هَاشم ... بِحَيْثُ السوَاد من النَّاظر) // مُتَقَارب //

والحدقة الْقَوْم المحيطون بالإنسان وَالْمُحِيط الَّذِي يَبْنِي حَائِطا والحائط الحديقة والحديقة الْبُسْتَان قَالَ رؤبة

(أيقربه صوب الحيا حدائقا)

فرع

2 - والثور ظُهُور الحصبة والظهور جمع ظهر وَالظّهْر الْمَتْن والمتن مَا غلظ من الأَرْض وَالْأَرْض الارتعاد قَالَ ذُو الرمة

(أَو كَانَ صَاحب أَرض أَو بِهِ الموم) // بسيط //

والارتعاد افتعال من الرَّعْد والرعد التهديد والتهديد الصَّوْت الشَّديد وَالصَّوْت الذّكر الْجَمِيل والجميل الودك يُقَال جملت الشَّحْم واجتملته إِذا

(1/153)

أذبته قَالَ لبيد

(أَو نهته فَأَتَاهُ رزقه ... فاشتوى لَيْلَة طل واجتمل) // رمل //

فرع 3

والثور هيجان الْجَرَاد والهيجان يبس البقل والبقل الطر والطر خُرُوج العذار وَالْخُرُوج جمع خرج قَالَ الشَّاعِر أَبُو قيس بن رِفَاعَة الْأنْصَارِيّ

(منا الَّذِي هُوَ مَا إِن طر شَاربه ... والعانسون وَمنا المرد والشيب) // بسيط //

والخرج خراج السُّلْطَان وَالْخَرَاج الإتاوة والإتاوة الضريبة والضريبة الجليدة والجليدة القوية قَالَ الأخطل

(إيها أَرَاك على الْفِرَاق جليدا ... ) // كَامِل //

أَي قَوِيا

فرع 4

والثور الرجل الرقيع والرقيع السَّمَاء وَالسَّمَاء السَّقِيفَة والسقيفة الْمَرْأَة

(1/154)

السقفاء وَهِي الَّتِي فِي صدرها بزأ والسقفاء النعامة قَالَ الشَّاعِر

(والبهو بهو نعَامَة سقفاء ... ) // كَامِل //

والنعامة عَمُود من أعمدة الخباء والخباء جمع خبأة والخبأة من النِّسَاء المصونة والمصونة الْقوس فِي غلافها والقوس بَقِيَّة التَّمْر فِي الجلة قَالَ الراجز

(خير من الأسدام والمزاود ... قَوس وَكَعب فِي إِنَاء وَاحِد)

والكعب بَقِيَّة السّمن فِي النحي

فرع 5

والثور هياج المرار والمرار جمع مرَارَة والمرارة ضد الْحَلَاوَة والحلاوة فقرة الْقَفَا والقفا مُؤخر الطَّرِيق قَالَ الشَّاعِر عقيل بن علفة

(خذا جنب هرشى أَو قفاها فَإِنَّهُ ... كلا جَانِبي هرشى لَهُنَّ طَرِيق) // طَوِيل //

وَالطَّرِيق النّخل ينَال بِالْيَدِ وَالْيَد وَاحِدَة الأيادي والأيادي المرار

(1/155)

والمرار جمع مرير والمرير الْقوي قَالَ الشَّاعِر تَوْبَة بن الْحمير

(أمرت قواها وَاسْتمرّ مريرها ... ) // طَوِيل //

فرع 6

والثور جمجمة الْقَوْم أَي رئيسهم والجمجمة جَمِيع قبائل الرَّأْس والقبائل الشئون والشئون الْأَحْوَال وَالْأَحْوَال الْأزْوَاج قَالَ الراجز

(هاتيك حَالي أَصبَحت تشكي ... تهيئ فكا وترفع فكا)

والأزواج الأنماط وَالْأَنْمَاط الأشكال والأشكال أشكال الْحُرُوف والحروف من الْجَبَل المعاقل والمعاقل الْحُصُون قَالَ الشَّاعِر

(وَإِن ولج الْخَوْف الْبَيْت فَإِنَّهُم ... لنا معقل لَا يُسْتَطَاع طَوِيل) // طَوِيل //

فرع 7

والثور الصبة من الأقط والصبة الْقطعَة من الشَّاء وَالْإِبِل وَالشَّاء السرب من النعام والسرب النَّفس وَالنَّفس ملْء كف من دباغ قَالَ الشَّاعِر

(1/156)

(إِذا باكرت عبء العبير بكفها ... بكرت على عبء المنيئة فِي النَّفس) // طَوِيل //

والكف الصّرْف وَالصرْف الْفَرْض وَالْفَرْض الْمَفْرُوض والمفروض الحزيز والحزيز مَا صلب من الأَرْض قَالَ الْكذَّاب الحرمازي

(كم خلفت من جدجد حزيزا ... وأودعته نفسا محفوزا) // رجز //

والجدجد مَا اسْتَوَى من الأَرْض وصلب وَفِي نُسْخَة أُخْرَى والجدجد دَابَّة نمراء تجلب من بِلَاد السودَان

فرع 8

والثور مَا ارْتَفع من الغثاء على وَجه المَاء وَالْوَجْه الْقَصْد وَالْقَصْد الْكسر وَالْكَسْر جَانب الْبَيْت والخباء وَيُقَال الْكسر بِالْكَسْرِ وَالْبَيْت مَحل الشّرف قَالَ الشَّاعِر

(إِن أَبَا ثَابت لمفتقد الشكل شرِيف الْآبَاء وَالْبَيْت) // منسرح //

وَالْمحل مَوضِع الْحُلُول والحلول جمع حَال وَالْحَال الْوَاجِب وَالْوَاجِب الغارب من النُّجُوم وَالْغَارِب أَعلَى الْمَتْن قَالَ الشَّاعِر

(فجب بِهِ مِنْهَا سَنَام وغارب ... ) // طَوِيل //

(1/157)

فرع 9

والثور جبل شامخ والشامخ الَّذِي يظْهر التيه يُقَال شمخ بِأَنْفِهِ والتيه الضلال والضلال الْهَلَاك والهلاك الْمنية هلك يهْلك بِالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبل قَالَ العذري

(فيا رب إِن تهْلك بثينة لَا أعش ... فواقا وَلَا أمتع بِمَال وَلَا أهل) // طَوِيل //

والمنية سلخ الشَّاة مَا دَامَ فِي الدّباغ وَهَذِه مَهْمُوزَة فِي الأَصْل وتليين الْهمزَة فِيهَا لُغَة والسلخ آخر انسلاخ الشَّهْر والانسلاخ التعري والتعري التكشف والتكشف لمعان الْبَرْق قَالَ الراجز

(يحكين بالمصقولة اللوامع ... تكشف الْبَرْق عَن الصواقع)

يُرِيد الصَّوَاعِق وَهَذَا من المقلوب

فرع 10

وثور قَبيلَة من الْعَرَب والقبيلة دون الْعِمَارَة وَهِي الْحَيّ الْعَظِيم والعمارة الْعِصَابَة والعصابة الْجَمَاعَة من جوارح الطير والجوارح الكواسب قَالَ الشَّاعِر

(فتركتهم جزر الْجَوَارِح شرعا ... نهبا لنسر أَو عِقَاب كاسر) // كَامِل //

(1/158)

والكواسب كلاب الصَّيْد وَالْكلاب حدائد فِي قَوَائِم السيوف والحدائد جمع حَدِيدَة والحديدة الشَّفْرَة الْمَاضِيَة والماضية القاطعة قَالَ الشَّاعِر

(ضربا بماضي الشفرتين مهبل ... ) // كَامِل //

فصل أم خنّور

قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن بري رَحمَه الله فِي حَوَاشِي الصِّحَاح للجوهري أم خنور الداهية يُقَال وَقَعُوا فِي أم خنور وَبَعض الْعَرَب يَجعله النَّعيم قَالَ أَبُو حنيفَة كل رخو خوار خنور وَلذَلِك قيل لقصب النشاب خنور وَأم خنور اسْم لمصر سميت بذلك لِأَن الخنور النَّعيم وَفِي الحَدِيث أم خنور يساق إِلَيْهَا قصار الْأَعْمَار قَالَ يَعْقُوب يُقَال وَقَعُوا فِي أم خنور أَي فِي خصب ولين من الْعَيْش وَيُقَال للدنيا أم خنور أَيْضا وَقَالَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك لقد وطينا أم خنور بِقُوَّة يَعْنِي الدُّنْيَا فَمَا مَضَت بعْدهَا جُمُعَة حَتَّى مَاتَ وَيُقَال للضبع أم خنزر وَزعم بَعضهم أَن خنزر من أَسمَاء الضبع وَأم خنور كنيتها وَأم خنور أَيْضا اسْم لاست الْكَلْب وَذكر ابْن خالويه فِي كِتَابه الْمَعْرُوف

(1/159)

ب لَيْسَ أم خنور مِثَال سنور قَالَ وَهِي الدُّنْيَا والضبع وَالنعْمَة ومصر واست الكلبة قَالَ ابْن خالويه كتبت إِلَى سيف الدولة رقْعَة فِيهَا زين الله لمولانا أم خنور فَقَالَ المتنبي أم خنور اسْم الكلبة فَقلت ام خنور لَهَا تِسْعَة أَسمَاء فَمَا عرف المتنبي مِنْهَا إِلَّا مَا يُشبههُ

فصل دارات الْعَرَب

الدارة كل جرنة تنفتح فِي الرمل وتحفها جبال ودارات الْعَرَب سبع عشرَة دارة

1 - دارة جلجل وَإِيَّاهَا عَنى امْرُؤ الْقَيْس بقوله

(أَلا رب يَوْم صَالح لَك مِنْهُمَا ... وَلَا سِيمَا يَوْم بدارة جلجل) // طَوِيل //

2 - ودارة الْقلَّتَيْنِ وَهِي الَّتِي أَرَادَ بشر بن أبي خازم بقوله

(1/160)

(سَمِعت بدارة الْقلَّتَيْنِ صوتاُ ... لحنتمة الْفُؤَاد بِهِ مصوع) // طَوِيل //

3 - ودارة خنزر وَهِي الَّتِي أَرَادَ الحطيئة بقوله

(إِن الرزية لَا أبالك هَالك ... بَين الرماح وَبَين دارة خنزر) // كَامِل //

4 - ودارة صلصل وَهِي الَّتِي أَرَادَ جرير بقوله

(إِذا مَا حل أهلك يَا سليمى ... بدراة صلصل شحطو المزارا) // وافر //

5 - ودارة مكمن وَهِي الَّتِي أَرَادَ الرَّاعِي بقوله

(بدارة مكمن ساقت إِلَيْهَا ... ريَاح الصَّيف أرآما وعينا) // وافر //

6 - ودارة مَوْضُوع وَهِي الَّتِي أَرَادَ الْحصين بن الْحمام بقوله

(جزى الله أفتاء الْعَشِيرَة كلهَا ... بدارة مَوْضُوع عقوقا ومأتما) // طَوِيل //

(1/161)

7 - ودارة مأسل وَهِي الَّتِي أَرَادَ ذُو الرمة بقوله

(نَجَائِب من ضرب العصافير ضربنا ... أَخذنَا أَبَاهَا يَوْم دارة مأسل) // طَوِيل //

8 - ودارة الذِّئْب وَهِي الَّتِي أَرَادَ عَمْرو بن براقة بقوله

(وهم يكدون وَأي كد ... من دارة الذِّئْب بمجرهد) // رجز //

9 - ودارة الجأب وَهِي الَّتِي أَرَادَ جرير بقوله

(مَا حَاجَة لَك فِي الظعن الَّتِي بكرت ... من دارة الجأب كالنخل المواقير) // بسيط //

10 - ودارة الكور وَهِي الَّتِي أَرَادَ سُوَيْد بقوله

(ودارة الكور كَانَت من محلتنا ... بِحَيْثُ ناصى أنوف الأخزم الجردا) // بسيط //

11 - ودارة رهبي وَهِي الَّتِي أَرَادَ جرير بقوله

(بهَا كل ذَيَّال الْعشي كَأَنَّهُ ... بدارة رهبى ذُو سِوَارَيْنِ رامح)

(1/162)

12 - ودارة وشجى

13 - ودارة رَفْرَف

14 - ودارة قطقط

15 - ودارة الجمد

16 - ودارة الخرج 17 ودارة الدّور

18 - ودارة حلحل

19 - وَزَاد أَبُو الْحسن الْهنائِي دارة السّلم وَأنْشد للبكاء

(وبدارة السّلم الَّتِي شوقتها ... دمن يكَاد حمامها يبكينا) // كَامِل //

ودارة اسْم من أَسمَاء الداهية معرفَة لَا تدخله الْألف وَاللَّام وَهُوَ لَا يتَصَرَّف لِأَنَّهُ مؤنث وَمِنْه قَول الشَّاعِر

(يسألن عَن دارة أَن تدورا ... ) // رجز //

والدارة دارة الْقَمَر وَهِي مَا أحَاط بِهِ

فصل شَجَرَة الْهلَال

الْهلَال هِلَال السَّمَاء وَالسَّمَاء منسج الْفرس والمنسج ممتد نير الحائك والنير علم الثَّوْب وَالْعلم الْجَبَل الشامخ والشامخ التائه على النَّاس والتائه الضائع والضائع الرجل ذُو الضَّيْعَة والضيعة العطلة والعطلة الْمَرْأَة غير

(1/163)

الحالية وَقد يُقَال بِغَيْر الْهَاء قَالَ الشَّاعِر

(أحسن بهَا برزت فِي الْحلِيّ أَو عطلا) // بسيط //

والحالية القاشرة للجلود على تليين الْهمزَة والقاشرة سنة الجدب والجدب الذَّم والذم البئار قَليلَة الْمِيَاه والبئار المباراة فِي الْحفر والحفر القادح فِي السن والقادح موري الزند والزند أنبوب الساعد والأنبوب كريب القنا والقنا حدب فِي المرسن قَالَ الشَّاعِر سَلامَة بن جندل

(لَيْسَ بأقنى وَلَا أسفى وَلَا سغل ... يعْطى دَوَاء قفي السكن مربوب) // بسيط //

والحدب الحنو على الْإِنْسَان والحنو العطاف والعطاف نصل السَّيْف والنصل السنان والسنان عَدو الْفَحْل على النَّاقة والفحل ذكر النّخل وَهُوَ الفحال أَيْضا جَاءَ فِي حَدِيث عُثْمَان لَا شَفَاعَة فِي بِئْر وَلَا فِي فَحل النّخل وَالذكر الْقَضِيب والقضيب النَّاقة الَّتِي لم يزل طماحها بعد والطماح الزِّيَادَة

(1/164)

فِي السّوم والسوم الرَّعْي وَفِي التَّنْزِيل {فِيهِ تسيمون} أَي ترعون قَالَ الشَّاعِر

(سقى بَلَدا أمست سليمى تحله ... من المزن مَا تروي بِهِ وتسيم) // طَوِيل //

والرعي الحوط والحوط كالطوق من حلي الْأَعْرَاب والطوق الطَّاقَة والطاقة الْقُوَّة من قوى الْحَبل وَالْحَبل عرق العاتق والعاتق الَّتِي لم ينلها الْوَطْء ويروى الَّتِي لم تصلح للْوَطْء وَالْوَطْء الِاقْتِدَاء والاقتداء شم رَائِحَة الْقدر والرائحة ضد الغادية والغادية نشء المزن بِالْغَدَاةِ قَالَ الشَّاعِر (وقطار غادية بِغَيْر شغار) // كَامِل //

(1/165)

والنشء التربية والتربية ترقيع الْجِدَار والجدار عير الوتد والوتد النيهة فِي الْأذن وَالْأُذن الرجل السَّلِيم الْقلب والسليم الملسوب والملسوب عسل النَّحْل والنحل الْجُود والجود اشتداد الْجُوع والاشتداد والشد الْعَدو الشَّديد قَالَ الشَّاعِر زُهَيْر بن ابي سلمى

(فَشد وَلم يفزع بُيُوتًا كَثِيرَة ... لدي حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم) // طَوِيل //

والعدو الظُّلم وَالظُّلم شرب اللَّبن قبل أَن يروب وَاللَّبن وجع الْعُنُق من تغير الوساد والعنق الكردوس من النَّاس والكردوس رَأس الْفقر والفقر النَّوَادِر والنوادر أنوف الْجبَال والأنوف أَوَائِل كل شَيْء والأوائل النواجي والنواجي نَجَائِب الْإِبِل قَالَ الشَّاعِر الْأَعْشَى

(بناجية كالفنيق القطم ... ) // مُتَقَارب //

(1/166)

والنجائب الْأدم المدبوغة بالنجب والنجب قروف الشّجر والقروف الْحمرَة والحمرة جمع حمَار على تَخْفيف الضَّم وَالْحمار صفيح حجر ينصب على الجدف والجدف الرميم والرميم مَا ترتمه الْأَنْعَام أَي تعلفه والأنعام اسْم هَذِه السُّورَة وَالسورَة الْمنزلَة والمنزلة الْمرتبَة قَالَ الشَّاعِر الشماخ

(ومنزلة لَا يستقال بهَا الردى ... تلاقى بهَا حلمي عَن الْجَهْل حاجز) // طَوِيل //

والمرتبة الْمقَام فِي الْبَلَد والبلد الندوب فِي الْجَسَد والندوب الشجعان والشجعان الأراقم والأراقم هَذَا الْحَيّ من ربيعَة والربيعة

(1/167)

الْبَيْضَة من الْحَدِيد والبيضة محر نجم الْقَوْم والمحر نجم برك الْإِبِل والبرك الصَّدْر والصدر الْحور من الْمِيَاه أَي الرُّجُوع قَالَ الشَّاعِر أَبُو الْعَتَاهِيَة

(فَإِذا وردن بناوردن مخفة ... وَإِذا صدرن بِنَا صدرن ثقالا) // كَامِل //

والحور الضعة والضعة من أَحْرَار البقل والأحرار مُلُوك فَارس والفارس الكاسر والكاسر الْعقَاب وَالْعِقَاب خيط الرعثة والرعثة غبب العترفان والعترفان الخنزاب والخنزاب الجزر الْبري يُقَال الجزر والجزر لُغَتَانِ بِالْفَتْح وَالْكَسْر والجزر الذَّبِيح قَالَ الشَّاعِر عنترة

(جزر السبَاع وكل نسرقشعم ... ) // كَامِل //

(1/168)

والذبيح الْمسك الفتيق والفتيق وَقت الإصباح والإصباح الإسراج والإسراج أسر السرج على الْفرس والأسر الشد والشد الحملة فِي الْحَرْب وَالْحَرب بزك الرجل ثِيَابه والبز أَدَاة الْحَرْب والأداة ألة الصَّانِع والآلة سَرِير الْمَيِّت قَالَ الشَّاعِر كَعْب بن زُهَيْر

(كل ابْن أُنْثَى وَإِن طَالَتْ سَلَامَته ... يَوْمًا على آلَة حدباء مَحْمُول) // بسيط //

فرع 1

والهلال حَدِيدَة كالهلال بيد الصَّائِد يعرقب بهَا الْحمار الوحشي والوحشي عقمي الْكَلَام والعقم النِّسَاء الْقَوَاعِد وَالْقَوَاعِد الجوالس والجوالس الآتيات جلسا وَهِي نجد قَالَ الشَّاعِر العرجي

(شمال من غاربة مفرعا ... وَعَن يَمِين الْجَالِس المنجد)

(1/169)

والجلس الصلب من الارض والصلب نسل الرجل والنسل عَدو الذئبة والذئبة خَشَبَة الرحل والرحل مَتَاع الْبَيْت قَالَ الراجز

(يَا قوم من يكلأ رَحل بَيْتِي ... من حيزيون تترجى موتِي)

فرع

2 - والهلال ذؤابة النَّعْل والذؤابة مَا ذاب من الصفر والصفر الْخَالِي من الْأَوَانِي

والخالي الَّذِي لَا زوج لَهُ وَالزَّوْج الذّكر وَالْأُنْثَى قَالَ الشَّاعِر أَبُو دلامة

(وَكُنَّا كَزَوج من قطا فِي مفازة ... لَدَى خفض عَيْش مُورق مونق رغد) // طَوِيل //

(فخانهما ريب الْمنون فأفردا ... وَلم تَرَ عَيْني قطّ أوحش من فَرد)

وَالْأُنْثَى الْبَيْضَة من الخصيتين والبيضة ربيعَة الْحَدِيد والربيعة المربوعة أَي المحمولة والمربوعة المفتولة من أَربع قوى والقوى الْقدر قَالَ الراجز الْأَغْلَب الْعجلِيّ

(تيح لَهَا بعْدك خنزاب وَأي ... معر نزم عرد المطا جلد القوى)

(1/170)

(من اللجيميين أَرْبَاب الْقرى ... لَيست بِهِ واهنة وَلَا نسا)

فرع 3

والهلال قِطْعَة من الإهباء وَهُوَ الْغُبَار والإهباء الشد والشد العقد وَالْعقد الْعَهْد والعهد الودق من الْمَطَر قَالَ الشَّاعِر

(سقى معهدا أمست سليمى تحله ... من الْعَهْد مَا تروي بِهِ وتسيم) // طَوِيل //

والودق الاسترخاء واللين واللين النّخل وَالنَّخْل الاخلاص وَالْإِخْلَاص التصفية والتصفية وصف الْمَوَاشِي بالغزر يُقَال صفيت الشَّاة إِذا وصفتها بِأَنَّهَا صفي أَي غزيرة قَالَ الشَّاعِر

(وَجَاءَت جلة روق صفايا ... يصوع عنوقها أحوى زنيم) // وافر //

(1/171)

فرع 4

والهلال مَا أطاف من اللَّحْم بظفر الْأصْبع والأصبع الْأَثر الْحسن وَالْحسن كثيب مَعْرُوف وَالْمَعْرُوف الصَّبِي الَّذِي بِهِ العرفة وَالصَّبِيّ أصل اللحي قَالَ الشَّاعِر

(كَأَن كَبْشًا ساجسيا أدبسا ... بَين صبيي لحيه مجرفسا)

واللحي القشر والقشر الجلو والجلو الصقل والصقل الضَّرْب وَالضَّرْب الْخَفِيف النحيف قَالَ الشَّاعِر طرفَة بن العَبْد

(أَنا الرجل الضَّرْب الَّذِي تعرفونه ... خشَاش كرأس الْحَيَّة المتوقد) // طَوِيل //

(1/172)

فرع 5

والهلال قِطْعَة من رحى والرحى الضرس والضرس النبذ من الْكلأ يُقَال فِي أَرض بني فلَان ضروس من الْكلأ والنبذ الطرح والطرح مَا طرحته فَجَلَست عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِر أَبُو الْأسود الدؤَلِي)

(نظرت إِلَى عنوانه فنبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا) // طَوِيل //

وَجَلَست أتيت نجدا النجد الشجاع والشجاع الثعبان والثعبان مجاري المَاء فِي الأودية وَاحِدهَا ثعب والثعب الخصف أَي الثقب قَالَ الْهُذلِيّ ابو كَبِير

(حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى فرَاش غريرة ... سَوْدَاء رَوْثَة أنفها كالمخصف) // كَامِل //

فرع 6

والهلال سلخ الْحَيَّة والسلخ السرو والسرو نوع من الشّجر وَالنَّوْع الْميل والميل الْمحبَّة قَالَ الشَّاعِر أَبُو ذُؤَيْب

(1/173)

(دعَاك إِلَيْهَا مقلتاها وجيدها ... فملت كَمَا مَال الْمُحب على عمد) // طَوِيل //

والمحبة مَوضِع بروك النَّاقة والبروك الأزوار والأزوار جمع زور وهم الزائرون والزائر اللَّيْث وَاللَّيْث لف الْإِزَار على الرَّأْس قَالَ الراجز رؤبة

(وَكنت إِذا لم تلهني الهنابث ... وَلَا أُمُور الْقدر البواحث)

(وَلم يلث شيبا بفودي لايث ... )

فرع 7

والهلال مقاولة الْأَجِير على الشُّهُور والأجير المثاب والمثاب الْمَرْدُود والمردود الْقَبِيح المنظر والقبيح كرْدُوس عظم الذِّرَاع قَالَ الراجز أَبُو النَّجْم

(1/174)

(حَيْثُ تلاقي الإبرة القبيحا ... )

والكردوس الْجَيْش والجيش غلي البرمة والبرمة الْقطعَة من البريم وَهُوَ الْحَبل من لونين والبريم الْمَقْطُوع والمقطوع الْبَعِير المرحول قَالَ الشَّاعِر عبد الرَّحْمَن بن الحكم

(أتتك العيس تنفخ فِي براها ... تكشف عَن مناكبها القطوع) // وافر //

فرع 8

والهلال المباراة فِي رقة النسيج والمباراة الْمُعَارضَة والمعارضة المداينة والمداينة الْمُكَافَأَة قَالَ الشَّاعِر

(وَاعْلَم وأيقن أَن ملكك زائل ... وَاعْلَم بِأَن كَمَا تدين تدان) // كَامِل //

(1/175)

والمكافأة المشاكلة والمشاكلة المدالة والمدالة المجادلة والمجادلة المصارعة والمصارعة الْمُفَاخَرَة قَالَ الشَّاعِر الْأَعْشَى

(لَو صارع النَّاس عَن أحسابهم صرعا ... ) // بسيط //

فرع 9

والهلال المباراة فِي التهلل والتهلل التأدي والتأدي التَّوَقُّف والتوقف خضب السَّاقَيْن والساق الذعر قَالَ الشَّاعِر

(قد شمرت عَن سَاقهَا فشمري ... واتخذي اللَّيْل قلوصا تظفري) // رجز //

والذعر جمع ذعرة وَهِي الدبر والدبر والدبر جمع دبير وَهُوَ المفتول شزرا والشزر نظر المتخازر وَالنَّظَر الْعقل وَالْعقل الشد وَمِنْه يُقَال عقل الرجل إِذا شدّ نَفسه وكفها عَن القبائح قَالَ لبيد

(واعقلي إِن كنت لما تعقلي ... وَلَقَد أَفْلح من كَانَ عقل) // رمل //

(1/176)

فرع 10

والهلال جمع هلة وَهِي المفرحة وَمِنْه يُقَال قدم وَمَا جَاءَ بهلة وَلَا بلة فالهلة مَا يفرح بِهِ والبلة مَا يبل لهاته من الْخَيْر والمفرحة المجحفة والمجحفة الرّفْقَة تَأتي بِالْجُحْفَةِ وَهِي مَدِينَة والجحفة الجزيرة من الْبَحْر والجزيرة المنحورة والمنحورة الْمُسْتَقْبلَة والمستقبلة الْكَعْبَة والكعبة الدكة المربعة والمربعة الأَرْض تجعلها ربعا لَك أَي منزلا وَالرّبع أَخذ المرباع وَهُوَ حق الرئيس من الْغَنِيمَة قَالَ الشَّاعِر عبد الله بن عنمة

(لَك المرباع مِنْهَا والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول) // وافر //

فرع 11

والهلال الثعبان والثعبان مسَائِل المَاء فِي الْوَادي والوادي الَّذِي يخرج مِنْهُ الودي والودي الفسيل والفسيل والفسل الرذيل وَهُوَ الفسل من الرِّجَال قَالَ الشَّاعِر

(1/177)

(وَمَا كنت فسلا يَوْم ذَلِك مجهلا ... ) // طَوِيل //

والرذيل مَا يبْقى من الْإِبِل فِي البيع نَحْو الفصيل الصَّغِير والحوار والفصيل السقب حِين يفصل عَن اللَّبن والسقب عَمُود من أعمدة الخباء والخباء مصدر خابأت الرجل إِذا خبأت لَهُ خبأ يَسْتَخْرِجهُ وخبأ لَك مثل ذَلِك والخبء السَّحَاب وَيُقَال الْمَطَر قَالَ الشَّاعِر عارق الطَّائِي

(أتيناه نسائل عَن خبو ... نقدر أَن سيبعل بالعناد) // وافر //

فرع 12

والهلال بَقِيَّة المَاء فِي الْحَوْض وَالْمَاء الْحسن وَالْحسن عظم الْمرْفق الَّذِي يَلِي الْجوف والجوف مَكَان بِبِلَاد السراة والسراة جمع سري من النَّاس قَالَ الشَّاعِر زُهَيْر بن أبي سلمى

(مَتى يشتجر قوم نقل سرواتهم ... هم بَيْننَا فهم رضَا وهم عدل) // طَوِيل //

(1/178)

وَالسري النَّهر الصَّغِير وَالنّهر السعَة وَالسعَة الْيَسَار واليسار خلاف الْيَمين وَالْيَمِين الْقُوَّة قَالَ الشَّاعِر الشماخ بن ضرار

(إِذا مَا راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ) // وافر //

فصل الجلل

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الجلل الهين والعظيم وَقَالَ أَبُو يُوسُف سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يَقُول الجلل الهين الصَّغِير والجلل الْعَظِيم قَالَ أَبُو يُوسُف وَلَا يعرف الجلل بِمَعْنى الْعَظِيم قَالَ الشَّاعِر الْحَارِث بن وَعلة الذهلي

(فلئن عَفَوْت لأعفون جللا ... وَلَئِن سطوت لأوهنن عظمي) // كَامِل //

فَمَعْنَاه الْعَظِيم وَقَالَ آخر فِي رِوَايَة أبي الفوارس الجلل الْعَظِيم وَقد جلت

(1/179)

مصيبتهم أَي عظمت وَقَالَ أَيْضا الجلل الهين وَأنْشد للبيد

(كل شَيْء مَا خلا الْمَوْت جلل ... والفتى يسْعَى ويلهيه الأمل) // رمل //

وَيُقَال لكل شَيْء أَخطَأ الْأنف جلل أَي هَين وَقَالَ الآخر المثقب الْعَبْدي

(كل شَيْء مَا أَتَانِي جلل ... غير مَا جَاءَ بِهِ الركب ثني) // رمل //

أَي مرَّتَيْنِ مرّة بعد مرّة جلل هَهُنَا هَين وَيُقَال فعلته من جللك أَي من أَجلك قَالَ الشَّاعِر جميل بثينة

(رسم دَار وقفت فِي طلله ... كدت أَقْْضِي الْحَيَاة من جلله) // خَفِيف //

أَي من أَجله وَقَالَ الْأَصْمَعِي مَعْنَاهُ من عظمه فِي صَدْرِي

فصل الضَّرْب

وَمن ذَلِك الضَّرْب بِالْيَدِ والعصا مَعْرُوف وَالضَّرْب فِي الأَرْض الذّهاب فِيهَا وَالضَّرْب الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي وَقد ضرب الرجل ضربا إِذا فعل ذَلِك وَمِنْه قَول الْمسيب

(1/180)

(فَإِن الَّذِي كُنْتُم تحذرون ... أتتنا عُيُون بِهِ تضرب) // مُتَقَارب //

أَي تسرع وَالضَّرْب الْأَخْذ فِي الشَّيْء تَقول ضرب فلَان فِي عمله إِذا أَخذ فِيهِ وَالضَّرْب منع الْمُفْسد من عمله تَقول ضرب عل يَدَيْهِ ضربا إِذا فعل ذَلِك وَالضَّرْب النَّوْع وَالْجِنْس تَقول هَذَا ضرب من الْمَتَاع أَي نوع وَالضَّرْب الرجل الْخَفِيف اللَّحْم وَمِنْه قَول الشَّاعِر طرفَة

(أَنا الرجل الضَّرْب الَّذِي تعرفونه ... خشَاش كرأس الْحَيَّة المتوقد) // طَوِيل //

وَضرب الْفَحْل ضربا وضرابا وباتت اللَّيْلَة تضربنا ضربا من الضريب وَهُوَ الجليد وَالضَّرْب الْمَطَر الدَّائِم الضَّعِيف وَضرب الدَّهْر بالقوم ضَرْبَة إِذا تصرف بهم وَضربت فُلَانَة فِي بني فلَان بعرق أشب ضربا إِذا ولدت فيهم وَهَذَا ضرب هَذَا أَي مثله وَمِنْه قَول الراجز

(وَمَا رَأينَا فِي الْأَنَام ضربا ... ضربك إِلَّا حاتما وسعدا)

فصل الرؤبة

قَالَ البطليوسي رؤبة لَهُ أحد عشر معنى وَقد ذكرتها فِي كتاب الاقتضاب وَكتاب المثالب

قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن بري النَّحْوِيّ رَحمَه الله الصَّحِيح أَن لَهُ ثَمَانِيَة معَان وَهِي

(1/181)

1 - رؤبة بن العجاج بِالْهَمْز

2 - رؤبة قِطْعَة خشب يراب بهَا فهاتان مهموزتان وَالْبَاقِي بِغَيْر همزَة

3 - روبة اللَّبن خميرته الَّتِي تلقى فِيهِ ليروب

4 - وروبة اللَّيْل طَائِفَة مِنْهُ

5 - وروبة الرجل حَاجته قَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى قَالَ لي الْفضل بن الرّبيع وَقد قدمت عَلَيْهِ أَلَك ولد يَا أَبَا عُبَيْدَة فَقلت نعم قَالَ مَالك لم تقدم بِهِ مَعَك قلت خلفته يقوم بروبة أَهله قَالَ فَأَعْجَبتهُ هَذِه الْكَلِمَة وَقَالَ اكتبوها عَن أبي عُبَيْدَة

6 - روبة الْفرس طرقه فِي جمامه

7 - وَأَرْض روبة كَرِيمَة

8 - والروبة شجر الزعرور

9 - وروبة الرجل عقله

شَجَرَة الرؤبة

الرؤبة الْحَاجة يُقَال فلَان مَا يقوم برؤبة أَهله أَي حَاجتهم وَالْحَاجة الْقَوْم المخفقون أَي الْفُقَرَاء والمخفق الصَّائِد الَّذِي يَرْمِي فَلَا يُصِيب والمصيب القاصد من قَوْله تَعَالَى {رخاء حَيْثُ أصَاب} والقاصد الكاسر قصدته إِذا كَسرته والكاسر الْعقَاب وَالْعِقَاب راية الْجَيْش والجيش جيشان النَّفس وَالنَّفس الْعين تصيب الانسان وَالْعين وَهن يكون فِي السقاء فيرشح يُقَال

(1/182)

مِنْهُ سقاء عين قَالَ الراجز رؤبة

(مَا بَال عَيْني كالشعيب الْعين ... )

والوهي الصدع فِي الْجَبَل والصدع المجاهرة بِالْحَقِّ من قَوْله تَعَالَى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} والجاهرة مباراة الرجلَيْن أَيهمَا أَجْهَر صَوتا والأجهر من الرِّجَال الَّذِي لَا يبصر فِي الشَّمْس إِلَّا بصرا ضَعِيفا وَالْبَصَر أَن يكون الرجل حاذقا بالشَّيْء فَيُقَال لَهُ بصر فِيهِ والحاذق الْقَاطِع والقاطع من الطير الَّذِي يقطع فِي الصَّيف والشتاء الى الْبلدَانِ الحارة والباردة والصيف عدُول السهْم عَن الرَّمية والسهم النَّصِيب والنصيب والنصيبة حِجَارَة تنصب عل شَفير الْقَبْر أَو الْحَوْض وَالْجمع النصب والنصائب قَالَ الراجز

(إِنِّي ودلوي لَهَا وصاحبي ... وحوضها الأفيح ذَا النصائب)

(رهن لَهَا بِالريِّ غير الْكَاذِب ... )

والقبر رمس الْمَيِّت أَي دَفنه والرمس هبوب الرّيح الشَّدِيدَة والرامسات الرِّيَاح الشداد وَالرِّيح الظفر وَالظفر دَاء فِي الْعين ظَفرت عينه تظفر ظفرا وَالْعين خَالص الشيءوالخالص من كل شَيْء الشَّديد الْبيَاض وَالْبَيَاض ضوء النَّهَار وَالنَّهَار فرخ الْكرَى أَي الكروان والكرى النّوم قَالَ الراجز سُؤْر ابْن الذِّئْب

(1/183)

(مَا من لعين عَن كراها قد جَفتْ ... منهلة تستن لما عرفت)

(دَارا لخود بالجناب قد عفت)

وَالنَّوْم دروس الثَّوْب والدروس دياس الطَّعَام والدياس مراس الْأَمر داوست الْأَمر إِذا مارسته والمراس الحبال جمع مرس والحبال عروق العاتق والعاتق الْبكر من النِّسَاء وَالْبكْر الفسيل من النّخل وَالنَّخْل مصدر نخلت الدَّقِيق والدقيق من الرِّجَال الضئيل والضئيل ضرب من الثعابين قَالَ الشَّاعِر النَّابِغَة الذبياني

(فَبت كَأَنِّي ساورتني ضئيلة ... من الرقش فِي أنيابها السم ناقع) // طَوِيل //

والثعابين مجاري الْمِيَاه إِلَى شعوب الأودية والشعوب الْقَبَائِل والقبائل شئون الرَّأْس والشئون الْأَحْوَال وَالْأَحْوَال الكارات جمع كارة والكارة دور من أدوار الْعِمَامَة أَو الْعِصَابَة والعصابة النَّفر من النَّاس والنفر جمع نافر من الدَّوَابّ

(1/184)

وَغَيرهَا والنافر الْخَارِج إِلَى الْغَزْو والغزو الْقَصْد قَالَ الشَّاعِر الْحَارِث بن حلزة

(لغزاهم بالأسودين وَأمر الله بلغ يشقى بِهِ الأشقياء) // خَفِيف // وَالْقَصْد التكسير والتكسير نُقْصَان الْعدَد عَن العقد وَالْعقد ضد الْحل والحل النُّزُول فِي الْبَلَد والبلد الْأَثر فِي الْجَسَد والأثر الحَدِيث الْمَرْوِيّ والْحَدِيث ضد الْعَتِيق والعتيق الْبَيْت الْحَرَام وَالْحرَام النملة السَّوْدَاء والنملة بثر يخرج فِي الرجل والجميع النَّمْل قَالَ الشَّاعِر

(وَلَا عيب فِينَا غير عرق لمعشر ... كرام وَأَنا لَا نخط على النَّمْل) // طَوِيل //

والبثر المَاء الغزير وَالْمَاء الحيا والحيا مثل الْفرج من ذَوَات الْأَرْبَع والفرج فتح ذيل الْقَمِيص وَالْفَتْح الْغَيْث والغيث مصدر غيثت الأَرْض إِذا كثر بهَا الْمَطَر والمطر الْعَدو والعدو الْجور والجور الْمَدِينَة الْبَعِيدَة وَالْمَدينَة الْمَمْلُوكَة قَالَ الشَّاعِر الأخطل

(نشا وَربا فِي حجرها ابْن مَدِينَة ... يظل على مسحاته يتركل) // طَوِيل //

(1/185)

والمملوكة العجنة من الدَّقِيق الَّتِي أحكم عجنها وَالْملك إحكام العجن والعجنة اعْتِمَاد الشَّيْخ بيدَيْهِ على الأَرْض إِذا نَهَضَ للْقِيَام وَالشَّيْخ نبت والنبت مصدر نبت الزَّرْع إِذا طلع وَالزَّرْع الإنماء يُقَال زرع الله الصَّبِي أَي أنماه وَالصَّبِيّ مُجْتَمع فك اللحي والفك فض خَاتم الْكتاب والفض التبديد والتفريق والتبديد الكلال يُقَال بدد الرجل إِذا أعيا وكل قَالَ الراجز

(وَصَاحب صاحبت غير أبعدا ... ترَاهُ بَين الخرمتين مُسْندًا)

(فَإِن تمشى قيد رمح بددا ... )

والكلال سوء قطع السَّيْف وَالسوء الْبيَاض فِي بدن الأبرص من قَوْله تَعَالَى {تخرج بَيْضَاء من غير سوء} والأبرص دويبة تسمى سَام أبرص والسام الثاقب والثاقب الْكَوْكَب المضيء والكوكب جمة المَاء والجمة الْكَثِيرَة والكثيرة الْقَبِيلَة المغلوبة فِي المكاثرة يُقَال كاثرنا بني فلَان فكثرناهم وقبيلة مكثورة وكثيرة فعلية بِمَعْنى مفعولة والقبيلة الكفيلة يُقَال قبلت بِكَذَا أَي كفلت بِهِ والكفيلة الَّتِي يكفل أمرهَا سواهَا قَالَ الشَّاعِر

(مكفولة كفل الْإِلَه برزقها ... وَبهَا رز عَن غير مكرمَة حمى) // كَامِل //

وَسوى الرجل نَفسه يُقَال رَأَيْت سوى زيد أَي رَأَيْت زيدا بِعَيْنِه وَالنَّفس الدَّم وَالدَّم النجيع والنجيع المَاء المريء الَّذِي ينجع فِي الْمَاشِيَة والمريء مَا

(1/186)

تعلق من الرية بالحلقوم والرية مَا تورى بِهِ النَّار وَالنَّار السمة والسمة السوَاد فِي الأتفية والأتفية حجر من أَحْجَار المنجنيق وَحجر اسْم رجل وَبِه سمي أَبُو أَوْس بن حجر والأوس الْعَطاء وَمِنْه قَول الْجَعْدِي

(ثَلَاثَة أهلين أفنيتهم ... وَكَانَ الْإِلَه هُوَ المستآسا) // مُتَقَارب //

فرع 1

الرؤبة جناة شَجَرَة تسمى الزعرور والجناة الرّطبَة الجنية والجنية هِيَ الجريمة يجنيها الانسان والجريمة الْجَارِحَة من الطير والجارحة الإرب من الْآرَاب أَي الْعُضْو قَالَ الشَّاعِر جرير

(تبْكي على زيد وَلم تَرَ مثله ... سليما من الْحمى برَاء الْجَوَارِح) // طَوِيل //

والآراب حوائج الرِّجَال من أَزوَاجهم والأزواج الأنماط من الديباج وَالْأَنْمَاط الضروب من كل شَيْء والضروب الأشكال والأشكال جمع شكل

(1/187)

وَهُوَ الدل فِي النِّسَاء قَالَ الشَّاعِر

(خفرات ذَوَات شكل وَدلّ ... ) // خَفِيف //

فرع 2

الروبة الجمام من الْفَحْل يُقَال هَب لي روبة فحلك والفحل الشَّاعِر المفلق والشاعر الْعَالم والعالم الشاق شفة الأعلم وَهُوَ المشقوق الشّفة الْعليا والأعلم الْجمل قَالَ الشَّاعِر عنترة

(تمكو فريضته كشدق الأعلم ... ) // كَامِل //

والجمل سَمَكَة فِي الْبَحْر والسمكة برج فِي السَّمَاء والبرج الغرفة والغرفة الْقصر فِي الْجنَّة وَالْجنَّة وَالْجنَّة الْبُسْتَان الَّذِي فِيهِ نخل وَغَيره وَلَا يُسمى جنَّة حَتَّى يكون فِيهِ النّخل وَالنَّخْل الْإِخْلَاص نخلت الحَدِيث إِذا أخلصته وَكَذَلِكَ الدُّعَاء إِذا أخلصته لله تَعَالَى قَالَ الشَّاعِر

(وينخل لَك الْيَوْم الحَدِيث فتعلمي ... أذا عولة فَارَقت أم غير معول) // طَوِيل //

فرع 3

والرؤبة قِطْعَة من اللَّبن الحامض يروب بِهِ الحليب وَاللَّبن وجع الْعُنُق من الوساد والعنق الجم الْغَفِير من النَّاس والغفير المستور المغطى والغطى المغلوب

(1/188)

عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِر حسان بن ثَابت

(رب حلم أضاعه عدم المَال ... وَجَهل غطا عَلَيْهِ النَّعيم) // خَفِيف //

أَي غلب عَلَيْهِ والمغلوب الْمُصَاب بعقله وَالْعقل الشد بالعقال والعقال صَدَقَة حول والحول الانتصاب على ظهر الْخَيل وَالْخَيْل الظَّن يُقَال خلت الشَّيْء أخاله خيلا ومخيله أَي ظننته قَالَ الشَّاعِر أَبُو ذُؤَيْب

(فغبرت بعدهمْ بعيش ناصب ... وأخال أَنِّي لَاحق مستتبع) // كَامِل //

فرع 4

والرؤبة قِطْعَة من اللَّيْل وَاللَّيْل فرخ الْحُبَارَى والفرخ ولد الْحِنْث والحنث ضد الْبر وَالْبر ستر الْعَوْرَة قَالَ الشَّاعِر النَّابِغَة الْجَعْدِي

(فضم ثِيَابه فِي غير بر ... على شعراء تنقض بالبهام) // وافر //

(1/189)

والعورة مَوضِع المخافة من الثغر والثغر الْأَسْنَان والأسنان الْأَعْمَار والأعمار جمع عمر وَهُوَ مصلى النَّصَارَى والمصلى موقف الْمُصَلِّي من الْخَيل وَهُوَ الَّذِي يَجِيء بعد السَّابِق فِي الرِّهَان قَالَ الشَّاعِر نهشل بن حري

(تلق السوابق منا والمصلينا ... ) // بسيط //

فصل الْآل

قَالَ أَبُو عبد الله بن جَعْفَر الْآل الشَّخْص رَأَيْت آل فلَان أَي شخصه والآل السراب وَهُوَ مَا يرفع الشخوص فِي أول النَّهَار وَآخره وأله الصَّانِع مَا يقوم بِهِ على صَنعته والآل أَعْوَاد الْخَيْمَة وَمِنْه قَوْله لأبي دؤاد الأيادي

(عرفت لَهَا منزلا دارسا ... وآلا على المَاء يحملن آلا) // مُتَقَارب //

يُرِيد عمد بُيُوتهم على المَاء يحملن آلا أَي شخصا وَآل الرجل قرَابَته وَمِنْه قَوْلهم فِي الدُّعَاء اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد أَي ذُريَّته وَآل الرجل أنصاره وشيعته وَمِنْه قَوْله عز وَجل {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} فَلم يرد

(1/190)

قرَابَته دون شيعته وَآل الرجل وَلَده وَآل الله أهل مَكَّة كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(نَحن آل الله فِي بَلْدَتنَا ... لم نزل آلا على عهد إرم) // رمل //

وَآل النَّاقة مَا يمْسِكهَا بعد الهزال من ألواحها وَمِنْه قَول الشَّاعِر الأخطل

(من اللواتي إِذا لانت عريكتها ... يبْقى لَهَا بعْدهَا آل ومجلود) // بسيط //

وَآل قراس جبال بالسراة تحيط بجبل يُقَال لَهُ قراس وَمِنْه قَول أبي ذُؤَيْب

(يَمَانِية أجنى لَهَا مظ مابد ... وَآل قراس صوب أرمية طحل) // طَوِيل //

والمظ رمان الْبر أجنى لَهَا أَي صبره جنا صوب هَذِه الأرمية وَهِي جمع رمي وَالرَّمْي ضرب من السَّحَاب وَآل جمع آلَة وَهِي الْحَالة من قَول الشَّاعِر

(1/191)

(قد أركب الْآلَة بعد الْآلَة ... وأترك الْعَاجِز بالجدالة) // رجز // الجدالة الأَرْض وَآل الْجَبَل نواحيه وَمِنْه قَول الشَّاعِر رؤبة

(كَأَن آل الرعن فِي الْآل ... إِذا بدا دهانج ذُو أعدال) // رجز //

الدهانج الْبَعِير ذُو السنامتين والرعن الْجَبَل

فصل الدّين

الدّين مَا عَلَيْهِ أهل الشَّرِيعَة وَالدّين الطَّاعَة من قَوْله جلّ وَعز {مَا كَانَ ليَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك} أَي فِي طَاعَته وَالدّين الْجَزَاء وَمِنْه قَوْلهم كَمَا تدين تدان أَي كَمَا تجازى تجازي وَمِنْه قَول الشَّاعِر الفند الزماني

(فَلَمَّا صرح الشَّرّ ... وَأبْدى وَهُوَ عُرْيَان) // هزج //

(وَلم يبْق سوى الْعدوان ... دناهم كَمَا دانوا)

أَي جازيناهم وَفعلنَا بهم كَمَا فعلوا وَالدّين الْحساب من قَوْله جلّ وَعز

(1/192)

{يسْأَلُون أَيَّانَ يَوْم الدّين} وَمِنْه قَول الشَّاعِر زُهَيْر بن أبي سلمى

(لَئِن حللت بجو فِي بني أَسد ... فِي دين عَمْرو وحالت بَيْننَا فدك) // بسيط //

أَي فِي سُلْطَان عَمْرو وَالدّين الْعُبُودِيَّة والذل نقُول دَان الرجل من نَفسه يدين دينا إِذا أذلها وَأخذ مِنْهَا وَمِنْه قَول الْأَعْشَى

(وَهُوَ دَان الربَاب إِذْ كَرهُوا الدّين ... دراكا بغزوة وصيال) // خَفِيف //

أَي أذلّهم وردهم إِلَى مُرَاده وَالدّين الْعَادة وَمِنْه قَول الشَّاعِر المثقب الْعَبْدي

(تَقول إِذا درأت لَهَا وضيني ... أَهَذا دينه أبدا وديني) // وافر //

أَي عَادَته وعادتي وَالدّين الْحَال سُئِلَ أَعْرَابِي عَن شَيْء فَقَالَ لَو لقيتني على دين غير هَذَا لأخبرتك أَي على حَال وَالدّين من الأمطار المواظب وَمِنْه قَول الطرماح

(1/193)

(عقائل رَملَة نازعن مِنْهَا ... بَنَات دفوق مَعْهُود وَدين) // وافر //

الْمَعْهُود الَّذِي أَصَابَهُ مطر العهاد وَدين مواظب

فصل الرهو

الرهو هُوَ المنخفض من الأَرْض وَحكي عَن أم الْهَيْثَم أَنَّهَا قَالَت

(دليت رجْلي فِي رهوة ... )

تُرِيدُ ذَلِك والرهو الْمَكَان الْمُرْتَفع وأنشدوا فِي الانخفاض

(إِذا هبطن رهوة أَو غائطا)

قطرب هبطن دَلِيل الانخفاض وَقَالَ رؤبة فِي الِارْتفَاع

(إِذا علون رهوة أَو غمضا ... )

(1/194)

قطرب أَو خفضا قَالَ وعلون دَلِيل الِارْتفَاع وَأنْشد لعَمْرو بن كُلْثُوم

(نصبنا مثل رهوة ذَات حد ... مُحَافظَة وَكُنَّا المسنفينا) // وافر //

يُرِيد جبلا بِعَيْنِه فَلم يصرفهُ والرهو التل الصَّغِير والرهو مستنقع المَاء والرهو السّير السهل وَمِنْه قَوْله للقطامي التغلبي

(يَمْشين رهوا فَلَا الأعجاز خاذلة ... وَلَا الصُّدُور على الأعجاز تتكل) // بسيط //

فالرهو مَا ذكرنَا من السّير السهل وَيَقُولُونَ أَعْطيته المَال سَهوا ورهوا أَي سهلا لَا احتباس فِيهِ والرهو السَّاكِن وَقَالُوا ذَلِك فِي قَوْله جلّ وَعز {واترك الْبَحْر رهوا} أَي سَاكِنا وَقيل الرهو المتفرق وَأَن مَعْنَاهُ فرقة والرهو من الْكَتَائِب المشايعة والرهو الْكثير وَقد رها الشَّيْء يرهو رهوا كثر وَمِنْه قَول الشَّاعِر

(أَلا يَا لَيْتَني شاهدت بِالسَّيْفِ معشرا ... رها لَهُم ضيح الأتاوة والبسر) // طَوِيل //

(1/195)

أَي كثر والرهو طَائِر يُقَال أَنه الكركي قَالَ الراجز

(وطرن كالرهو موليات ... )

وَقيل هُوَ طَائِر غَيره يتزود فِي استه وإياه أَرَادَ طرفَة

(هم سودوا رهوا تزَود فِي استه ... من المَاء حَال الطير وارده عشرا) // طَوِيل //

والرهو الْمَرْأَة الواسعة الْفرج قَالَ الشَّاعِر

(لقد ولدت أَبَا قَابُوس رهو ... أتوم الْفرج حَمْرَاء العجان) // وافر //

قَالَ ابْن الْأَعرَابِي نزل المخبل السَّعْدِيّ فِي بعض أَسْفَاره على خليدة بنت الزبْرِقَان بن بدر وَكَانَ يهاجي أَبَاهَا فعرفته وَلم يعرفهَا فَأَتَتْهُ بغسول فَغسل رَأسه وأحسنت قراه وزودته عِنْد رحلته فَقَالَ لَهَا من أَنْت يَا جَارِيَة وَمَا اسْمك قَالَت وَمَا تُرِيدُ من ذَلِك قَالَ أردْت أَن أمدحك فَمَا رَأَيْت امْرَأَة من الْعَرَب أكْرم مِنْك قَالَت اسْمِي رهو قَالَ تالله مَا رَأَيْت امْرَأَة شريفة تسمت بِهَذَا الِاسْم غَيْرك قَالَت أَنْت سميتني بِهِ قَالَ كَيفَ قَالَت أَنا خليدة بنت الزبْرِقَان

وَذَاكَ أَنه كَانَ هجاها فِي شعر فسماها رهوا وَذَلِكَ أَن هذالا قتل رجلا فِي جوَار الزبْرِقَان ورحل فأقسم الزبْرِقَان لَيَقْتُلَنهُ وَكَانَ ذَلِك بالقرية الَّتِي يُقَال لَهَا

(1/196)

رَأس الْعين ثمَّ ضرب الدَّهْر على ذَلِك فزوج الزبْرِقَان خليدة من هذال فَقَالَ المخبل

(وأنكحت هذالا خليدة بَعْدَمَا ... زعمت بِرَأْس الْعين أَنَّك قَاتله) // طَوِيل //

(فأنكحته رهوا كَأَن عجانها ... مشق إهَاب أوسع السلخ ناجله) فَجعل على نَفسه أَلا يهجوها وَلَا أحدا من قَومهَا فَقَالَ

(لقد ضل حلمي فِي خليدة ضلة ... سأعتب قومِي بعْدهَا فأتوب)

(وَأقسم والمستغفر الله أنني ... كذبت عَلَيْهَا والهجاء كذوب)

فصل الرقم

الرقم وشي الثَّوْب وكل نقش رقم والمنقوش المرقوم والرقم تعجيم الْكتاب وَهُوَ كتاب مرقوم إِذا بيّنت حُرُوفه بالإعجام وَمِنْه قَوْله جلّ وَعز {كتاب مرقوم} أَي مُبين والرقم كيات على أوظفة الدَّابَّة صغَارًا وَهُوَ مرقوم والواحدة رقمة والرقمة مثل الظفر فِي قَوَائِم الدَّابَّة وهما رقمتان والرقمتان ايضا مَا اكتنف الْجَاعِرَتَيْنِ من كي النَّار والرقمتان أَيْضا روضتان

(1/197)

إِحْدَاهمَا قريبَة من الْبَصْرَة وَالْأُخْرَى بِنَجْد وَقيل كل رَوْضَة رقمة والرقمتان من الْفرس اللحمتان فِي بَاطِن الذِّرَاع والرقم ضرب من الْخَزّ مَعْرُوف والرقم كتبه الْكتاب وَمِنْه قَول أَوْس بن حجر

(سأرقم فِي المَاء القراح إِلَيْكُم ... على بعدكم إِن كَانَ فِي المَاء رَاقِم) // طَوِيل //

أَي اكْتُبْ وَالْكتاب مرقوم ورقيم والرقمة نبت يُقَال هِيَ الخبازى وَقيل هِيَ عشبة ذَات قضب مسطحة

فصل السبت

السبت الْيَوْم مَعْلُوم والسبت الْقطع سبت الْحَبل قطعته والسبت عِنْد قوم الرَّاحَة والسبت حلق الرَّأْس والسبت السّير السَّرِيع وَمِنْه قَول الشَّاعِر حميد بن ثَوْر

(ومطوية الأقراب أما نَهَارهَا ... فسبت وَأما لَيْلهَا فذميل) // طَوِيل //

والسبت بُرْهَة من الدَّهْر وَمِنْه قَول الآخر لبيد

(1/198)

(وغنيت سبتا قبل مجْرى داحس ... لَو كَانَ للنَّفس اللجوج خُلُود) // كَامِل //

وَهَذَا غُلَام سبت إِذا كَانَ جريئا عَازِمًا والسبت النّوم وَمِنْه قَوْله لأبي العميثل

(يصبح سَكرَان ويمسى سبتا ... ) // راجز //

أَي نَائِما والسبت ضرب الْعُنُق وَقد سبت فلَان علاوة فلَان إِذا ضرب عُنُقه

أَبُو عَمْرو هَذَا يَوْم سبت طَوِيل وسبت الْقدر مسبتا إِذا نشر مدادها وَمِنْه قَوْله

(عرق الهجير بهَا سبات الْمرجل ... ) // كَامِل //

فصل الْأَقْرَاء

وَقَالَ أَبُو سعيد عبد الْملك بن قريب الْأَصْمَعِي الْقُرْء عِنْد أهل الْمَدِينَة الطُّهْر وَعند أهل الْعرَاق الْحيض قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يُقَال دفع فلَان إِلَى فُلَانَة جَارِيَته يقْرؤهَا مَهْمُوز مشدد يَعْنِي تحيض عِنْدهَا وتطهر للإستبراء

(1/199)

قَالَ وَإِنَّمَا القروء الْأَوْقَات وَقد تكون وقتا للطهر ووقتا للْحيض قَالَ مَالك بن خَالِد الْهُذلِيّ

(كرهت الْعقر عقر بني شليل ... إِذا هبت لقاريها الرِّيَاح) // وافر //

قَالَ الْأَصْمَعِي أنشدنا أَبُو عَمْرو هَذَا الْبَيْت احتجاجا فِي الْقُرْء أَنه الْوَقْت يَقُول إِذا هبت لوَقْتهَا فِي الشتَاء حِين تؤذي قَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال اقرأت الرّيح إِذا جَاءَت لوَقْتهَا وَيُقَال ذهبت عَنْك القرة خَفِيفا يُرِيد وَقت الْمَرَض قَالَ وَيُقَال إِذا تحولت عَن بِلَاد فَمَكثت خمس عشرَة لَيْلَة فقد ذهبت عَنْك قرأة الْبَلدة الَّتِي تحولت عَنْهَا قَالَ وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ قُرَّة بغيرهمز يَعْنِي أَنَّك إِذا مَرضت بعْدهَا فَلَيْسَ من وبأ تِلْكَ الْبَلدة قَوْله الْعقر قَالَ وَأهل نجد يَقُولُونَ عقر الدَّار وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ عقر الدَّار وَهُوَ أَصْلهَا وَقَالَ وَمِنْه الْعقار وَرَوَاهَا أَبُو عُبَيْدَة لقاريها بِدُونِ همز أَي سكانها وشهادها وَيُقَال أهل القارية أَي أهل الْقرى قَالَ الْأَعْشَى

(مؤرثة مَالا وَفِي الأَصْل رفْعَة ... لما ضَاعَ فِيهَا من قرؤء نسائكا) // طَوِيل //

أَي لما ضَاعَ من طهر نِسَائِك لغيبتك عَنْهُن وَلنْ تغشهن لشغلك بالغزو فأبدلت من ذَلِك المَال والرفعة

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَيُقَال أَقرَأت النُّجُوم بِالْألف أَي غَابَتْ وَيُقَال ماقرأت النَّاقة سلا قطّ بِغَيْر ألف

وَقَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي

(1/200)

(ذراعي حرَّة أدماء بكر ... مجان اللَّوْن لم تقْرَأ جَنِينا) // وافر //

مَعْنَاهُ مَا حملت وَلَا غيبت فِي بَطنهَا ولدا وَمِنْه قُرُوء الْمَرْأَة وَاحِدهَا قرء فِي قَول من زعم أَنه طهر لِأَنَّهَا خرجت من الْحيض إِلَى الطُّهْر كَمَا خرجت النُّجُوم من الطُّلُوع الى المغيب قَالَ ابو يُوسُف سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يَقُول الْأَقْرَاء أَن تقرىء الْحَيَّة وَذَلِكَ أَنَّهَا تصدى أَي تجمع سمها شهرا فَإِذا وَفِي لَهَا شهر أَقرَأت ومجت سمها وَلَو أَنَّهَا لدغت فِي أقرائها شَيْئا من الْأَشْيَاء لم تطنه وَلم يبل سليمها

قَوْله لم تطنه كَقَوْلِك لم تشوه إِلَّا أَن الإطناء لَا يكون إِلَّا فِي الْحَيَّة والإشواء فِي كل شَيْء وَيُقَال قد أَقرَأ سمها إِذا اجْتمع

فصل الجون

وَمن الأضداد الجون الْأَصْمَعِي وَأَبُو عُبَيْدَة للأبيض وَالْأسود أَبُو حَاتِم الْأَكْثَر للأسود قطرب هُوَ للاسود فِي لُغَة قضاعة وَلما يَليهَا الْأَبْيَض أَبُو حَاتِم والتوزي لأبي ذُؤَيْب فِي الْأسود

(والدهر لَا يبْقى على حدثانه ... جون السراة لَهُ جدائد أَربع) // كَامِل //

(1/201)

أَبُو حَاتِم يَعْنِي حمارا وحشيا أسود الظّهْر والجدائد أتن لَا لبن لَهَا أَبُو حَاتِم للخنساء بنت عَمْرو بن الشريد وَاسْمهَا تماضر بن سليم

(وَلنْ أصالح قوما كنت حربهم ... حَتَّى يعود بَيَاضًا جونه القار) // بسيط //

وللراجز لبيد

(جون دجوجي وخرق مسعف ... يَرْمِي بهَا الْبَيْدَاء وَهِي مسدف) // رجز //

أَبُو زيد لعَمْرو بن معد يكرب

(تَقول حليلتي لما رَأَتْهُ ... شرائج بَين مبيض وجون) // وافر //

(ترَاهُ كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إِذا فليني)

يَعْنِي شعر رَأسه وَأَرَادَ فلينني فَحذف

عَمْرو بن شأس

(وَإِن عرارا إِن يكن غير وَاضح ... فَإِنِّي أحب الجون ذَا الْمنْكب العمم) // طَوِيل //

أَرَادَ الْأسود والواضح الْأَبْيَض وعرار ابْنه وَكَانَ أسود وَبِمَعْنى

(1/202)

الْأَبْيَض قَوْلهم للشمس جونة لبياضها الْأَصْمَعِي عرض أنيس الْجرْمِي وَكَانَ فصيحا على الْحجَّاج درع حَدِيد صَافِيَة فَلم ير صفاءها فَقَالَ هِيَ غير صَافِيَة فَقَالَ أنيس إِن الشَّمْس جونة يَعْنِي شَدِيدَة الضَّوْء الْغَالِب بَيَاض الدرْع وَأنْشد الْأَصْمَعِي للبيد

(جون بصارة أقفرت لمراده ... وخلا لَهُ السوبان فالبرعوم) // كَامِل //

أَرَادَ الْحمار الوحشي وانشد أَبُو عُبَيْدَة

(غير يَا بنت الْحُلَيْس لوني ... مر اللَّيَالِي وَاخْتِلَاف الجون) // رجز //

(وسفر كَانَ قَلِيل الأون ... )

عَنى بالجوف هُنَا النَّهَار والأون الرِّفْق والدعة يُقَال أَن على نَفسك أَي ارْفُقْ بهَا قَالَ الراجز

(لَا تسقه جزرا وَلَا حليبا ... إِن لم تَجدهُ سامحا يعبوبا)

(ذَا ميعة يلتهم الجبوبا ... يُبَادر الأثآر أَن تئوبا)

(وحاجب الجونة أَن يغيبا)

(1/203)

الأثآر جمع ثأر والجونة يَعْنِي الشَّمْس وَقَالَ الفرزدق يصف قصرا

(وجون عَلَيْهِ الجص فِيهِ مَرِيضَة ... تطلع مِنْهُ النَّفس وَالْمَوْت حاضره) // طَوِيل //

الْأَصْمَعِي وَيُقَال للأحمر جون تفرد بروايته وَأنْشد

(تأوي إِلَى زر غدفل قرقار ... فِي جونة كقفدان الْعَطَّار) // رجز //

يصف شقشقة الْبَعِير شبهها بالقفدان خريطة حَمْرَاء من أَدَم أَبُو حَاتِم لم يسمعهُ الْأَصْمَعِي للأحمر بل حُكيَ لبَعض اللغويين وَحَكَاهُ عبد الرَّحْمَن ابْن أخي الاصمعي عَنهُ وَيُقَال حُكيَ للأخضر وَأنْشد لجبيهاء الْأَشْجَعِيّ)

(وَلَو أَنَّهَا طافت بدق مشرشر ... نفى الجدب عَنهُ فرغه فَهُوَ كالح) // طَوِيل //

(لجاءت كَأَن القسور الجون بجها ... عساليجه والتامد المتناوح)

(1/204)

والقسور هُنَا نبت وَأَرَادَ بالجون الشَّديد الخضرة ريا وَيجوز كَونه للأسود لشدَّة الرّيّ كَقَوْلِه تَعَالَى {مدهامتان} أَي لشدَّة الخضرة اسودتا وَالْجمع بِضَم الْجِيم وَأنْشد الْأَصْمَعِي

لِابْنِ مقبل فِيهِ

(واطأته بالسرى حَتَّى تركت بِهِ ... ليل التَّمام ترى أَعْلَامه جونا) // بسيط //

أَي سُودًا يُرِيد أَن ليل التَّمام لَا تظهر الْأَعْلَام فِيهِ فَكَأَنَّهَا سود لخفائها ويروى أسدافه قَالَ اللّغَوِيّ يَصح أَن يُرِيد الْبيض أَي سريت إِلَى الصُّبْح

فصل الْحَج

الْحَج حج الْبَيْت الْمَفْرُوض من قَول الله عز وَجل {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَالْحج الْقَصْد حججْت نَحوه قصدت وَالْحج الزِّيَارَة حج فلَان فلَانا زَارَهُ وَمِنْه قَول الشَّاعِر المخبل السَّعْدِيّ

(1/205)

(وَأشْهد من عَوْف حلولا كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المعصفرا) // طَوِيل //

أَي يزورون وَالْحج الْقدوم تَقول حج علينا فلَان قدم

وَالْحج بَيَان الشَّيْء مرّة بعد مرّة وَقد حججته إِذا أثْبته كَذَلِك

وَالْحج الْقطع بِالْحجَّةِ وَقد حججْت الرجل إِذا غلبته بحجتك

وَالْحج إصْلَاح الْجرْح بالدواء وَمِنْه قَوْله لعذارة بن درة الطَّائِي

(يحجّ مأمومة فِي قعرها لجف ... فأست الطَّبِيب قذاها كالمغاريد) // بسيط //

أَي يصلحها وَالْحج قِيَاس الشَّجَّة وَالْجرْح بالمسبار وَقد حججْت الْجرْح إِذا فعلت ذَلِك بِهِ وَذُو الْحجَّة الشَّهْر الْمَعْرُوف وَالْحجّة خرزة تعلق فِي شحمة الْأذن وَالْحجّة شحمة الْأذن وَكِلَاهُمَا يؤول فِي قَول الشَّاعِر لبيد

(يرضن صغَار الدّرّ فِي كل حجَّة ... وَإِن لم تكن أعناقهن عواطلا) // طَوِيل //

والأمكن ان تكون شحمة الْأذن

(1/206)

فصل علمت

علمت إِذا أردْت بهَا علم الشَّخْص فَقَط تعدت إِلَى وَاحِد كَقَوْل الْقَائِل علمت زيدا أَي عَرفته وَكَانَ أَولا لَا يعرفهُ وَفِي التَّنْزِيل {لَا تَعْلَمُونَهُم الله يعلمهُمْ} مَعْنَاهُ لَا تعرفونهم الله يعرفهُمْ وَإِضَافَة الْمعرفَة إِلَى الله سُبْحَانَهُ مجَاز نَحْو كل بِعَين الله و {ولتصنع على عَيْني} أَي أَنْت مني بمرأى ومسمع مُبَالغَة فِي الرِّعَايَة واللطف وَقَالَ عز وَجل {وَلَقَد علمْتُم الَّذين اعتدوا مِنْكُم فِي السبت} أَي عَرَفْتُمْ

فَإِذا أردْت بِالْعلمِ معرفَة خَبره تعدى إِلَى مفعولين وَقد يكون الأول مَعْرُوفا وَغير مَعْرُوف مثل أَن تَقول سَمِعت بزيد وَلَا أعرفهُ وَقد سَمِعت مَا أَلفه من الْفِقْه وَقد عَلمته فَقِيها وَإِن كنت لَا أعرفهُ فَهَذَا يُرَاد بِهِ معرفَة الثَّانِي دون الأول وَقد تعرفه وتعرف فقهه إِلَّا أَن الْفَائِدَة فِيهِ معرفَة الثَّانِي وَهُوَ الْفِقْه كَمَا أَنَّك إِذا قلت ظَنَنْت زيدا فَقِيها فالظن فِي الْفِقْه لَا فِي زيد فَعلمت بِهَذَا أَن الْقَصْد فِي علمت زيدا فَقِيها إِنَّمَا هُوَ فِي الثَّانِي دون الأول بِدَلِيل ظَنَنْت زيدا قَائِما وَالظَّن لم يَقع بِالْأولِ فَكَذَلِك علمت زيدا قَائِما وَالْقَصْد أَنَّك تعلم قِيَامه وَلست تخبر أَنَّك علمت زيدا لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن تعلمه وَيُمكن أَلا تكون عَلمته وَإِنَّمَا الْقَصْد بِعلم قِيَامه لَا غير وَقَوله عز وَجل {فَإِن علمتموهن مؤمنات} فاليقين إِنَّمَا تحدد بإيمانهن فَإِن أردْت معرفَة الأول فَقَط لم تجَاوز مَفْعُولا وَاحِدًا

وَالْأَصْل فِي الْمعرفَة أَن تكون بِالْعينِ وَمِنْه العريف الَّذِي يعرف أَصْحَابه بِعَيْنِه وأصل الْعلم بِالْقَلْبِ ثمَّ يُوقع الْعلم موقع الْمعرفَة يُقَال علمت زيدا أَي عَرفته وتوقع الْمعرفَة موقع الْعلم وَيُقَال عرفت فقهه إِلَّا أَنه لَا يُجَاوز مَفْعُولا وَاحِدًا لِأَنَّك نزلت الْقلب منزلَة الْعين فَجعلت مَعْرفَته كمعرفة الْعين الَّتِي لَا تجَاوز

(1/207)

مَفْعُولا وَاحِد

فصل رَأَيْت

وَأما رَأَيْت فَتكون بِمَعْنى الْعلم وَالظَّن والرأي والرؤية فيتعدى بِمَعْنى الْعلم أَو الظَّن إِلَى مفعولين تَقول رَأَيْت زيدا مُنْطَلقًا أَي علمت زيدا مُنْطَلقًا فَيكون الْعلم قد تجدّد بانطلاقه قَالَ الله تَعَالَى {وَيرى الَّذين أُوتُوا الْعلم الَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك هُوَ الْحق} فَوَقع فِيهِ الْفَصْل وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ {إِن ترن أَنا أقل مِنْك مَالا وَولدا} وَقَالَ عز وَجل (أَن رَآهُ اسْتغنى) فَالضَّمِير هُوَ الْمَفْعُول الأول وَاسْتغْنى هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي وَلَو لم يَتَعَدَّ إِلَى مفعولين هُنَا لم يَتَعَدَّ الى الضَّمِير ولقيل أَن رأى نَفسه

وَتقول فِي الظَّن رَأَيْت زيدا خَارِجا أَي ظَنَنْت زيدا خَارِجا فزيد مُتَيَقن وَالشَّكّ إِنَّمَا اعْترض فِي خُرُوجه وَفِي التَّنْزِيل {إِنَّهُم يرونه بَعيدا ونراه قَرِيبا} يذم الْكفَّار فِي شكهم واعتقادهم بعد يَوْم الْقِيَامَة فَكَأَنَّهُ قَالَ يظنون يَوْم الْقِيَامَة بَعيدا وَأخْبر عَن نَفسه بِالْعلمِ لِأَن الظَّن لَا يجوز عَلَيْهِ تَعَالَى الله علوا كَبِيرا فَقَالَ {ونراه قَرِيبا} أَي يعلم يَوْم الْقِيَامَة قَرِيبا فقابل علمه بظنهم وعلق علمه بِقرب يَوْم الْقِيَامَة كَمَا علق ظنهم ببعده وَمن كَلَامهم كم ترى الحرورية رجلا أَي كم تظن

وَبِمَعْنى الرَّأْي والاعتقاد يتَعَدَّى أَيْضا إِلَى مفعولين نَحْو فلَان يرى من الرَّأْي أَن الْحق فِي جهتك وَيرى الْحق قَوْلك وَالْبَاطِل قَوْله قَالَ ابو الْقَاسِم عمر ابْن ثَابت الثمانيني وَيكون بِمَعْنى اعتقدت فيتعدى إِلَى مفعول وَاحِد تَقول

(1/208)

رَأَيْت رَأْي مَالك أَي اعتقدت وَفُلَان يرى رَأْي الْخَوَارِج أَي يعْتَقد ذَلِك قَالَ الشَّاعِر السموأل

(وَإِنَّا لقوم مَا نرى الْقَتْل سبة ... إِذا مَا رَأَتْهُ عَامر وسلول) // طَوِيل //

أَي لَا نعتقد الْقَتْل سبة وينتصب على الْحَال لَا على أَنه مفعول ثَان وَتَكون رَأَيْت بِمَعْنى علمت الَّتِي بِمَعْنى عرفت فتتعدى إِلَى مفعول وَاحِد وَإِن كَانَت بِمَعْنى علم الْقلب كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ} أَي فسيعلم الله عَمَلكُمْ وَالْعلم هُنَا بِمَعْنى الْمعرفَة وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي نعرفه ذَلِك وَلَيْسَ من رُؤْيَة الْعين وَلَو كَانَ نري من ريت المتعدية إِلَى مفعولين لوَجَبَ أَن يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ {لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} أَي مَا أراكه الله أَي مَا أعلمك إِيَّاه وعرفكه وضد الْمعرفَة الْإِنْكَار وضد الْعلم الْجَهْل وَقد يَقع الْجَهْل ضد الْمعرفَة قَالَ ذُو الْأصْبع

(فَإِن عَرَفْتُمْ سَبِيل الرشد فَانْطَلقُوا ... وَإِن جهلتم سَبِيل الرشد فأتوني) // بسيط //

وَبِمَعْنى رُؤْيَة الْعين يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد تَقول رَأَيْت زيدا أَي أبصرته وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ} لِأَن الْكَاف حرف خطاب

(1/209)

لَا مَوضِع لَهَا من الاعراب وَهَذَا الَّذِي كرمت مفعولها وَمن كَلَامهم أبصرك زيدا أَي أبصره وَالْكَاف الأولى وَالتَّاء فِي أرأيتك اسْم مُجَرّد من الْخطاب لانتقاله إِلَى الْكَاف الْمُجَرَّدَة من الإسمية وَذَا فرق بَين تَاء {أَرَأَيْتُم إِن أَخذ الله سمعكم} وَبَين هَذِه التَّاء إِذْ هُوَ فِي {أرأيتك} اسْم وخطاب مَعًا وَيدل على تجرد تَاء {أرأيتك} من الْخطاب إفرادها على كل حَال وإلزامها الْفَتْح وَجعل التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث فِي الْكَاف فَلِذَا تَقول الْمَرْأَة أرأيتك زيدا فعل وللاثنتين أرأيتكما وللجميع أَرَأَيْتكُم وأرأيتكن

ولرأيت قسم آخر رَأَيْته ضربت رئته وَمن الملاحن وَالله مَا رَأَيْت فلَانا أَي مَا ضربت رئته ومصدر الَّذِي للعين والرؤية وَمَا عداهُ الرَّأْي

فصل وجدت

وَكَذَلِكَ وجدت تكون على معَان أَحدهَا وجود الْقلب بِمَعْنى علمت فتتعدى إِلَى مفعولين وَتعْتَبر بِأَن يكون الثَّانِي معرفَة أَو يكون فِيهِ فصل مِثَال الْفَصْل {تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خيرا} قَالَ الشَّاعِر الزبْرِقَان الذهلي

(1/210)

(وجدنَا آل مرّة حِين خفنا ... جريرتنا هم الْأنف الكراما) // وافر //

وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي تَعْرِيف الثَّانِي {لتجدن أَشد النَّاس عَدَاوَة للَّذين آمنُوا الْيَهُود}

وَقَالَ الشَّاعِر خِدَاش بن زُهَيْر

(وجدت الله أكبر كل شَيْء ... مُحَافظَة وَأَكْثَره جُنُودا) // وافر //

أَي علمت الله أكبر كل شَيْء وَقَالَ الشَّاعِر

(إِنَّا وجدنَا بني جلان كلهم ... كساعد الضَّب لَا طول وَلَا قصر) // بسيط //

أَي علمناهم كَذَلِك

الثَّانِي

وجود الضَّالة بِمَعْنى لحق وَأدْركَ فيتعدى إِلَى مفعول وَاحِد كَقَوْلِك وجدت الضَّالة أَي لحقتها وأدركتها قَالَ الراجز

(أنْشد والباغي يحب الوجدان ... قلائصا مختلفات الألوان)

(1/211)

الثَّالِث

وجدت فِي المَال وجدا وَجدّة اسْتَغْنَيْت قَالَ الله عز وَجل {من وجدكم} أَي من سعتكم وَهَذَا لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول

الرَّابِع

وجدت فِي الْحزن وجدا ازْدَادَ حزني فَهَذَا أَيْضا لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَقَالَ الثمانيني وجدت على الرجل بِمَعْنى غضِبت عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وَقَالَ ابْن غلبون وجدت الصرة أَي اصبتها فَهَذِهِ أَفعَال الْعلم وَأما أَفعَال الشَّك ف

فصل ظَنَنْت

تكون بِمَعْنى الشَّك وَبِمَعْنى الْعلم وَبِمَعْنى التُّهْمَة فعلى الْمَعْنيين الْأَوَّلين تتعدى إِلَى مفعولين فمضالها للْعلم فِي الْمُؤمنِينَ {الَّذين يظنون أَنهم ملاقو رَبهم وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُون} أَي يتيقنون وَقَوله {إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابيه} أَي أيقنت ابْن عَبَّاس قَالَ {الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا الله} وَقَالَ {وظنوا مَا لَهُم من محيص} أَي علمُوا أَبُو حَاتِم وَقَوله {وَظن أَنه الْفِرَاق} أَي أَيقَن وَالدَّلِيل على أَنَّهَا بِمَعْنى الْيَقِين مدح الْقَدِيم لَهُم وَلَو كَانَت شكا لم يستحقوا الْمَدْح عَلَيْهِ قَالَ دُرَيْد

(1/212)

(فَقلت لَهُم ظنُّوا بألفي مذْحج ... سراتهم فِي الْفَارِسِي المسرهد) // طَوِيل //

وَقَالَ تَمِيم بن مقبل

(ظَنِّي بهم كعسى وهم يتنوفة ... يتنازعون جوائز الْأَمْثَال) // كَامِل //

الجوائز الَّتِي تجوز الْبِلَاد تقطعها أَي يقيني بهم كعسى وَأنْشد قطرب لعمير ابْن طَارق الْحَنْظَلِي

(بِأَن تعتزوا قومِي وأقعد فِيكُم ... وَأَجْعَل مني الظَّن غيبا مرجما) // طَوِيل //

أَي أجعَل الْعلم لِأَن الشَّك غيب مرجم

أَبُو دؤاد

(رب أَمر فرجته بعزيم ... وغيوب كشفتها بظنون) // خَفِيف //

أَي بِيَقِين فِي الْكل وينشد لأوس بن حجر

(1/213)

(وأرسله مستيقن الظَّن أَنه ... مخالط مَا بَين الشراسيف جائف) // طَوِيل // قطرب أَي مستيقن الْعلم إِذْ الشَّك لَا يستيقن

ومثالها للشَّكّ قَوْله تَعَالَى فِي الْكفَّار {وظنوا أَنهم إِلَيْنَا لَا يرجعُونَ} {وظننتم ظن السوء} وَقَالَ {إِنَّه ظن أَن لن يحور} أَي يرجع إِلَى ربه و {إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن} و {إِن الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا} و {وظنوا أَنهم مانعتهم حصونهم من الله}

واستعملت بِمَعْنى الْعلم لِأَن الظَّن تَغْلِيب الْقلب على أحد حائزي ظَاهر التَّجَوُّز فَكلما قويت الدَّلَائِل والأمارات فِي الشَّيْء المظنون لحق بِالْعلمِ وَإِن ضعفت لحق بِالظَّنِّ وَلذَا قَالَ أَوْس بن حجر

(الألمعي الَّذِي يظنّ لَك الرَّأْي ... كَأَن قدر أى وَقد سمعا) // منسرح //

فألحقه بحاسة الْبَصَر والسمع لحدسه الْمُصِيب

وَمن الشَّك قَوْله أَيْضا {إِن نظن إِلَّا ظنا} تَقْدِيره إِن نَحن إِلَّا نظن ظنا وَمثله لقيس بن مقلد الْيَرْبُوعي

(فَخَالف فَلَا وَالله تهبط تلعة ... من الأَرْض إِلَّا أَنْت للذل عَارِف) // طَوِيل //

(1/214)

فَقَوله فَلَا وَالله تهبط أَرَادَ فوَاللَّه لَا تهبط فأوقع لَا فِي غير موضعهَا كَمَا قَالَ الْأَعْشَى

(أحل بِهِ الشيب أثقاله ... مَا اغتره الشيب الا اغْتِرَارًا) // مُتَقَارب //

أَرَادَ وَمَا اغتره اغْتِرَارًا إِلَّا الشيب وَقَالَ أَبُو عَليّ تَقْدِيره وَمَا هُوَ إِلَّا اغتره الشيب وَيُمكن أَن يكون كَمَا ذكر لَا الأولى أغناه ذَلِك عَن أَن يُعِيدهَا ثَانِيَة وَإِذا كَانَ بِمَعْنى التُّهْمَة تعدى إِلَى وَاحِد تَقول ظَنَنْت زيدا أَي اتهمته وَأنْشد للخنساء

(فَمن ظن مِمَّن يلاقي الحروب بِأَن لَا يصاب فقد ظن عَجزا) // مُتَقَارب //

أَي توهم وعَلى هَذَا قَرَأَهُ من قَرَأَ {وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين} أَي بمتهم وَفِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ أَو ظنين فِي وَلَاء أَو نسب أَي مُتَّهم فعيل بِمَعْنى مفعول ككف خضيب ولحية دَهِين فَأَما بضنين بالضاد فَمَعْنَاه بخيل وفعيل فَاعل ككريم أنْشد أَبُو زيد

(إِن الحماة أولعت بالكنه ... وأبت الكنة إِلَّا ظنة) // رجز //

أَي تُهْمَة لَهَا وبئر ظنون لَا يوثق بدوام مَائِهَا وَمِنْه الْبَيْت للشماخ

(كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنون آن مطرح الظنون)

(1/215)

وَكَذَلِكَ فِي الرجل وينشد لزهير

(أَلا أبلغ لديك بني تَمِيم ... وَقد يَأْتِيك بالْخبر الظنون) // وافر //

أَي قد يصدق الْكذَّاب فَيبْطل كذبه صدقه

فصل خلت

وخلت لَا تسْتَعْمل الا للشَّكّ وَلَا بُد لَهَا من مفعولين نَحْو خلت أَبَاك خَارِجا وينشد

(فَإِن تنج مِنْهَا تنج من ذِي عَظِيمَة ... وَإِلَّا فَإِنِّي لَا أخالك ناجيا) // طَوِيل //

أَي لَا أَظُنك وَقَالَ آخر

(وَمَا خلت ذَا خَال يباهي بخاله ... وَإِن كَانَ ذَا فَخر من أَخْوَاله الأزد) // طَوِيل // أَي وَمَا ظَنَنْت

وَقد اسْتعْمل خلت بِمَعْنى عرفت فيتعدى مفعول وَاحِد وَقَالُوا خلت السحابة أَي عرفت مخيلتها مَعْنَاهُ أتمطر أم لَا واستخلت فِيهِ خيرا توهمت وسحابة مخيلة بِضَم الْمِيم وَفتحهَا يخال فِيهَا الْمَطَر يظنّ وَهِي أَيْضا الْخَال وَجَمعهَا مخائل أَبُو زيد

(أرقت لَهُ وشايعني رجال ... وَقد كثر المخايل والسدود) // وافر //

(1/216)

السدود جمع سد سَحَابَة عَظِيمَة وينشد لأبي ذُؤَيْب

(فَلَبثت بعدهمْ بعيش ناصب ... وأخال أَنِّي لَاحق مستتبع) // كَامِل //

أَبُو حَاتِم أخال بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا لُغَتَانِ جيدتان قَالَ الراجز حميد بن الأرقط فِي الْيَقِين

(وَكنت خلت الشيب والتبدينا ... والهم مِمَّا يذهل الحزينا)

أَي علمت وَمِنْه الْمثل من ير الزّبد يخله من اللَّبن أَي يُعلمهُ وَقَالَ وخلت من معنى الخيال الَّذِي تتخيل لَك صورته دون تبين حَقِيقَته فَلِذَا دخل فِي بَاب الشَّك وَالظَّن فتعدى إِلَى مفعولين وخلت للْمَفْعُول بِلَفْظِهِ إِلَّا فِيمَن أَشمّ أَو ضم ينصب وَاحِدًا لقِيَام الاول مقَام الْفَاعِل خلت قَائِما وخلت المَال أخوله تعهدته بِحسن الْقيام عينهَا وَاو كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَخَوَّلُ أَصْحَابه بِالْمَوْعِظَةِ خوف السَّآمَة أَي يتعهدهم بهَا وَتَأْتِي بِمَعْنى التكبر فَلَا تعدى تَقول ذَا أَمر لَا يخول عَلَيْهِ أَي يكبر قَالَ طَلْحَة لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا قد جربتك الْأُمُور وجرستك الدهور وعجمتك البلايا فَأَنت ولي مَا وليت لَا تنبو فِي يَديك وَلَا تخول عَلَيْك

ومصدر الَّذِي بِمَعْنى الشَّك الخيلان وَالْخَيْل والخيلولة وَمَا عداهُ الخول

فصل حسبت

وَأما حسبت فَفِي مستقبله يحْسب على الْقيَاس قَلِيل سَمَاعا ويحسب شَاذ قِيَاسا كثير سَمَاعا مثله من الصَّحِيح يئس ييئس وييئس وَبئسَ يبئس ويبأس وَنعم ينعم وينعم لَيْسَ إِلَّا

(1/217)

فَأَما حسب فمضارعه يحْسب من الْحساب اخْتلفت الأوزان لاخْتِلَاف الْمعَانِي وَكَذَا الْمصدر من ذَا الْحساب وَمن الأول الحسبان والمحسبة وَفِي التَّنْزِيل {أم يحسبون أَنا لَا نسْمع سرهم ونجواهم} أَي يظنون وَيقْرَأ بِالْفَتْح وقراءته عَلَيْهِ السَّلَام بِالْكَسْرِ لُغَة قُرَيْش

قَالَ امْرُؤ الْقَيْس

(وتحسب سلمى لَا تزَال ترى طلا ... من الْوَحْش أَو ميضا بميثاء محلال) // طَوِيل //

(وتحسب سلمى لَا تزَال كعهدنا ... بوادي الخزامى أَو على رَأس أَو عَال)

فَكل هَذَا بِمَعْنى الْعلم وَمن الْيَقِين قَول لبيد

(حسبت التقا وَالْبر خير تِجَارَة ... رباحا إِذا مَا الْمَرْء أصبح قَافِلًا)

أَي رَاجعا

كَقَوْلِه {ثمَّ إِلَى ربكُم ترجعون} و {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون}

فصل الحبر

الحبر بِالْفَتْح مصدر حبر الرجل بالشَّيْء إِذا سر بِهِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فِي رَوْضَة يحبرون} والحبر والحبر بِالْفَتْح وَالْكَسْر الْجمال وَحسن الْهَيْئَة وَفِي الحَدِيث يخرج من النَّار رجل قد ذهب حبره وسبره يرْوى بِالْفَتْح وَالْكَسْر

(1/218)

وَقَالَ ابْن أَحْمَر

(لبسنا حبره حَتَّى اقتضينا ... لآجال وأعمار قضينا)

وَيُقَال للْعَالم حبر وَحبر بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَمِنْه قيل كَعْب الْأَحْبَار

فصل الْجواد

الْجواد الرجل الَّذِي يجود بِمَالِه وَالْمَرْأَة جواد بودها وَمَالهَا والجواد الْفرس والجواد فِي عدوه وَالْأُنْثَى جواد أَيْضا وأصابتنا مطرة جواد ومطرتان جواد وجوادان ومطرات جواد وجياد

فصل الْهَدْي

الْهَدْي مَا سيق إِلَى الْكَعْبَة من قَوْله جلّ ذكره {حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله} وَهِي لُغَة أهل الْحجاز وَتَمِيم تَقول الْهَدْي وَالْهَدْي هدي الْإِنْسَان تَقول مَا أحسن هَدْيه وسمته وَالْهَدْي يُقَال فلَان يهدي هدي فلَان أَي يفعل فعله قَالَ الأخطل

(حَتَّى تناهين عَنهُ ساميا حرجا ... وَمَا هدى هدي مهزوم وَمَا نكلا)

أَي لم يفعل فعل مهزوم

فصل الْعِمَارَة

الْعِمَارَة عمَارَة الدَّار والضيعة وَنَحْو ذَلِك والعمارة عمَارَة الرجل وهم عشيرته

(1/219)

وقبيلته وَيُقَال الْعِمَارَة الْحَيّ الَّذِي يقوم بِنَفسِهِ وَلَا يَسْتَعِين بِغَيْرِهِ من كثرته ومنعته قَالَ الْأَخْنَس بن شهَاب

(لكل أنَاس من معد عمَارَة ... عرُوض إِلَيْهَا يلجئون وجانب) // طَوِيل //

يرْوى عمَارَة بالخفض وَعمارَة بِالرَّفْع فَمن خفض جعل الْعِمَارَة الْقبلية وَهِي بدل من أنَاس وعروض مُبْتَدأ وَلكُل أنَاس الْخَبَر يَقُول لكل حَيّ من معد نَاحيَة يلجئون إِلَيْهَا إِذا خَافُوا من أعدائهم فيتحصنون بهَا وَنحن لَا نحتاج إِلَى مَا نتحصن بِهِ وَإِنَّمَا حصوننا سُيُوفنَا ورماحنا أَلا ترَاهُ يَقُول بعد هَذَا

(وَنحن أنَاس لَا حصون بأرضنا ... نلوذ بهَا إِلَّا القنا والقواضب)

وَمن روى عمَارَة بِالرَّفْع احْتمل وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن يُرِيد بالعمارة عمَارَة الْمنزل أَو الْمحل وَلَا يُرِيد الْقَبِيلَة فَيكون عمَارَة مُبْتَدأ وَلكُل أنَاس خَبره وعروض بدل من عمَارَة

وَالْآخر أَن يَجْعَل الْعِمَارَة الْقَبِيلَة كَمَا كَانَ فِي رِوَايَة خفضها وَفِيه إِشْكَال لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى حذف مَا يتم الْكَلَام بِهِ وَذَلِكَ لفهم مَعْنَاهُ وَتَقْدِيره لَهُم بهَا عرُوض يلجئون إِلَيْهَا وَالْأول أبين

(1/220)

فصل الْفطر

الْفطر الْخلق فطر الله الْخلق فطرا وَمِنْه {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ويروى عَن رجل خَاصم رجلا فِي بِئْر فَقَالَ أَنا فطرتها أَي احتفرتها وَالْفطر الْحَلب بأطراف الْأَصَابِع

فصل الصريم

الصريم التوزي عَن أبي عُبَيْدَة هُوَ لِليْل وَالنَّهَار وَقَالَ غَيره هُوَ أول اللَّيْل وَآخره أَبُو حَاتِم كالتوزي لَا نصرام كل من صَاحبه ولعدي بن الرّقاع فِي انصرام اللَّيْل من النَّهَار

(فَلَمَّا انجلى عَنْهَا الصريم وأبصرت ... هجانا يسامى اللَّيْل أَبيض معلما)

وَمثله قَول أبي عُبَيْدَة لِابْنِ أبي خازم

(فَبَاتَ يَقُول أصبح ليل حَتَّى ... تكشف عَن صريمته الظلام) // وافر //

الْأَصْمَعِي وَأَبُو عَمْرو الصريمة هُنَا رَملَة فِيهَا الثور أبي عُبَيْدَة

(1/221)

(تطاول ليلك اللَّيْل البهيم ... فَمَا ينجاب عَن صبح صريم)

وَقَالَ زُهَيْر

(غَدَوْت عَلَيْهِ غدْوَة فَوَجَدته ... قعُودا لَدَيْهِ بالصريم عواذ لَهُ) // طَوِيل //

أَي اللَّيْل وَقَوله تَعَالَى {فَأَصْبَحت كالصريم} يكون المصروم أَو اللَّيْل المظلم قطرب أَحْسبهُ قَول ابْن عَبَّاس وَأنْشد لتوبة بن الْحمير

(علام تقوم عاذلتي تلوم ... تؤرقني إِذا انجاب الصريم) // وافر //

أَي اللَّيْل

فصل الْحَاجِب

الْحَاجِب حَاجِب الْإِنْسَان وهما الحاجبان والحاجب الَّذِي يحجب الْملك يحجب النَّاس عَنهُ وَأَرَدْت أمرا فحجبني عَنهُ فلَان مَنَعَنِي وَهُوَ حَاجِب لي والحاجب الْحَرْف وحرف كل شَيْء حَاجِبه قَالَ ذُو الرمة

(فنطنا الأداوي بالرحال فيممت ... بِنَا مصدرا والقرن لم يبد حَاجِبه) // طَوِيل //

يَعْنِي قرن الشَّمْس وحاجبه حرفه وَيُقَال كل من حواجب الرَّغِيف أَي من حُرُوفه وَلَا تَأْكُل من وَسطه وحاجب مَوضِع

(1/222)

فصل الْخلّ

الْخلّ هَذَا الَّذِي يؤتدم بِهِ مَعْرُوف وَفِي الحَدِيث نعم الادام الْخلّ ووالخل الطَّرِيق فِي الرمل والخل الشق يكون فِي الثَّوْب وَغَيره وَمِنْه قَول الشماخ وَذكر لَيْلًا قطعه فَقَالَ

(إِلَى أَن تبدى الصُّبْح فِيهِ كَأَنَّهُ ... قَمِيص من خل سَاج مفرج) // طَوِيل //

والخل الرجل الْقَلِيل اللَّحْم وَقد خل لَحْمه خلا إِذا هزل وَمِنْه قَول الشَّاعِر تأبط شرا

(إِن جسمي بعد خَالِي لخل ... ) // مديد //

والخل الرجل السمين وَهُوَ من الأضداد وَمِنْه قَول الأخطل

(إِذا بَدَت عَورَة مِنْهَا أضرّ بهَا ... ضخم الكراديس خل اللَّحْم زغلول) // بسيط //

فالخل هَهُنَا السمين وَلذَلِك جعله ضخم الكراديس والخل من الْإِبِل هُوَ ابْن

(1/223)

الْمَخَاض وَالْأُنْثَى خلة والخل الثَّوْب الْبَالِي والخل عرق فِي الْعُنُق وَمِنْه قَول الشَّاعِر (جندل الطهوي)

(نم إِلَى هاد شَدِيد الْخلّ ... ) // رجز //

والخل مصدر خللت الشَّيْء بالخلال أخله خلا إِذا شككته بِهِ والخل الظعن تَقول خللت الرجل بِالرُّمْحِ إِذا طعنته بِهِ والخل وَالْخمر يكنى بهما عَن الْخَيْر وَالشَّر ولذاك قَالَ النمر بن تولب

(هلا سَأَلت بعادياء وبيته ... والخل وَالْخمر الَّذِي لم يمْنَع) // كَامِل //

والخل الحامض والخل خل الفصيل وَهُوَ أَن تجْعَل فِي لِسَانه عودا لكيلا يرضع والخل الْخُصُوص بالدعوة وَالْعرب تَقول عَم الرجل وخل فِي دُعَائِهِ وَمِنْه قَوْله

(فَعم فِي دُعَائِهِ وخلا ... وَخط كاتباه واستهلا) // رجز //

والخلة مصدر الاختلال يُقَال مِنْهُ خل الرجل أَي أخل بِهِ من الْخلَّة والخلة الْخصْلَة يُقَال فلَان خلة حَسَنَة والخلة الفرجة فِي الشَّيْء وَمِنْه يُقَال للرجل إِذا

(1/224)

مَاتَ لَهُ قريب اللَّهُمَّ اجبر خلته يُرَاد الفرجة الَّتِي ترك الْمَيِّت بفقده وَمِنْه قَول أَوْس

(لهلك فضَالة لَا يَسْتَوِي الْقعُود وَلَا خلة الذَّاهِب) // مُتَقَارب //

والخلة الْحَاجة والفقر وَفِي الْمثل الْخلَّة تَدْعُو إِلَى السلَّة أَي الْفقر يَدْعُو إِلَى السّرقَة

فصل الْحَبل

الْحَبل وَاحِد الحبال وَالْحَبل الْعَهْد والأمان يُقَال أخذت بِحَبل من فلَان أَي بِعَهْد وأمان قَالَ جلّ وَعز {إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس} مَعْنَاهُ الْعَهْد والذمة وَالْحَبل وصلَة مَا بَين الْمنْكب والعنق وَمِنْه قَول ذِي الرمة

(تبَاعد الْحَبل مِنْهُ فَهُوَ يضطرب) // بسيط //

وَيُقَال هَذَا الْأَمر على حَبل ذراعك أَي مُمكن لَك وَالْحَبل التواصل وَالْحَبل مَا استطال من الرمل مَعَ الأَرْض وَالْحَبل مَوضِع بِالْبَصْرَةِ على شاطيء النَّهر وَالْحَبل مصدر حبلت الصَّيْد حبلا إِذا أَخَذته بالحبالة وَالْحَبل كلمة تطلق بهَا الْعَرَب إِذا قَالُوا حبلك على غاربك أَي أَنْت مُطلقَة وَالْحَبل مصدر حبلهم

(1/225)

المثاب إِذا دعاهم الْمرجع والحبلة الأَصْل من أصُول الْكَرم وَفِي الحَدِيث لما خرج نوح من السَّفِينَة غرس الحبلة

فصل الرّبيع

الرّبيع فصل من فُصُول السّنة وَالربيع الرّبع تَقول ربع وربيع كَمَا قَالُوا ثمن وثمين وَمن الثمين قَوْله للشماخ بن ضرار

(وَمثل سراة قَوْمك لن يجاروا ... إِلَى ربع الرِّهَان وَلَا الثمين) // وافر //

وَالربيع الْمَطَر وَلذَلِك قَالَ آخر

(وجادك من جَار ربيع وصيف ... ) // طَوِيل //

وربيع اسْم رجل وَالربيع النَّهر وَالربيع الْكلأ والربيعة الصَّخْرَة الْعَظِيمَة والربيعة الْبَيْضَة الَّتِي تجْعَل على الرَّأْس وَمِنْه قَول الشَّاعِر

(ربيعته تلوح لَدَى الْهياج ... )

وَالربيع الْحَظ من المَاء وَرَبِيعَة قبائل من الْعَرَب فَمن تَمِيم ربيعَة بن مَالك أَخُو حَنْظَلَة وهم ربيعَة الْجُوع وَرَبِيعَة بن حَنْظَلَة رَهْط الحنتف وَرَبِيعَة الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة الَّذين فارسهم بسطَام بن قيس وربيع شهر من شهور السّنة

(1/226)

فصل الرف

الرف التَّقْبِيل بأطراف الشفتين وَمِنْه قَول الراجز

(يَا ابْنة عمي إِنَّنِي أهواك ... وَالله لَوْلَا خَشْيَتِي أَبَاك)

(وخشيتي من جَانب أَخَاك ... إِذن لرفت شفتاي فَاك)

(رف الغزال ورق الْأَرَاك ... )

والرف بريق الشَّيْء وَقد رف يرف رفا إِذا برق وَمِنْه قَول الْأَعْشَى يذكر ثغر امْرَأَة

(وَمهما ترف غروبه ... يشفي المتيم ذَا الْحَرَارَة) // مجزوء الْكَامِل //

والرف الدَّلْك بِالسِّوَاكِ وَالْمَرْأَة ترف أسنانها بِالسِّوَاكِ رفا ورف الشّجر رفا إِذا اهتز نعْمَة والرف ضرب من أكل الْإِبِل وَالْغنم وَهِي ترف رفا إِذا فعلت ذَلِك ورف حَاجِب الرجل رفا إِذا اختلج وَمِنْه قَول الراجز

(لم أدر الا الظَّن ظن الْكَاذِب ... أبك أم بِالْغَيْبِ رف حاجبي)

فرف اختلج على مَا ذكرنَا والرف مصدر رففت الرجل رفا إِذا أَحْسَنت إِلَيْهِ وَمن أَمْثَال الْعَرَب من حفنا أَو رفنا فليترك والرف سقف يعْمل دون سقف الْبَيْت والرف الرقة تَقول هَذَا ثوب رف إِذا كَانَ رَقِيقا والرف حَظِيرَة الْغنم

(1/227)

فصل الرَّقِيب

الرَّقِيب حارس الْقَوْم وَهُوَ الَّذِي يشرف على مرقبة ليحرسهم والرقيب الرجل الَّذِي يقْعد فِي الميسر يناول مَا يخرج من سِهَام الميسر أَمينا على ذَلِك والرقيب أحد قداح الميسر وَهُوَ الثَّالِث مِنْهَا والرقيب الحفيظ وَالله رَقِيب على عباده أَي حفيظ والرقيب النَّجْم الَّذِي يغيب إِذا طلع الطالع من الْمشرق كالعواء وَهِي رَقِيب فرغ الدَّلْو الْأَسْفَل فَإِذا طلع فرغ الدَّلْو بِالْغَدَاةِ من الْمشرق سَقَطت العواء فَهِيَ الرَّقِيب وَلكُل الْمنَازل طالع ورقيب والعيوق رَقِيب الثريا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الرَّقِيب عَلَيْهَا والرقيب ضرب من الْحَيَّات خَبِيث والرقيب هُوَ الرجل ترقبه فعيل بِمَعْنى مفعول والرقيب والرقيبة كل مَا استترت بِهِ لترمي والرقيب الْحَائِل بَين الرجل ومحبوبه

فصل الطَّبَق

الطَّبَق مَعْرُوف وَمر طبق من النَّهَار أَي معظمه والطبق الْحَال من قَوْله تَعَالَى {لتركبن طبقًا عَن طبق} أَي حَال عَن حَال وَقيل الطَّبَق الْمنزلَة وكل شَيْء طوبق بعضه على بعض فالأعلى مِنْهُ طبق للأسفل وطوبق الْجنب صفحته وكل فقرة من فقار الظّهْر طبق والطبق عظم رَقِيق يفصل بَين الفقارين والطبق كل غطاء لَازم والطبق سد الْجَرَاد لعين الشَّمْس والطبق

(1/228)

انطباق الْغَيْم فِي الْهَوَاء والطبق الدَّرك من أَدْرَاك جَهَنَّم وَبَنَات طبق الدَّوَاهِي والطبق جمَاعَة من النَّاس يعدلُونَ جمَاعَة مثلهم وَتقول الْعَرَب اللَّهُمَّ اسقنا غيثا طبقًا أَي يطبق الأَرْض وَمِنْه قَول الشَّاعِر امْرِئ الْقَيْس

(دِيمَة هطلاء فِيهَا وَطف ... طبق الأَرْض تحرى وتدر) // رمل //

والطبق الْقرن من النَّاس يطبقون الأَرْض ثمَّ يموتون وَيَأْتِي طبق آخر والطبق المتشابهون من الْخلق وَالْعرب تَقول هم طبقَة وَاحِدَة إِذا كَانُوا متشابهين وَالنَّاس طَبَقَات أَي بَعضهم أرفع من بعض وَقَول الْعَرَب وَافق شن طبقَة إِنَّمَا يُرَاد قبيلتان فشن من عبد الْقَيْس فواقعوا هَذِه الْقَبِيلَة وهم من إياد فَقَامُوا بهم فَضرب بذلك الْمثل وَقيل هما رجلَانِ التقيا فِي قتال فتناصفا وَلذَلِك قَالُوا وَافق شن طبقَة وَافقه فاعتنقه وَقيل شن رجل وطبقة امْرَأَة تزَوجهَا فَكَانَت على ماطلب فَقيل ذَلِك

فصل الْمشق

الْمشق خفَّة الْخط والمشق سرعَة السّير والمشق تَطْوِيل الشَّيْء وَلذَلِك يَقُولُونَ رَقِيق ممشوق كَأَنَّهُ مطول والمشق مد الشَّيْء وَمِنْه يُقَال مشقت الْوتر مشقا مددته وَكَذَا يُقَال مشقته وَمن الأول قَوْله

(يمشق سمر الْعقب الممشق) // رجز //

(1/229)

والمشق الضَّرْب بِالسَّوْطِ وَمِنْه قَول رؤبة يذكر الْخَيل

(تنجو وأسقاهن بلقا مشقا ... ) // رجز //

والمشق ضرب من الْأكل والمشق صبغ الثَّوْب بالمشق وَهُوَ طين أَحْمَر يصْبغ بِهِ وَقيل هُوَ الْمغرَة والمشق سرعَة الطعْن وَمِنْه قَول ذِي الرمة

(فكر يطعن مشقا فِي جواشنها ... كَأَنَّهُ الْأجر فِي الإقبال يحْتَسب) // بسيط //

والمشق فِي الطَّعَام هُوَ أَن يبقي مِنْهُ أَكثر مِمَّا يَأْكُل والمشق أَخذ الْإِبِل الكلاء بِسُرْعَة وَعَلَيْهَا أحمالها والمشق ضرب من النِّكَاح يُقَال مشق الرجل الْمَرْأَة يمشقها مشقا إِذا فعل ذَلِك بهَا والمشق جذب الْكَتَّان فِي ممشقة حَتَّى يخلص خالصه وَمَا بَقِي مِنْهُ فَهُوَ مشاقة

فصل النجد

النجد الْقوي يُقَال هَذَا رجل نجد بَين النجدة إِذا كَانَ قَوِيا

والنجد الشجاع والنجدة الشجَاعَة والنجد مَا ارْتَفع من الأَرْض ونجد بِلَاد مَعْرُوفَة وَهُوَ مُذَكّر وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر

(ألم تَرَ أَن اللَّيْل يقصر طوله ... بِنَجْد وتزداد النطاف بِهِ بردا) // طَوِيل //

وكل شرف من الأَرْض اسْتَوَى ظَهره فَهُوَ نجد والنجد الطَّرِيق الْوَاضِح وَمِنْه

(1/230)

قَول امْرِئ الْقَيْس

(غَدَاة غدوا فسالك بطن نَخْلَة ... وَآخر مِنْهُم سالك نجد كبكب) // طَوِيل //

وَقيل النجد طَرِيق فِي الْجَبَل والنجد ثدي الْمَرْأَة وَكَذَا تؤول فِي قَوْله جلّ وَعز {وهديناه النجدين} أَي ثدي أمه وَقيل طَرِيق الْخَيْر وَطَرِيق الشَّرّ والنجد الْأَمر الصعب وَالْجمع أنجد وَمِنْه تَقول الْعَرَب هُوَ طلاع أنجد أَي يركب الْأُمُور الصعاب وَمِنْه قَول الشَّاعِر

(وَقد يقصر القل الْفَتى دون همه ... وَقد كَانَ لَوْلَا القل طلاع أنجد) // طَوِيل //

أَي كَانَ ركاب أُمُور صعاب وَهَذَا أَمر نجد أَي وَاضح وَهَذَا دَلِيل نجد أَي هاد وَمِنْه قَول الشَّاعِر

(وَقد جَاءَك النجد النذير مجمد ... ) // كَامِل //

والنجد مَا تزين بِهِ الْبيُوت من الْفرش وَقد نجدته إِذا زينته ونجدة اسْم رجل وَابْن نجدة رجل من الْخَوَارِج ينْسب إِلَيْهِ النجدات قوم مِنْهُم

فصل الإل

الإل بِالْكَسْرِ الْعَهْد والإل أَيْضا الذِّمَّة قَالَ الله تَعَالَى {لَا يرقبون فِي مُؤمن إِلَّا وَلَا ذمَّة}

(1/231)

) والإل الله تَعَالَى وَفِي حَدِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لبني حنيفَة حِين سَأَلَهُمْ عَن قُرْآن مُسَيْلمَة فأخبروه وَيحكم إِن هَذَا كَلَام لَا يخرج من إل فَأَيْنَ ذهب بكم كَذَا فسر النَّاس هَذَا الحَدِيث وَحَقِيقَة مَعْنَاهُ أَنه أَرَادَ بالأل الربوبية والإل أَيْضا الحقد والعداوة حَكَاهُ أَبُو عمر الْمُطَرز والإل أَيْضا الْقَرَابَة قَالَ حسان

(لعمرك إِن إلك من قُرَيْش ... كإل السقب من رأل النعام) // وافر //

والإل أَيْضا اسْم مَوضِع

فصل الْأَمر

الْأَمر بِالْفَتْح نقيض النَّهْي وَالْأَمر أَيْضا كل حدث يحدث وكل قصَّة تقع وَالْأَمر أَيْضا مصدر أمرت الشَّيْء إِذا كثرته قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا أردنَا أَن نهلك قَرْيَة أمرنَا مُتْرَفِيهَا} وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خير المَال سكَّة مأبورة أَو مهرَة مأمورة) هَذِه وُجُوه الْأَمر المستعملة فِي كَلَام الْعَرَب وَجَاء فِي الْقُرْآن على معَان أخر وَلكنهَا رَاجِعَة إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ فَمِنْهَا الْأَمر الَّذِي يُرَاد بِهِ الْقَضَاء كَقَوْلِه تَعَالَى {يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَاهُ يقْضِي الْقَضَاء وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} وَمِنْهَا الْأَمر الَّذِي يُرَاد بِهِ الدّين كَقَوْلِه {فتقطعوا أَمرهم بَينهم} وَقَوله تَعَالَى {حَتَّى جَاءَ الْحق وَظهر أَمر الله} وَمِنْهَا الْأَمر الَّذِي يُرَاد بِهِ الْعَذَاب كَقَوْلِه تَعَالَى {وَقَالَ الشَّيْطَان لما قضي الْأَمر} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَاهُ وَجب الْعَذَاب وَمِنْهَا الْأَمر

(1/232)

الَّذِي يُرَاد بِهِ الْقِيَامَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وغرتكم الْأَمَانِي حَتَّى جَاءَ أَمر الله}

وَمِنْهَا الْأَمر الَّذِي يُرَاد بِهِ الْوَحْي كَقَوْلِه تَعَالَى {يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ} وَمِنْهَا الْأَمر الَّذِي يُرَاد بِهِ الذَّنب كَقَوْلِه تَعَالَى {فذاقت وبال أمرهَا} أَي جَزَاء ذنبها

فصل الْأُم

أم كل شَيْء أَصله بِالضَّمِّ وَمِنْه قيل لمَكَّة أم الْقرى وَأم الْكتاب فاتحته وَأم الْكتاب أَيْضا اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَأم الرمْح الرَّايَة قَالَ حسان

(فسلبنا الرمْح فِيهِ أمه ... من يَد الْعَاصِ وَمَا طَال الطول) // رمل //

وَيُقَال فلَان أم الْقَوْم وأبوهم إِذا كَانَ يحفظهم ويتولى أَمرهم وَمِنْه قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي بن أبي طَالب كرم الله وَجهه (أَنا وَأَنت أَبَوا هَذِه الْأمة) أَي القيمان بأمرها وَمِنْه قَول بعض الشُّعَرَاء يمدح عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ ابْن مقبل

(وملجأ مهروئين يلقى بِهِ الحيا ... إِذا صرحت كحل هُوَ الْأُم وَالْأَب) // طَوِيل // وَقَالَ يَعْقُوب مَا أمك وَأم كَذَا أَي مَالك وَمَاله وَأنْشد لنافع ابْن لَقِيط

(1/233)

(فَمَا أُمِّي وَأم الْوَحْش لما ... تفرع فِي مفارقتي المشيب) // وافر //

كَذَا أنْشدهُ فِي كتاب الْمثنى والمكنى والمبني بِضَم الْهمزَة وَقَالَ مَعْنَاهُ مَا بالي وبالها وَرَوَاهُ السيرافي فَمَا أُمِّي وَأم الْوَحْش بِفَتْح الْهمزَة وَقَالَ مَعْنَاهُ مَا قصدي وَقصد اتِّبَاع الْوَحْش وكنى بالوحش عَن النِّسَاء وَيُقَال للحمى أم ملدم وَأم ملذم بِالدَّال والذال وَيُقَال للدجاجة أم جَعْفَر أم حَفْصَة وللحمامة أم مهْدي وللقملة أم عقبَة وللسلحفاة أم الْعَوام وللحية أم حقصان وللعقرب أم العريط وَأم سامر وللخنفساء الْأُنْثَى أم سَالم وللذكر أَبُو وجزة وَأَبُو جعران وللنحلة أم عدي وَيُقَال للفيلة أم شنبل وللاست أم سُوَيْد وَأم عزم وَأم عزمل وَأم عزمن وَبَاب الكنى بَاب يَتَّسِع

فصل الْأمة

الْأمة بِضَم الْهمزَة تَنْصَرِف على ثَمَانِيَة معَان فالأمة الْقرن من النَّاس وَأمة كل بني تباعه وَالْأمة الرجل الَّذِي يؤتم بِهِ وَمِنْه قَول الله عز وَجل {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله حَنِيفا} وَالْأمة الْجَمَاعَة من النَّاس وَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {وجد عَلَيْهِ أمة من النَّاس} وَالْأمة الْحِين قَالَ الله تَعَالَى {وَلَئِن أخرنا عَنْهُم الْعَذَاب إِلَى أمة مَعْدُودَة} وَالْأمة الرجل الْوَاحِد الَّذِي يقوم مقَام جمَاعَة وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قس بن سَاعِدَة (إِنِّي لأرجو أَن يَبْعَثهُ الله أمة وَحده) وَالْأمة الْقَامَة قَالَ الْأَعْشَى

(1/234)

(وَإِن مُعَاوِيَة الأكرمين ... حسان الْوُجُوه طوال الْأُمَم) // رمل //

وَالْأمة الْأُم وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي النداء وَرُبمَا اسْتعْمل فِي غَيره أنْشد الطوسي

(تقيلها من أمة لَك طالما ... تنوزع فِي الاسواق عَنْهَا خمارها) // طَوِيل //

وَالْأمة والإمة بِالضَّمِّ وَالْكَسْر الدّين قَالَ الله عز وَجل {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} أَي على دين وملة ويروى بَيت النَّابِغَة على وَجْهَيْن

(حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة ... وَهل يأثمن ذُو أمة هُوَ طائع) // طَوِيل //

فصل الْبكر

الْبكر بِالْكَسْرِ أول ولد الرجل وَبكر كل شَيْء أَوله وَإِذا أنكح الرجل امْرَأَة لم يكن لَهَا زوج قبله وَلم تكن لَهُ أمراة قبلهَا وَولد لَهُ أول ولد مِنْهَا قَالُوا ولد بكر وَأَبوهُ بكر وَأمه بكر وَهُوَ معنى قَول الْكُمَيْت

(يَا بكر بكرين وَيَا خلب الكبد ... أَصبَحت مني كذراع من عضد) // رجز //

وَقيل إِنَّمَا أَرَادَ أَنه كَانَ بكر أَبَوَيْهِ وَأَبوهُ بكر أَبَوَيْهِ وَأمه بكر أَبَوَيْهَا وَذَلِكَ

(1/235)

أكمل لقَوْله وَكَانَت الْعَرَب تَقول أَشد النَّاس بكر ابْن بكرين وَالْبكْر الْكَرم الَّذِي حمل أول مرّة وناقة بكر فتية وَكَذَلِكَ نَخْلَة بكر

فصل البل

البل بِالْكَسْرِ الْمُبَاح بلغَة حمير وَاخْتلف النَّاس فِي معنى قَول عبد الْمطلب فِي زَمْزَم وَهِي لشارب حل وبل قَالَ الْأَصْمَعِي بل مُبَاح وَقَالَ قوم إتباع لحل كَمَا قيل حسن بسن وَشَيْطَان ليطان وَقَالَ قوم بل شِفَاء من قَوْلهم بل من مَرضه وأبل واستبل إِذا برِئ وَهَذَا القَوْل أشبه الْأَقْوَال بهَا لِأَن زَمْزَم لَهُ أَسمَاء كَثِيرَة يُقَال زَمْزَم وزمم وزمزم والمضنونة والرواء وشيعة وركضة جِبْرِيل وحفير عبد الملطلب وَطَعَام طعم وشفاء سقم فَقَوْلهم فِي أسمائها شِفَاء سقم يُقَوي قَول من قَالَ بل شِفَاء

فصل البنان

البنان بِالْكَسْرِ جمع بنة وَهِي الرَّائِحَة طيبَة كَانَت أَو كريهة قَالَ الشَّاعِر

(1/236)

(وعالت بنان الْمسك وحفا مرجلا ... على مثل بدر لَاحَ فِي الظُّلُمَات) // طَوِيل //

وصحف أَبُو عَليّ الْبَغْدَادِيّ هَذِه اللَّفْظَة فروى وعالت بَنَات الْمسك

فصل الجرم

الجرم بِالْفَتْح الْقطع يُقَال جرم الشَّيْء يجرمه وَمِنْه جرام النّخل وَهُوَ قطافه والجرم ايضا الْكسْب يُقَال فلَان جريمة أَهله أَي كاسبهم وَمِنْه قَول الله عز وَجل {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم}

وَمِنْه قَول أبي خرَاش الْهُذلِيّ

(جريمة ناهض فِي رَأس نيق ... ترى لعظام مَا جمعت صليبا) // وافر //

الناهض فرخها والصليب الودك والجرم أَيْضا مصدر جرم فَهُوَ جارم إِذا أذْنب لُغَة فِي أجرم قَالَ ابْن براقة

(وننصر مَوْلَانَا ونعلم أَنه ... كَذَا النَّاس مجروم عَلَيْهِ وجارم) // طَوِيل //

والجرم أَيْضا مصدر جرم الشَّاة إِذا جزها وَأَرْض جرم شَدِيدَة الْحر فَإِذا كَانَت شَدِيدَة الْبرد قيل أَرض صرد وجرم قَبيلَة من قبائل الْيمن

(1/237)

فصل الْجد

الْجد بِالْفَتْح الْقطع وَالْجد أَبُو الْأَب وَأَبُو الْأُم وَالْجد العظمة والجلال قَالَ الله عز وَجل {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} وَالْجد الْحَظ والسعد وَفِي الحَدِيث (وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد) أَي من كَانَ لَهُ سعد فِي الدُّنْيَا لم يَنْفَعهُ ذَلِك فِي الْآخِرَة وَإِنَّمَا ينْتَفع بِالْعَمَلِ الصَّالح وَكَانَ وَجه الْكَلَام أَن يُقَال وَلَا ينفع ذَا الْجد عنْدك أَو لديك وَلَكِن جَاءَ دُخُول من هَهُنَا إِذْ كَانَ جده لَا ينجيه من عَذَاب الله وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى وَلَا ينفع ذَا الْجد الْمَوْهُوب لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْك جده وَكَانَ يُقَال لقيس بن خَالِد الشَّيْبَانِيّ ذُو الجدين لِأَنَّهُ كَانَ أسر أَسِيرًا لَهُ فدَاء عَظِيم فَقَالَ لَهُ رجل إِنَّك لذُو جد فِي الْأُسَارَى فَقَالَ آخر بل وَالله ذُو جدين وَقَالَ ابْن ولاد بل كَانَ سبق فِي سِتِّينَ من الْخَيل فَقيل لَهُ عِنْد ذَلِك هَذَا القَوْل وإياه عَنى قيس بن عَاصِم الْمنْقري بقوله

(أيا ابْنة عبد الله وَابْنَة مَالك ... وَيَا ابْنة ذَا الجدين وَالْفرس الْورْد) // طَوِيل //

وَالْجد أَيْضا وكف الْبَيْت حَكَاهُ أَبُو عمر الْمُطَرز

فصل الْحور

الْحور جمع الْحَوْرَاء من النَّاس وَهِي الَّتِي فِي عينهَا حور وَاخْتلف النَّاس فِي حَقِيقَة معنى الْحور فَكَانَ أَبُو عمر يَقُول الْحور أَن تسود الْعين كلهَا مثل عُيُون

(1/238)

الظباء وَالْبَقر قَالَ لَيْسَ فِي بني أَدَم حور وَإِنَّمَا قيل للنِّسَاء حور الْعُيُون لِأَنَّهُنَّ شبهن بالظباء وَالْبَقر وَأما الْأَصْمَعِي فَروِيَ عَنهُ أَنه قَالَ مَا أَدْرِي مَا الْحور فِي الْعُيُون وَقَالَ الْخَلِيل الْحور شدَّة بَيَاض بَيَاض الْعين وشدته سَواد سوادها قَالَ وَلَا يُقَال حوراء إِلَّا للبيضاء مَعَ حورها وَقد رُوِيَ عَن الْأَصْمَعِي مثل قَول أبي عمر

فصل الْحرَّة

الْحرَّة بِالضَّمِّ من النِّسَاء خلاف الْأمة ورملة حرَّة أَي طيبَة وسحابة حرَّة غزيرة الْمَطَر قَالَ عنترة

(جَادَتْ عَلَيْهَا كل بكر حرَّة ... فتركن كل حديقة كالدرهم) // كَامِل //

وحرة الذفري مجَال القرط والحرة الْأذن قَالَ ذُو الرمة

(والقرط فِي حرَّة الذفرى معلقَة ... تبَاعد الْحَبل مِنْهَا فَهُوَ يضطرب) // بسيط //

فصل الْحسن

الْحسن بِفَتْح الْحَاء مَا حسن من كل شَيْء وَالْحسن من أَسمَاء الرِّجَال وَالْحسن نقا من الرمل مستطيل دفن فِيهِ بسطَام بن قيس وَلذَلِك قَالَ عبد الله بن عنمة

(لأم الأَرْض ويل مَا أجنت ... بِحَيْثُ أضرّ بالْحسنِ السَّبِيل) // وافر //

(1/239)

وَإِلَى جنبه نقا آخر أَصْغَر مِنْهُ يُقَال لَهُ الْحُسَيْن فَإِذا جمعهَا قيل الحسنان قَالَ شمعلة بن الْأَخْضَر بن هُبَيْرَة بن الْمُنْذر بن ضرار الضَّبِّيّ فِي قَتله بسطَام بن قيس الشَّيْبَانِيّ

(وَيَوْم شَقِيقَة الحسنين لاقت ... بَنو شَيبَان آجالا قصارا) // وافر //

فصل الْخَيْر

الْخَيْر بِالْفَتْح نقيض الشَّرّ وَبِه تسمى الْخَيل خيرا وَبِه فسر قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر} وَيُقَال لِلْمَالِ أَيْضا خير وَبِذَلِك فسر قَوْله تَعَالَى {وَإنَّهُ لحب الْخَيْر لشديد} وَقَوله تَعَالَى {إِن ترك خيرا} وَالْخَيْر أَيْضا مصدر خار الله لَك فِي الْأَمر ومصدر خرته أخيره إِذا غلبته فِي المخايرة وَرجل خير مخفف من خير قَالَ الشَّاعِر

(لعمر أَبِيك الْخَيْر إِنِّي لخادم ... لضيفي وَإِنِّي إِن ركبت لفارس) // طَوِيل //

(1/240)

وَكَانَ ابْن الْأَعرَابِي يروي الْخَيْر بِالرَّفْع وَفُلَان خير من فلَان مَحْذُوف من أخير وَلذَلِك اسْتعْمل فِي الْمُذكر والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد وَرُبمَا قَالُوا للْمَرْأَة خيرة وَهَذَا على قَول من لم يعْتَقد فِيهِ المفاضلة وعَلى هَذَا ثنوه وجمعوه فَقَالُوا خيران وخيرون وخيرتان وخيرات

فصل الْخلق

الْخلق بِالْفَتْح يكون الْمصدر من خلق الله الاشياء وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه} وَيكون الْخلق أَيْضا الْمَخْلُوق بِعَيْنِه سمي بِالْمَصْدَرِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {هَذَا خلق الله} والخلق يكون إبداعا وَيكون تركيبا فَمن الْخلق الَّذِي مَعْنَاهُ الإبداع قَوْله تَعَالَى {هَل من خَالق غير الله}

وَمن الْخلق الَّذِي مَعْنَاهُ التَّرْكِيب قَوْله تَعَالَى {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} وَقَوله تَعَالَى {وَإِذ تخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير بإذني} والخلق تَقْدِير الْأَدِيم للْقطع قَالَ الشَّاعِر زُهَيْر

(ولأنت تفري مَا خلقت وَبَعض الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفري) // كَامِل //

والخلق الْكَذِب قَالَ الله تَعَالَى {وتخلقون إفكا} وَقَالَ تَعَالَى {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} هَذِه كلهَا مَفْتُوحَة الْأَوَائِل فَهَذَا مَا اتّفقت أَلْفَاظه وَاخْتلفت مَعَانِيه

(1/241)

الْبَاب الثَّالِث مَا اخْتلف لَفظه وَاتفقَ مَعْنَاهُ

(1/243)

وَأما مَا اخْتلفت أَلْفَاظه واتفقت مَعَانِيه فَقَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال طمح فِي السّوم إِذا استام بسلعته أَكثر مِمَّا تَسَاوِي وتشحأ فِي السّوم وشحط وأبعط كل ذَلِك أَن يتباعد وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ يَغْشَاهُ الأضياف وتعتره الأضياف وتعتريه الأضياف وتعره وتعروه كُله سَوَاء وَيُقَال مَا دون ذَلِك الْأَمر ستر وَمَا دون ذَلِك الْأَمر حجاب وَلَا وجاح وَالْمعْنَى وَاحِد

وَيُقَال توارى مني فِي دغل الْوَادي ودغله شَجَره وتوارى عني فِي ضراء الْوَادي ومدو شَجَره وتوارى عني فِي خمر الْوَادي وخمره مَا واراه من جرف أَو حَبل من حبال الرمل أَو شجر الْوَادي أَو أَي شَيْء

وَيُقَال للرجل إِذا أرْخى إزَاره قد أغدفه ورفله واسبله

وَيُقَال أَسْبغ فلَان قناعه وأغدفه إِذا أرخاه على وَجهه

وَيُقَال غيم جلب لَا مَاء فِيهِ وغيم هف مثله وَهَذِه شهدة هف لَا عسل فِيهَا وَقَالَ تأبط شرا

(1/245)

(وَلست بجلب جلب غيم وقرة ... وَلَا بصفا صلد عَن الْحق معزل)

وَيُقَال قد عرفت ذَاك فِي معنى كَلَامه وَفِي فحوى كَلَامه وَفِي عروضه وَفِي حويل كَلَامه وَفِي حوير كَلَامه

وَيُقَال أَعْطَيْت فلَانا مَالا مُضَارَبَة ومقارضة وَهُوَ الْمضَارب والمقارض

وَيُقَال قد أسلم الرجل فِي الْمَتَاع وأسلف فِيهِ وَهُوَ السّلم وَالسَّلَف

وَيُقَال للرجل إِنَّه لكريم الطبيعة والضريبة والخيم والنحاس والسليقة والسوس والتوس

وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى بن حَمَّاد الْكَاتِب فِي بَاب الْعقل الْعقل واللب والحجى والنهى وَالْحجر وَاحِد والنحيزة والطبيعة والخيم والضريبة والجبلة والسجية والسليقة والغريزة والتوس والسوس وَفُلَان مَحْمُود الغرائز والسلائق وَالْخَلَائِق والطبائع وَالشَّمَائِل والنجائب والضرائب والنجار والطبيعة والجوهر

وَقَالَ أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن المظفر الْحَاتِمِي الغريزة والخليقة والطبيعة والضريبة والخلة والشيمة والمخيلة وَالشَّمَائِل والدربة وَالْعَادَة والشنشنة

(1/246)

والديدن والهجيرة يُقَال مِنْهُ إِنَّه بهجيراه وديدنه وشنشنته ودربته وشمائله ومخيلته وشيمته وجبلته وضريبته وطبيعته وطبعه وخليقته وخلقه وغريزته يُقَال فِي هَذَا كُله لئيم فِي الذَّم

وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ الْحَسَنَة الجدل جَارِيَة حَسَنَة العصب وحسنة الجدل وحسنة المسد وحسنة الأرم

وَيُقَال جَارِيَة معصوبة ومجدولة ومأرومة وممشوقة

وَيُقَال امْرَأَة خميصة وخمصانة ومهفهفة ومبطنة وَهِي امْرَأَة شَدِيدَة القتب أَي خمص الْبَطن

وَيُقَال امْرَأَة قبَاء ومقببة ومقعبة ومهفهفة ومبطنة ومهففة وَأنْشد للأغلب

(جَارِيَة من قيس بن ثَعْلَبَة ... قبَاء ذَات سرة مقعبة) // رجز //

وَيُقَال فلَان متعظم فِي نَفسه ومتفخر فِي نَفسه وشامخ بِأَنْفِهِ ومتفجس وزامخ بِأَنْفِهِ إِذا تاه وتكبر ...

وَيُقَال قد هجر بالرحيل وَظهر إِذا خرج عِنْد زَوَال الشَّمْس فَهِيَ الظهيرة وَهِي الهاجرة وَهِي الغابرة

وَيُقَال قد شاكل الرجل الرجل إِذا فعل فعله وشابهه وشاكهه كل ذَلِك

(1/247)

سَوَاء وضارعه قريب مِنْهُ وَلَيْسَ بِهن

وَيُقَال واظب فلَان على ذَلِك الْأَمر وألظ عَلَيْهِ وثابر عَلَيْهِ وأتحم عَلَيْهِ بِسَوَاء

وَيُقَال امْرَأَة فِي يَدهَا سوار وَفِي يَدهَا مسكة وجبارة ووقف

وَقَالَ الرياشي وَيُقَال أسوار أَيْضا وَامْرَأَة فِي رجلهَا خلخال وحجل وخدمة كل ذَلِك سَوَاء قَالَ زِيَادَة فِي الْوَقْف

(شججنا خشرما فِي الرَّأْس عشرا ... ووقفنا هديبة إِذْ هجانا) // وافر //

والتوقيف أَن يقد من مَوضِع السوار قدة

وَيُقَال امْرَأَة فِي عضدها معضد وَفِي عضدها دملج

وَيُقَال لقِيت فلَانا فِي صرحة الدَّار وَفِي قاعة الدَّار وَفِي باحة الدَّار وكل ذَلِك سَوَاء وَهُوَ أَن ترَاهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ بِنَاء من وَسطهَا وَنزل فلَان بسرة

(1/248)

الْوَادي وَنزل بهبرة الْوَادي وهما سَوَاء يَعْنِي وَسطه

وَيُقَال قَمِيص وَاسع الْيَد وواسع الْكمّ وواسع الردن وكل ذَلِك سَوَاء

وَيُقَال مسح فلَان يَده بالمنديل ومرش يَده ومشها بالمنديل وَهُوَ يمشها مشا

وَيُقَال للرجل إِذا ولد لَهُ فِي أول سنة قد أَربع فلَان وَولده ربعيون فَإِذا تَأَخّر وَلَده إِلَى آخر عمره قيل قد أصاف وَهُوَ مصيف وَولده صيفيون قَالَ

(إِن بني غلمة صيفيون ... أَفْلح من كَانَ لَهُ ربعيون) // رجز // وَيُقَال لَا أفعل ذَاك مالألأت الْفَوْر وَمَا حنت النيب وَمَا اخْتلفت الجرة والدرة وَمَا أطت الْإِبِل وَمَا سمر ابْنا سمير يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار وهما ابْنا سمير وَمَا دَعَا لله دَاع وَمَا حدا اللَّيْل النَّهَار وَمَا سجع الْحمام وَمَا حج لله رَاكب وَمَا أرزمت أم بِحَائِل كُله سَوَاء

وَيُقَال رَأَيْت فِي عنق فُلَانَة عقدا ولطا سَوَاء قَالَ الراجز

(1/249)

(وَجه عَجُوز جليت فِي لط ... تضحك عَن مثل الَّذِي تغطي)

وَرَأَيْت فِي يَد فُلَانَة نظما من لُؤْلُؤ وسمطا من لُؤْلُؤ

وَيُقَال شددت غرز الرحل ووضينه وشددت غَرَض الرحل وغرضته وَهُوَ للسرج الحزام وللقتب البطان

وَيُقَال لبس فلَان درعا من حَدِيد فَهِيَ تجمع السابغة والقصيرة فَإِذا قَالَ لبس بَدَنَة أَو شليلة فَهِيَ القصيرة الَّتِي لَيست بسابغة

وَيُقَال شاركت فلَانا شركَة مُفَاوَضَة وَذَلِكَ أَن يكون مَا لَهما جَمِيعًا من كل شَيْء يملكانه سواءا وشاركته شركَة عنان إِذا اشْترك فِي شَيْء مَعْلُوم

وَيُقَال هَذِه هبة لَك من عِنْدِي وَهبة كل من لدني وَهبة لَك من تلقائي

وَيُقَال حلوت فلَانا على ذَلِك مَالا إِذا أعطَاهُ على أَمر فعله وَأَنا أحلوه حلوا وحلوانا وَمِنْه الحَدِيث نهي عَن حلوان الكاهن قَالَ أَوْس بن حجر

(كَأَنِّي حلوت الشّعْر يَوْم مدحته ... صفا صَخْرَة صماء يبس بلالها) // طَوِيل //

(1/250)

وَقَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة

(أَلا رجل أحلوه رحلي وناقتي ... يبلغ عني الشّعْر إِذا مَاتَ طَالبه) // طَوِيل //

وَيُقَال للترس الْمِجَن والجوب والمجنب وَالْغَرَض وَإِذا كَانَ من جُلُود لَيْسَ فِيهِ خشب فَهُوَ الدرقة والحجفة

وَتقول الْعَرَب لموْضِع فراخ الطير الوكن والوكر والموكن فاذا كَانَ من حطام النبت والزغب فَهُوَ العش وَإِذا كَانَ فِي الأَرْض فَهُوَ الأفحوص وَإِذا كَانَ للنعامة فَهُوَ الأدمِيّ

وَيُقَال فلَان حسن الْأنف وَحسن المرسن وَفُلَان عَظِيم الْأُذُنَيْنِ وعظيم المسمعين

وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ جسيما طَويلا جميلا هُوَ رجل بجال وجسام وجسيم وَهُوَ رجل حسان وجمال وَامْرَأَة حسانة وجمالة

وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ حسن الْوَجْه هُوَ رجل وسيم بَين الوسامة والقسامة

وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ جيد للرأي جيد السِّيَاق للْحَدِيث يسرده سردا أَو بهت الحَدِيث هتا

الصِّلَة

وَيُقَال الصِّلَة والرفد والجبا والجائزة والمنحة والعطية والتحويل والصفد والنيل

(1/251)

قَالَ الْأَصْمَعِي لَا يكون الصفد والشكد إِلَّا فِي الْمُكَافَأَة وَقد يسْتَعْمل الصفد فِي مَوضِع الْعَطِيَّة وَهَذَا كُله من الْعَطِيَّة

وَأفضل عَلَيْهِ من الْفضل وأجدى عَلَيْهِ من الجدوى وَكَذَلِكَ الجراية والحذيا والسيب والإسداء والتنفيل والتنويل والإنحال والارتياس والاسعاف والإزلال والإزداء يُقَال مِنْهُ أزديت وأزللت

الْمَدْح

وَتقول فِي الْمَدْح مَا زَالَ يذكر محاسنه ومناقبه ومحامده وفضائله ومكارمه ومساعيه ومفاخره ومآثره ومعاليه

وَيُقَال مِنْهُ مدحه وقرظه وأطره ومجده وزكاه فِي الدّين المآثر مَا يُؤثر عَنهُ وَيُقَال أثرت الحَدِيث مَقْصُور وَلَا تكون المأثرة إِلَّا فِي الْحَمد

العلامات

يُقَال هَذِه عَلَامَات النَّصْر وأماراته وتباشيره ومخائله وأعلامه وأشراطه وشواهده وشواكله

(1/252)

يُقَال شمت مخايل الشيءإذا تطلعت نَحْوهَا ببصر منتظرا لَهَا وشمت الْبَرْق اشيمه إِذا ترقبت مطره

وَهَذِه أَمَارَات بَيِّنَة وأعلام لامعة وَدَلَائِل ناطقة وشواهد صَادِقَة ومخايل نيرة ولائحة مسفرة

الوضوح

يُقَال قد انْكَشَفَ الْأَمر وَبَان ووضح وأضاء وأشرق وأنار وأسفر وَبَان إِذا تبين

وتفرى اللَّيْل عَن صبحه وَصرح الْحق عَن محضه وَأبْدى الصَّرِيح عَن الرغوة وَتبين الصُّبْح لذِي عينين

ووقفت على حَقِيقَة الْأَمر وجلية الْأَمر وحققت الحَدِيث وأحققته إِذا تيقنته وتبينته

التوقيع

يُقَال أنفذته درج كتابي وطي كتابي وَثني كتابي وَضمن كتابي وَوَقع الرجل توقيعا فِي أَضْعَاف كتابي إِذا وَقع بَين سطوره وحواشيه وَقَالَ ذَلِك فِي أثْنَاء مخاطبته وخلال مخاطبته

الإيسار

اسْتغنى الرجل اسْتغْنَاء وأثرى إثراء فَهُوَ مثر وَأكْثر إكثارا فَهُوَ مكثر

(1/253)

وأيسر فَهُوَ مُوسر وأوسع فَهُوَ موسع وارتاش الرجل وانجبر وانتعش وتأثل تأثلا وَقد أمشى إِذا صَارَت لَهُ مَاشِيَة وَقد أغناه الله وأقناه والغنى وَالْجدّة والثروة والثراء والميسرة وَالسعَة واليسار والوفر قَالَ الْمَازِني النشب الْعقار واللهى الدَّرَاهِم

حسن الذّكر

أفعل مَا هُوَ أجمل فِي الأحدوثة وأزين مَا فِي المسمعة وَأحسن فِي الذّكر وَأطيب فِي النشر وَأحسن فِي الْخَيْر وأجمل فِي الصَّوْت وَلَك جمال هَذَا الْأَمر وبهاؤه وسناؤه وزينه وفخره وصوته ومكرمته وَذكره وزينته وبهجته وذخره

الظفر

يُقَال أظفر الله الْأَمِير بعدوه إظفارا وأظهره عَلَيْهِ إِظْهَارًا وأفلجه إفلاجا وَأَعلاهُ إعلاء وَنَصره نصرا وأداله إدالة ورزقه النَّصْر وَالظفر والفلج والفلج والظهور والعلو والإدالة وَالْغَلَبَة يُقَال فلج على خَصمه يفلج فلجا

الزِّيَادَة

قد كثر الْقَوْم وكثفوا وَأمرُوا وعفوا ونموا

السداد

يُقَال فلَان صَحِيح النِّيَّة والسريرة والطوية وَالضَّمِير والمغيب والدخلة والاعتقاد وواد الصَّدْر والمعتقد خلاص الطوية صَحِيح النِّيَّة أَمِين الْغَيْب نَاصح الجيب نَاصح الدخلة وباطنه فِي الفصح مثل ظَاهره وسره

(1/254)

مثل عَلَانِيَته وغائبه مثل شَاهده وعقده ملائم لِلِسَانِهِ

أَجنَاس الشجَاعَة

أَجنَاس الشجَاعَة الشجَاعَة والبسالة والنجدة والشدة والبطولة والجرأة والنهاكة وَاحِد

والفتك والحماسة والبطالة والقراع والصولة والإقدام والشكيمة

الْمنزل

يُقَال الْمنزل والمسكن والنادي والمثوى والمعرس والمغنى وَاحِد

يُقَال تبوأت ذَلِك الْمنزل إِذا أَقمت بِهِ وحللته والمأوى الْموضع الَّذِي تأوي إِلَيْهِ وشكرتك فِي المحافل والمشاهد والمجامع والمحاضر والنوادي والمجالس وَفِي كل نَاد ومحفل ومشهد ومحضر وَمجمع ومجلس

الأَصْل

يُقَال فِي الْمَدْح فلَان كريم المحتد أَي الأَصْل وَالْجمع المحاتد والمنصب وَالْجمع المناصب والنصاب والمنبت والمغرس وَالْجمع المغارس والعنصر وَالْجمع العناصر والجذم والأرومة والضيضئ والمركب والجرثومة والعيص والمنتصى

(1/255)

وَهُوَ معم مخول وَمُقَابل مدابر إِذا كَانَ شرِيف الطَّرفَيْنِ وَهُوَ مُتَرَدّد فِي الشّرف وشامخ فِي الشّرف وَالْمجد ومتناسل فِي الشّرف وغرة وراسخ النّسَب

يُقَال فعل ذَلِك لتناسله فِي الشّرف ورساخته فِي الْعلم وَفُلَان عز مُضر أَو غَيرهَا من الْقَبَائِل وسنامها وذؤابتها وَهُوَ فِي ذراها وذروتها وَبَيت شرفها وَتقول فلَان معرق لَهُ فِي الشّرف وَالْكَرم وَفُلَان نبعة أرومته وألمق كتيبته ومدره عشيرته وَوجه قومه وَهُوَ نظامهم وقوامهم وملاذ أَمرهم وحرزهم وكهفهم وملجأهم ومعقلهم ووزرهم

الْحلم

تَقول مَا أحلم فلَانا وأوقره وَمَا أوقع طَائِره وَمَا أهدأ فوره وَمَا اسكن رِيحه وَأحسن سمته وَأبْعد أناته وأقصد هَدْيه وقعه تؤدة وأناة وحلم وسمت ووقار ودعة وسكينة وهدوء وَهُوَ ثَابت الْعقل وثابت الْوَطْأَة ورزين الْحلم وراجح الْعلم وَمَا زلنا نسير بأوقع طَائِر وأهدأ فَور وأسكن ريح وَأظْهر وقار وأخفض جأش وَأطيب ريح

جودة الْكَلَام

تَقول هَذَا كَلَام بَين الْمنْهَج والمخرج مطرد الْقيَاس والسياق مُتَّفق الْقَرَائِن وَمَعْنَاهُ ظَاهر فِي لَفظه وأوله دَال على آخِره بِمثلِهِ تستمال الْقُلُوب النافرة وتستصرف الْأَبْصَار الطامحة ويسهل الْعسر وَترد الْأَهْوَاء الشاردة ويسقى

(1/256)

النجح وَيقرب الْبعيد وَيدْرك المنيع

الذِّرَاع والساعد

وَمن خلق الْإِنْسَان الذِّرَاع والساعد وهما شَيْء وَاحِد إِلَّا أَن الذِّرَاع مُؤَنّثَة يُقَال هَذِه ذِرَاع طَوِيلَة فعظمتها مستعظمها مِمَّا يَلِي الْمرْفق وأسلتها مستدقها والساعد مُذَكّر يُقَال هَذَا ساعد طَوِيل وَمَا انحسر عَنهُ اللَّحْم من الذِّرَاع والساق يُقَال لَهُ الأيبس وطرف الذِّرَاع الَّذِي يذرع مِنْهُ يُقَال لَهُ الإبرة قَالَ أَبُو النَّجْم

(وَقد رأى من دقها وضوحا ... حَيْثُ لَاقَى الإبرة القبيحا) // رجز //

والعظمان المجتمعان هما الزندان وَالْوَاحد زند ورأسهما الْكُوع والكرسوع فالكرسوع رَأس الزند الَّذِي يَلِي الْخِنْصر وَهُوَ الْوَحْش قَالَ العجاج

(على كراسيعي ومرفقيه ... ) // رجز //

والكوع رَأس الزند الَّذِي يَلِي الْإِبْهَام وكل شَيْئَيْنِ فِي الْإِنْسَان نَحْو الساعدين والزندين وناحيتي السَّاق وناحيتي الْقدَم فَمَا أقبل على خلق الْإِنْسَان فَهُوَ الْإِنْسِي وَمَا أدبر عَنهُ فَهُوَ الوحشي وَفِي الذِّرَاع النواشر الْوَاحِدَة نَاشِرَة وَهُوَ عصب الذِّرَاع من بَاطِن وخارج قَالَ زُهَيْر

(وَدَار لَهَا بالرقمتين كَأَنَّهَا ... مراجع وشم فِي نواشر معصم) // طَوِيل //

(1/257)

وَفِي الذِّرَاع الرواهش وَهُوَ العصب الَّذِي فِي ظَاهرهَا قَالَ عَمْرو بن معد يكرب

(وأعددت للحرب فضفاضة ... دلاصا تثنى على الراهش) // مُتَقَارب //

وَفِي الذراعين والساقين المخدم وَهُوَ مَوضِع الخلخالين والسوارين وَفِي الذراعين المعاصم وهما مَوضِع السوارين وأسفل من ذَلِك قَلِيلا وَمن المعاصم الغيل وَهُوَ الريان الممتلئ وَقَالَ المنخل الْهُذلِيّ

(كوشم المعصم المغتال علت ... نواشره بوشم مستشاط)

المغتال الممتلئ جعل عَلَيْهَا وشما بعد وشم مَأْخُوذ من الْعِلَل وَهُوَ الشّرْب بعد الشّرْب أَي انْتَشَر الوشم فِي معصمها واستشاط أَي طَار فِيهِ والرسغ ملتقى الْكَفّ والذراع وَفِي الذراعين والساقين الْكُوع وَهُوَ دقتهما يُقَال امْرَأَة كوعاء وَرجل أكوع واذا عمل الرجل بِشمَالِهِ قيل رجل أعْسر وَامْرَأَة عسراء قَالَ الشماخ

(لَهَا منسم مثل المحارة خفه ... كَأَن الْحَصَى من خَلفه حذف أعسرا) // طَوِيل //

(1/258)

وَإِذا عمل بيدَيْهِ جَمِيعًا قيل أضبط بَين الضَّبْط وَإِذا كَانَت قُوَّة يَدَيْهِ سَوَاء قيل أعْسر ايسر وَلَا يُقَال أعْسر أيسر

الْأنف

أنف الْإِنْسَان مَا شخص على الْوَجْه وَالْجمع الْكثير أنوف وَأدنى الْعدَد أنف وَهُوَ اسْم يجمع كل مَا فِي الْأنف وَكَذَلِكَ المرسن والمعطس وَيُقَال للرجل إِنَّه لكريم المعطس وكريم المرسن قَالَ العجاج فِي المرسن

(وجبهة وحاجبا مزججا ... وفاحما ومرسنا مسرجا) // رجز //

مسرجا أَي محسنا فِي الدقة والاستواء يُقَال سرج الله وَجهه أَي حسنه وأصل المرسن للدواب لِأَن المرسن مَوضِع الرسن وَقَالَ ذُو الرمة فِي المعطس

(وألمحن لمحا من خدود أسيلة ... رواء خلا مَا أَن تشف المعاطس) // طَوِيل //

وَيُقَال أرْغم الله معطسه أَي أَنفه والراعف الْأنف ايضا وَفِي الْأنف القصبة وَهِي الْعظم وَفِيه المارن وَهُوَ مَا لَان من دون الْعظم وَفِيه الخنابتان وهما حرفا المنخرين وَفِيه الوترة وَهِي الحاجزة بَين المنخرين وَفِيه الخياشيم وَهِي

(1/259)

الْعِظَام الرقَاق فِيمَا بَين أَعْلَاهُ إِلَى الرَّأْس الْوَاحِد خيشوم قَالَ العجاج

(يتركن خيشوم الْعَدو فاطسا ... بلية نلوي إِذا تشمسا)

وَفِيه الأرنبة والروثة والعرتمة وَهِي مقدم الْأنف قَالَ رؤبة فِي العرتمة

(فطال عزل الراغمين العرتما) // رجز // وَقَالَ ابو كَبِير فِي الروثة

(حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى فرَاش غريرة ... سَوْدَاء رَوْثَة أنفها كالمخصف) // بسيط //

وَقَالَ ذُو الرمة فِي الأرنبة

(تثني الْخمار على عرنين أرنبة ... شماء مارنها بالمسك مرثوم) // بسيط //

يُرِيد مَا تَحت مارنها ملطخ بالمسك وَهُوَ الشّفة الْعليا دون مارنها فأوقع الرثم عَلَيْهِ لقُرْبه مِنْهَا وَفِيه الغضروف وَبَعض الْعَرَب يَقُول الغضروف وَهُوَ بَين اللَّحْم والعظم يَعْنِي لَيْسَ بِلَحْم وَلَا عظم وَهُوَ من الْإِنْسَان فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فِي الْأنف وَالْأُذن وفروع الْكَتِفَيْنِ والعرنين مُعظم الْأنف كُله قَالَ العجاج

(لنصرعن ليثا يرن مأتمه ... مُعَلّقا عرنينه ومعصمه) // رجز //

وَفِي الْأنف القنا وَهُوَ ارتفاعه واحديداب وَسطه وسبوغ طرفه يُقَال رجل

(1/260)

أقنى وَامْرَأَة قنواء بَيِّنَة القنا قَالَ كَعْب بن زُهَيْر

(قنواء فِي حريتها للبصير بهَا ... عتق مُبين وَفِي الْخَدين تسهيل) // بسيط //

وَفِي الْأنف الشم وَهُوَ ارْتِفَاع القصبة وحسنها وانتصاب الأرنبة يُقَال رجل أَشمّ وَامْرَأَة شماء قَالَ سَاعِدَة بن جؤية

(فشب لَهَا مثل السنام مبرأ ... أَشمّ طوال الساعدين جسيم) // طَوِيل //

وَفِي الْأنف الفطس وَهُوَ انفطاحه وطمأنينه وَسطه وَفِي الْأنف الذلف وَهُوَ صغره وقصره قَالَ أَبُو النَّجْم

(للشم عِنْدِي بهجة ومودة ... وَأحب بعض ملاحة الذلفاء) // كَامِل //

وَفِي الْأنف القعم يُقَال رجل أقعم وَامْرَأَة قعماء وَهُوَ طمأنينة مؤخره مِمَّا يَلِي الْعَينَيْنِ يُقَال قعم يقعم قعما وَفِي الْأنف الخنس وَهُوَ تَأَخره إِلَى الرَّأْس وارتفاعه عَن الشّفة وَلَيْسَ بطويل وَلَا مشرف يُقَال إِنَّه لشديد الخنس وَرجل أخنس وَامْرَأَة خنساء قَالَ أَبُو زبيد الطَّائِي

(وَلَقَد مت غير أَنِّي حَيّ ... يَوْم بَانَتْ بودها خنساء) // خَفِيف //

والأحجن الْأنف الَّذِي حدب عرنينه وَقصرت روثته

(1/261)

الخاتمة

هَذَا مَا اقْتَضَاهُ الاقتصاد والاقتصار واقتضبه الإيجاز والاختصار مِمَّا يخف تدبره على الأفكار وتسهل مطالعته على الْقُلُوب والأبصار ويعدل بِهِ عَن الإملال والإضحار ويسلك بِهِ حجَّة التسهيل واليسار

وَلَو استوفيت غايات فصوله وحدود فروعه وأصوله لخرج عَن الْغَرَض الْمَقْصُود وبرز عَن السّنَن الْمَحْمُود وأضفته إِلَى التحف الأشرفية والألطاف السيدية الأجلية المولوية والمجلس العالي زَاد الله فِي شرفه وعلائه واستظهاره على مُجمل الْعُلُوم واستيلائه أولى من أولي التجاوز عَن تَقْصِيره وَمن بالإغضاء عَن تسهيله وتيسيره لَا زَالَ محلا لسوانح الآمال ومآلا لقبُول صوالح الْأَعْمَال ونظرة أجلى ورأيه أَعلَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَسلم تَسْلِيمًا وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل

: أبو بكر الباقلاني ومفهومه للإعجاز القرآني المؤلف: أحمد جمال العمري

: أبو بكر الباقلاني ومفهومه للإعجاز القرآني
المؤلف: أحمد جمال العمري

مدخل
...
أبو بكر الباقلاني ومفهومه للإعجاز القرآني
بقلم الدكتور أحمد جمال العمري الأستاذ المساعد بكلية الدعوة وأصول الدين
يمثّل الباقلاني1- بمفهومه للإعجاز القرآني، وبمؤلّفه (إعجاز القرآن) - وجهة نظر جماعة المسلمين. ويعدّ كتابه هذا أول كتاب يصنفه عالم من علماء السلف في الرد على مزاعم الملحدين والمخالفين من الرافضة والمعتزلة والجهمية والخوارج وغيرهم، لذلك بلغ بهذا الكتاب مكانة مرموقة، وشهرة ذائعة، لم يصل إليها أحد غيره.
وقبل أن نتحدث عن مفهوم الباقلاني للإعجاز القرآني.. نوَدُّ أولا أن نتعرف عليه.
__________
1
في رأيي أن الباقلاني مادة خصبة للبحث والدارسة لذا سنخصه ببحث مستقل يبرز الجوانب الدينية في شخصية الرجل، ويركز على المسائل العلمية التي تناولها إن شاء الله.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/379، وفيات الأعيان 3/400، شذرات الذهب 3/161، وضات الجنات 4/616، النجوم الزاهرة 4/234، الأنساب 61، الديباج المذهّب لابن فرحون 267.
وانظر في مذهبه: طبقات السبكي 2/255 - 256.
وقد طبع كتاب إعجاز القرآن عدة طبعات ... آخرها بشرح وتعليق محمد عبد المنعم خفاجي - وطبعة أخرى أصدرتها دار المعارف بمصر.
(1/7)

اسمه: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم. أبو بكر القاضي الباقلاني البصري المتكلم الفقيه.
الباقلاني نسبة إلى الباقلي وبيعه والبصري لأنه نشأ في البصرة وقضى فيها فترة شبابه قبل أن يهاجر منها إلى بغداد ليقيم فيها بقية حياته والمتكلم لأنه اتجه إلى علم الكلام نظرا لكثرة الملحدين في العراق في القرن الرابع الهجري وظهور مذهب أبي حسن الأشعري ودفاعه عن آرائه وجداله الشديد للمعتزلة وأنصاره يقولون إنه أعرف الناس بعلم الكلام، وأحسنهم خاطراً، وأجودهم لسانا، وأوضحهم بيانا، وأصحهم عبارة.. وله في كتب الكلام آراء كثيرة يعتد بها.
والفقيه.. لأنه كان من كبار فقهاء المذهب المالكي..
ويعد الباقلاني فيلسوف المذهب الأشعري، الذي بلور آراءه، ونفّذ تعاليمه, يقول ابن تيمية: "إنه أفضل المتكلمين المنتسبين إلى أبي الحسن الأشعري وليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده1", "عمل على نصرة المذهب، وصار إماما له بعد أن تناوله بالتهذيب، وضع لمسائل العلم المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة، وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء، وأن العرض لا يبقى زمانين، وجعل هذه القواعد تبعا للعقائد الدينية في وجوب اعتقادها.. لتوقف تلك الأدلة - في رأيه – عليها؛ ولأن بطلان الدليل يؤذن - يما يقول- ببطلان المدلول2". وكان –كما يقول الشهرستاني: "يثبت الصفات معاني قائمة به تعالى أحوالا3".
__________
2
الباقلاني – بفتح الباء الموحدة، وبعد الألف قاف مكسورة ثم لام ألف وبعدها نون، فيه لغتان من شدد اللام قصرالألف، ومن خففها مد الألف فقال: باقلاء وهذه النسبة شاذة لأجل زيادة النون فيها.
3
أسس أبو الحسن الأشعري "270 – 330هـ" مدرسة كبيرة من مدارس علم الكلام، وخالف أستاذه الجبائي المعتزلي.
وكان الباقلاني من أشهر تلاميذ هذه المدرسة. ومعروف أن للأشعري ثلاثة مذاهب:
‍‍1-
كان معتزليا ينكر جميع الصفات.
2-
ثم صار كلابيا من أتباع محمد بن سعيد بن كلاب يؤمن بسبع صفات فقط.
3-
ثم رجع إلى العقيدة السلفية على يد شيخه الحافظ زكريا الساجي تلميذ الإمام أحمد بن حنبل، يؤمن بجميع صفات الله الذاتية والفعلية والخبرية على الأسس الثلاثة التالية:
أ- تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات في ذاته وفي صفاته وفي أسمائه كما في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
ب- إثبات كل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكلامه وجلاله كما في قوله عز من قائل: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
ج- اليأس وعدم الطمع من إدراك كيفية صفات الله وأسمائه كما في قوله سبحانه: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} هكذا في كتابيه اللذين أجمع العلماء والمؤرخون على أنهما آخر ما كتب: (الإبانة عن أصول الديانة) و (المقالات الإسلامية) .. لذلك لزم التنويه.. "انظر كتاب: أبو الحسن الأشعري" من مطبوعات الجامعة الإسلامية.
1
شذرات الذهب 3/169 طبع القدسي سنة 1350هـ
2
مقدمة ابن خلدون ص369 طبع مطبعة التقدم سنة 1322 هـ.
3
الملل والنحل 2/129 نشر أحمد فهمي.
(1/8)

ذكاؤه وقوة لَسْنُه:
تتحدث المصادر كثيرا عن ذكاء الباقلاّني، وقوة لسنة وحجته، وسرعة بديهته، وإقحامه للخصوم.. أرسله
(1/8)

عضد الدولة في سفارة رسمية إلى ملك الروم عام 371هـ فأدخلوه وهو في عاصمة الروم على بعض القسس, فقال الباقلاني للبابا:
كيف أنت وكيف الأهل والأولاد؟ فتعجب البابا وقال له: ذكر من أرسلك في كتاب الرسالة، أنك لسان الأمة، ومتقدم على علماء الملة.. أما علمت أن المطارنة والرهبان منزهون عن الأهل والأولاد؟ فأجابه الباقلاني: رأيناكم لا تنزهون الله سبحانه عن الأهل والأولاد.. فهل المطارنة عندكم أقدس وأجلّ وأعلى من الله سبحانه؟
فأراد كبير الروم أن يخزي القاضي الباقلاني، فقال له: أخبرني عن قصة عائشة زوج نبيّكم وما قيل فيها؟ فأجابه: هما اثنتان قيل فيهما ما قيل، زوج نبينا، ومريم أم المسيح، فأما زوج نبينا فلم تلد.. وأما مريم فجاءت بولد تحمله على كتفها، وقد برأهما الله مما رميتا به.. فانقطع الرومي ولم يحر جوابا1!!.
ولقد ذكرت المصادر أن الباقلاني كان في علمه أوحد زمانه، وانتهت إليه الرياسة في مذهبه، وكان موصوفا بجودة الاستنباط وسرعة الجواب, كثير التطويل في المناظرة.. أكسبته عقليته الفذة منزلة رفيعة، ومكانة مرموقة على المستوى العلمي والرسميّ.
"
جرى يوما بينه وبين أبي سعيد الهاروني مناظرة، وأكثر القاضي أبو بكر فيها الكلام، ووسع العبارة، وزاد في الإسهاب، ثم التفت إلى الحاضرين وقال: "اشهدوا علي أنه إن أعاد ما قلت لا غير.. لم أطالبه بالجواب.." فقال الهاروني: اشهدوا عليّ أنه إن أعاد كلام نفسه سلمت له ما قال"2.
__________
1
وفيات الأعيان 3/400 وانظر أيضا قصته مع ملك الروم تاريخ بغداد 5/279.
2
وفيات الأعيان 3/404 وانظر مناظرته للمعتزلة في مجلس عضد الدولة في نفس المصدر, وانظر آراءه في روضات الجنات ص616, وفي أول رسالة البصائر من علم الكلام للكردى.
(1/9)

شيوخه ومعاصروه:
تلمذ الباقلاني على مجموعة من العلماء كان لهم أكبر الأثر في تغذية عقليته، وصقل موهبته، وتنوع اهتماماته العلمية, منهم:
ابن مجاهد الطائي, وعنه أخذ علم الكلام والفقه المالكي وأصوله.
والشيخ الصالح أبو الحسن الباهلي الذي أخذ عنه علم الأشعري.
ومحمد الأبهري المالكي، والحسين
(1/9)

النيسابوري، وأبو بكر بن مالك، وأبو محمد بن ماسي، والقطيعي وغيرهم من أعلام القرن الرابع الهجري في الدين والشريعة1.
كما عاصر الباقلاني مجموعة غير قليلة من العلماء النابهين الذين كان لهم شأنهم في تيار الثقافة الإسلامية, من هؤلاء: إبراهيم بن محمد الإسفراييني (توفي سنة 418?) , وأبو بكر محمد بن الحسن فورك "توفي سنة 406?" وغيرهما من الأعلام الذين شهد لهم بالمقدرة العلمية. وقد وصفهم الصاحب ابن عباد بقوله: "ابن الباقلاني بحر مغرق، وابن فورك صل مطرق2 والإسفراييني نار تحرق."
__________
1
انظر طبقات السبكي ج2/257.
2
الصل: الحية العظيمة.
(1/10)

تلاميذه:
أما تلاميذه فهم كثيرون.. يكفي أن نعلم أن الرجل كان يبذل علمه في جامع المنصور ببغداد حيث كانت له حلقة كبيرة، يتحلق فيها مقدرو علمه وطالبو فضله. بيد أن أشهر تلاميذه ما ذكرتهم المصادر القديمة وهم أبو عبد الله الأزدي، وأبو طاهر البغدادي اللذان هاجرا إلى المغرب العربي – القيروانونشرا علمه هناك.
(1/10)

آثاره:
أنتجت عقلية الباقلاني مجموعة كثيرة من الكتب الدينية ذات الصبغة الكلامية، والتي تتناول الرد على المخالفين والملحدين والمتفلسفين. يقولون أنه صنف سبعين ألف ورقة في الدفاع عن الدين.. كل ليلة خمسة وثلاثين ورقة, كل ذلك إظهاراً لعلم الرجل، وإبرازاً لمكانته الدينية والعلمية, بيد أن أشهر كتبه على الإطلاق هو كتابه (إعجاز القرآن) الذي حدّد فيه مفهومه للإعجاز القرآني وقد طبع هذا الكتاب مراراً في القاهرة.
ويروى أن له كتابا في (الملل والنحل) وكتابا آخر ذكره صاحب كشف الظنون واسمه (هداية المسترشدين في الكلام) كما ذكرت المصادر له (كتاب الانتصار) و (كتاب التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج) وقد نشر الكتاب الأخير الأستاذان محمود محمد الخضري ومحمد عبد الهادي أبو ريدة.
(1/10)

وفاته:
مات القاضي أبو بكر محمد بن الطيب في يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة (403هـ) - رحمه الله -.
(1/10)

مفهوم الباقلاني للإعجاز القرآني
وهب الباقلاني حياته وعلمه للدفاع عن عقيدة السلف، والرد على المخالفين والملحدين من الجهمية والمعتزلة والخوارج وغيرهم. وتعدّ آراء الباقلاني في كتابه (عجاز القرآن) الترجمة العلمية لما جال في خاطره، ولما اعتمل في ذهنه من أمور، حيث وجد أن أنسب ما يمكن أن يقال، هو التأليف حول إعجاز القرآن، وما يربط بهذا الإعجاز من مفاهيم ومضامين، فجاء كتابه من أفضل الكتب العلمية التي تناولت هذا الموضوع.. معبراً عن آراء السلف من علماء القرن الرابع.
لقد اعتبر الرجل تأليفه لهذا الكتاب واجباً دينيا في المرتبة الأولى.. إلى جانب كونه واجبا علميا، لذلك لم يدخر وسعاً، وهو بصدد تحليلاته..من أن يعمق البحث، ويكثر من المناقشة، ويتطرق إلى الكثير من المسائل التي تهمه وتهم الناس, وفي الوقت نفسه ترد على مظان الظانين، وتبطل أقوال الطاعنين.
حدد الباقلاني في فاتحة كتابه.. منهجه في البحث، وغايته منه، بأنه يرمي من وراء ذلك إلى عدة أمور..
-
كشف ما كان لأصل الدين قواما.. ولقاعدة التوحيد عماداً ونظاماً.
-
وإثبات أن ما جاء به النبي صدقا وبرهانا، ولمعجزته ثبتا وحجة، للرد على ما طعن فيه الطاعنون والملحدون حول أصول الدين.
-
ثم نفي كل ما تقوّله المتقولون عن معادلة القرآن وموازنته بالشعر.. اعتمادا على ما توارثوه من أقوال ملحدة قريش وغيرهم.
فإذا ما انتهى من تحديد منهجه وعناصر بحثه، انتقل إلى تفصيل دقائقها حتى يمكنه إحكام القول في هذا الشأن. لذلك قسّم الباقلاني بحثه في إعجاز القرآن.. إلى أربع مراحل أساسية، كل مرحلة توصل إلى ما بعدها وترتبط بها، حتى يتسم عمله بطابع الوضوح، والتكامل الموضوعي والعلمي في آن واحد.
1-
مرحلة التمهيد.
2-
مرحلة التفنيد.
3-
مرحلة التحديد.
4-
مرحلة التأييد.
في المرحلة الأولى: جعل هدفه تنشيط الهمم وتحفيزها على تدارك كتاب الله ثم الدفاع عنه وردّ كل ما أذيع
(1/11)

حوله من أباطيل وأكاذيب، ثم التعريض بما ألف حول إعجاز القرآن، وخالف ما عليه أهل السلف عامة.
لقد رأيناه يصدِّر كتابه بمقدمة تمهيدية، يحث فيها المسلمين على تدارك كتاب ربهم، وفهم مضمونه ومشموله للوقوف في وجه الملحدين والمضللين (الذين خاضوا في أصول الدين) وشكّكوا ضعاف الإيمان واليقين. واتخذ سبيلا لذلك إبراز أهمية القرآن الكريم من حيث هو كتاب الله، ومن حيث هو حجة النبوة، ودليل على صدق الدعوة، وصدق النبوة.
وبدأ هذا الأمر بتحفيز أهل الدين على النهوض بواجبهم المقدس نحو الله والناس.. قال: "ومن أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه، وأولى ما يلزم بحثه، ما كان لأصل دينهم قواماً، ولقاعدة توحيدهم عماداً ونظاماً، وعلى صدق نبيهم –صلى الله عليه وسلم- برهانا، ولمعجزته ثبتا وحجة، ولا سيما أن الجهل ممدود الرواق، شديد النفاق، مستول على الآفاق، والعلم إلى عفاء ودروس، وعلى خفاء وطموس، وأهله في جفوة الزمن البهيم، يقاسون من عبوسه لقاء الأسد الشتيم، حتى صار ما يكابدونه قاطعا عن الواجب من سلوك مناهجه، والأخذ في سبله، فإن الناس بين رجلين: ذاهب عن الحق ذاهل عن الرشد، وآخر مصدود عن نصرته، مكدود في صنعته، فقد أدى ذلك إلى خوض الملحدين في أصول الدين، وتشكيكهم أهل الضعف في كل يقين"1.
ويتناول الباقلاني بعد ذلك ما أذاعه الملحدون والمغرضون حول القرآن من أباطيل وافتراءات سبق أن وردت على ألسنة مشركي قريش، منذ أن أنزل الله القرآن على قلب نبيّه.. فنراه يسفّه آراء هؤلاء الملحدين، ويصفهم بالجهل.. والبعد عن الرشد ذلك أن مشركي مكة من قريش قد تابوا وأنابوا، فأسلموا ورجعوا عن غيهم، أما هؤلاء الملحدون فهم على جهلهم ونزقهم وتعصبهم الأعمى الذي لا يستند إلى دليل.
والباقلاني - وهو بصدد مواجهة هؤلاء الملحدين والمغرضين- يلقى اللوم على علماء العصر، خاصة مَنْ اشتغل منهم باللغة وعلم الكلام، ولم يلتفت إلى توضيح وجوه الإعجاز القرآني، والكشف عن أسرارها، ويحملهم تبعة من خلط في هذه المسائل،
__________
1
إعجاز القرآن ص29 طبعة محمد علي صبيح سنة 1370?.
(1/12)

متأثرين ببعض مذاهب البراهمة, يقول: "وقد قصّر بعضهم في هذه المسألة - أي مسألة إعجاز القرآن -، حتى أدى ذلك إلى تحوّل قوم منهم إلى مذاهب البراهمة فيها، ورأوا أن عجز أصحابهم عن نصرة هذه المعجزة، يوجب ألا يستنصر فيها ولا وجه لها، حين رأوهم قد برعوا في لطيف ما أبدعوا وانتهوا إلى الغاية فيما أحدثوا ووضعوا، ثم رأوا ما صنفوه في هذا المعنى غير كامل في بابه، ولا مستوفي في وجهه قد أخل بتهذيب طرقه، وأهمل ترتيب بيانه"1.
بيد أنه يلتمس لبعضهم الأعذار، لأن البحث فيها - أي في مسائل الإعجاز ووجوهه- لم يكن يتيسّر إلا لمن كدّ فكره وأعمل عقله.. وأعدّ لهذه الدراسة نفسه..
"
وقد يعذر بعضهم في تَفْريط يقع منه، وذهاب عنه، لأن هذا الباب مما لا يمكن إحكامه إلاّ بعد التقدم في أمور شريفة المحل، عظيمة المقدار، دقيقة المسلك، لطيفة المأخذ.."2
وفي هذه المرحلة التمهيدية، وقبل أن يبدأ في تنفيذ مخططه، وتوضيح المسائل التي ذكرها في مقدمته، يجد الباقلاني بدافع من غيرته على آراء السلف، وإيمانه الراسخ بها، أن يعرض بكتب الفرق الكلامية الأخرى، خاصة المعتزلة، وقد وجد بغيته في كتاب الجاحظ المعتزلي (نظم القرآن) فوصفه بالقصور والسطحية، وعدم الموضوعية، وأنه لم يأت فيه بجديد، بل هو صنف الجاحظ في نظم القرآن كتابا3، لم يزد فيه على ما قاله المتكلمون قبله4 ولم يكشف عما يلتبس في أكثر هذا المعنى" يقصد الكشف عن وجوه الإعجاز القرآني وسرها.
وواضح.. أن الباقلاني – السلفي - متأثر في هذا القول بعقيدته، وبما قاله أصحابه الأشاعرة. وهنا يقف الباقلاني، ليذكر "جملة من القول جامعة تسقط الشبهات، وتزيل الشكوك التي تعرض للجهال، وتنتهي إلى ما يخطر لهم، ويعرض لأفهامهم من الطعن في وجه المعجزة"5
فتناول مجموعة من القضايا العلمية الهامة التي تتصل بموضوع الإعجاز منها:
__________
1
إعجاز القرآن ص30.
2
الصفحة نفسها.
3
وهو من الكتب المفقودة.
4
يقصد أستاذه النظام الذي قال مقالته الخبيثة في مسألة الإعجاز وأرجعها إلي الصرفة، أي أن الله صرف العرب عن معارضة القران.
5
إعجاز القرآن ص30 وما بعدها.
(1/13)

"
ما يجب وصفه من القول في تنزيل متصرفات الخطاب، وترتيب وجوه الكلام، وما تختلف فيه طرق البلاغة، وتتفاوت من جهته سبل البراعة، وما يشتبه له ظاهر الفصاحة، ويختلف فيه المختلفون من أهل صناعة العربية، والمعرفة بلسان العرب في أصل الوضع، ثم ما اختلفت به مذاهب مستعمليه في فنون ما ينقسم إليه الكلام من شعر ورسائل وخطب، وغير ذلك من مجاري الخطاب، وإن كانت هذه الوجوه الثلاثة أصول ما يبين فيه التفاصح وتقصد فيه البلاغة لأن هذه أمور يتعمل لها في الأغلب ولا يتجوز فيها. ثم من بعد هذا الكلام الدائر في محاوراتهم، والتفاوت فيه أكثر لأن التعمل فيه أقل، إلا من غزارة طبع، أو فطانة تصنع وتكلف.. ونشير إلى ما يجب في كل واحد من هذه الطرق، ليعرف عظم محل القرآن، وليعلم ارتفاعه عن مواقع هذه الوجوه، وتجاوزه الحد الذي يصح أو يجوز أن يوازن بينه وبينها، أو يشتبه ذلك على متأمل"1.
ثم يستطرد الباقلاني كلامه ذاكراً، أنه يعرف تماما أن هذه المسائل لا يستوعبها إلا مَنْ كدَّ فكره، وأعمل عقله، وكان هو أصلا من أهل صناعة العربية، قد وقف على جمل من محاسن الكلام ومتصرفاته ومذاهبه، وعرف جملة من طرق المتكلمين، ونظر في شيء من أصول الدين، وإنما ضمّن الله عز وجل فيه البيان لمثل ما وصفناه، فقال: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} 2 وقال: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 3.
إذن، فقد خصّ الباقلاني كتابه بالصفوة المختارة من الباحثين والمتأدبين والعلماء والمثقفين وليس للعامة أو الجهال، وهذا هو محور بحث الرجل، إنه يخاطب فئة معينة من الواعين.
فإذا ما انتهى الباقلاني من هذه المرحلة التمهيدية، وبين هدفه ومبتغاه، انتقل إلى المرحلة التالية.. مرحلة التفنيد.. فقسّم بحثه إلى فصول متوالية، كل فصل يرتبط بما بعده، ويوصل إليه أيضا.. وفي الوقت نفسه يتصل بما قبله. تناول في كل فصل منها ناحية من النواحي التي وعد ببحثها, تمهيداً لإبراز وجوه الإعجاز القرآني.
فافتتح هذه الفصول بفصل تحدث فيه عن نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم-, وأنّ معجزتها القرآن, فالرسول
__________
1
إعجاز القرآن ص31.
2
سورة فصلت الآية 3.
3
سورة الزخرف الآية 3.
(1/14)

وإن كان قد أيّد بعد ذلك بمعجزات جمّة، لا يمكن إنكارها.. إلاّ أنّ معجزة القرآن "كانت معجزة عامة، عمّت الثقلين1، وبقيت بقاء العصرين2، ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها إلى يوم القيامة على حد واحد، وإن كان قد يعلم بعجز أهل العصر الأول عن الإتيان بمثله وجه دلالته".
ويذكر الباقلاني.. أنه ما خصّص هذا الفصل ولا ألّفه إلاّ للرد على المتكلمين، وتفنيد مزاعمهم.. "لما حكى عن بعضهم أنه زعم أنه وإن كان قد عجز عنه أهل العصر الأول، فليس أهل هذا العصر الأول في الدلالة لأنهم خصّوا بالتحدي دون غيرهم".
ويبيِّنُ الباقلاني خطأ هذا الزعم، ويستدل على ذلك بأدلة من القرآن نفسه وبآيات بينات تثبت أن الله -سبحانه وتعالى- حين ابتعث نبيه، جعل معجزته القرآن، وبنى أمر نبوته عليه.
من ذلك قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} 3 فأخبر أنه أنزله ليقع الاهتداء به، ولا يكون كذلك إلا وهو حجة، ولا تكون حجة إن لم تكن معجزة..
ويرى الباقلاني أنه ما من سورة افتتحت بذكر الحروف المقطعة4، إلا وتدلّ على هذه المعجزة، بل إنّ كثيرا من السور إذا تؤمل - فهو من أوله إلى آخره- مبني على لزوم حجة القرآن والتنبيه على وجه معجزته. ويستشهد على ذلك بسورة المؤمن5، ويحلّلها تحليلا دقيقا يبرز فيها أسرار الإعجاز.
ولا يترك الباقلاني إثبات أنّ نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - مبنية على دلالة معجزة القرآن دون أن يبيِّن ويحدِّد وجه هذه الدلالة.. لذلك أعقب هذا الفصل بفصل في الدلالة على أن القرآن معجزة6 في ذاته. وقد اعتمد الباقلاني في تبيين وجه الدلالة على أصلين اثنين:
__________
1
الإنس والجن.
2
الليل والنهار.
3
سورة إبراهيم الآية الأولى, ومن ذلك أيضا قوله تعالى في الآية 6 من سورة براءة, والآية 195 من سورة الشعراء.
4
مثل: طسم، كهيعص، حم.
5
هي سورة غافر, أما سورة "المؤمنون" فهي {قد أفلح المؤمنون..} وسميت سورة غافر سورة "المؤمن" لقوله تعالى في هذه السورة {وقَالَ رَجُلٌ مؤمن مِنْ آلِ فِرعَون..} الخ.
6
إعجاز القرآن ص41.
(1/15)

أولهما: إثبات أن القرآن - الذي هو متلو محفوظ مرسوم في المصاحف - هو الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم, وأنه هو الذي تلاه على مَنْ في عصره ثلاثا وعشرين سنة.
ودليل الباقلاني على ذلك.. هو النقل المتواتر، الذي أنه قام به في المواقف، وكتب به إلى البلاد، وتحمّله عنه إليها من تابعه، وأورده على غيره من لم يتابعه، حتى ظهر فيهم الظهور الذي لا يشتبه على أحد، ولا يحتمل أنه قد خرج من أتي بقرآن يتلوه، ويأخذه على غيره, ويأخذ غيره على الناس، حتى انتشر ذلك في أرض العرب كلها, وتعدّى إلى الملوك المصاقبة لهم، كملك الروم والعجم والقبط والحبش وغيرهم من ملوك الأرض.
والأصل الثاني.. هو التحدي.. الذي واجه العرب به؛ ذلك أنه تحداهم إلى أن يأتوا بمثله, وقرعهم على ترك الإتيان به طول السنين التي وصفناها فلم يأتوا بذلك.
ويستدل الباقلاني على صحة هذا الأصل بما تضمنه القرآن من آيات التحدي, من مثل قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} 1, جعل عجزهم عن الإتيان بمثله دليلا على أنه منه، ودليلا على وحدانيته.
ولقد كانت قضية التحدي مثار اهتمام الباقلاني.. خاصة وهو بصدد الدفاع عن القرآن، فنراه يشبعها تحليلا وتدليلا، إثباتا لصدق النبوة، وتدعيما لوجه الدلالة، وردّا على الملحدين والمتكلمين عامة، والمعتزلة خاصة، الذين أثاروا قضية (الصرفة) .
فإذا ما أثبت الباقلاني معجزة النبوة, وإذا ما أصّل الأصول التي اعتمدها في بيان وجه الدلالة على أن القرآن معجز في ذاته.. انتقل الباقلاني إلى صلب موضوعه وهو تحديد وجوه إعجاز القرآن.. وهنا تبدأ المرحلة الثالثة.. مرحلة التحديد، بعد أن اجتاز مرحلتي التمهيد، والتفنيد.
__________
1
سورة البقرة الآيتان 23، 24,ومن آيات التحدي الآية 28 من سورة يونس والآيتان 33، 34 من سورة الطور.
(1/16)

يقرّر الباقلاني في الفصل الثالث من كتابه (إعجاز القرآن) أن هذا الإعجاز إنما يردّ إلى ثلاثة أوجه:
1-
تضمنه الإخبار عن الغيوب.
2-
وما فيه من القصص الديني وسير الأنبياء مما روتْهُ الكتب السماوية مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب.
3-
ثم بلاغته.
فأما الوجه الأول: فقد استدل عليه بما وعد الله تعالى نبيه عليه السلام أنه سيظهر دينه على الأديان بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} 1 ففعل ذلك.. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا أغزى جيوشه عرفهم ما وعدهم الله من إظهار دينه ليثقوا بالنصر، ويستيقنوا بالنجح، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفعل كذلك في أيامه حتى وقف أصحاب جيوشه عليه ...
وأما الوجه الثاني: فإنه معلوم من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أميّاً لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ، وكذلك كان معروفا من حاله أنه لم يكن يعرف شيئا من كتب المتقدمين وأقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم، ثم أتي بجملة ما وقع وحدث من عظيمات الأمور، ومهمات السير، من حين خلق الله آدم عليه السلام إلى حين مبعثه.
وأما الوجه الثالث.. فإنه بديع النظم، عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه..
ولما كان الباقلاني من علماء اللغة والأدب والبلاغة، فقد ركّز شرحه على هذا الوجه الأخير، فتحدث عن جمال نظم القرآن حديثا مسهبا.. يتضح منه مفهومه ونظريته في إعجاز القرآن.
إنه لم يرض أن يترك هذا الوجه دون أن يحدّد قسماته ويبيّن معالمه، ويوضّح سماته، وما عناه بالنظم، من هنا وجدناه يحلّل هذا الوجه البلاغي تحليلا دقيقا، ينمّ عن سعة إطلاع ورسوخ في العلم، ودقة في الفهم معاً..
لقد أرجع الباقلاني جمال النظم القرآني إلى مجموعة وجوه تتسم بالدقة والعمق، وتدل على ترابط جزئيات الموضوع في ذهنه.. منها ما يرجع إلى الجملة، ومنها ما يرجع إلى الفصاحة، ومنها ما يرجع إلى النظم، واستوائه
__________
1
سورة التوبة 33.. ومن ذلك الآية 12 من آل عمران.. والآية 7 من سورة الأنفال.
(1/17)

وحسن رصفه، ومنها ما يرجع إلى غزارة المعاني، ومنها ما يرجع إلى تأثير الكلمة في الأسماع..
وواضح من تقسيماته وتفريعاته أنه متأثر في الشطر الأول من نظريته بفكرة الجاحظ، التي ذهب فيها إلى أن مرجع الإعجاز في القرآن إلى نظمه وأسلوبه العجيب المباين لأساليب العرب في الشعر والنثر وما يُطْوى فيه من سجع1.
وأما في الشطر الثاني فقد تأثر الباقلاني بفكرة الرُّمَّاني، التي ذهب فيها إلى أن القرآن يرتفع إلى أعلى طبقة من طبقات البلاغة2.
وعلى الرغم من أن الباقلاني قد اشبع هذه الوجوه العشر البلاغية شرحا وتحليلا وتفسيرا وتمثيلا, وألحق بكل منها ما يؤيد وجهة نظره، واستشهد بالكثير من الشواهد الشعرية والنثرية.. والآيات القرآنية.. إلاّ أنه وجد أنّ هذا الشرح غير كاف، وهذا التعليل غير شاف، فنراه يلحق بهذا الفصل الثالث فصلا رابعا، لا يتناول فيه موضوعا جديداً، بل إنه يعاود شرح ما سبق أن ذكره وبيّنه من وجوه، وواضح أنه قد فاته بعض المسائل لم يستطع أن يدرجها أثناء الشرح فألحقها به. إنه يتناول وجهاً وجهاً من الوجوه الثلاثة التي حددها للإعجاز القرآني ليعاود الكلام عليها ولكن بتركيز شديد وبشواهد جديدة.. ثم يختم هذا الفصل التفسيري المركّز بالكلام عن الإعجاز الواقع في النظم والتأليف والرصف.. ويجعل من حديثه هذا منطلقا لبدء المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التأييد والإثبات، وتقديم المبرهنات والمؤيدات.
لقد ذكر الباقلاني مجموعة من العناصر التي جعلت من نظم القرآن وجها من وجوه الإعجاز.. منها: "أنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم، ومباين لأساليب خطابهم, ومن ادّعى ذلك لم يكن له بد من أن يصحّح أنه ليس من قبيل الشعر ولا السجع ولا الكلام الموزن غير المقفى".
وهنا نجده يشير إلى نقطة الانطلاق التي سيبدأ منها الدفاع.. فيقول:
"
لأن قوماً من كفار قريش ادّعو أنه شعر، ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعرا، ومن أهل الملة من يقول: إنه كلام مسجع إلا أنه أفصح ممّا قد اعتادوه من أسجاعهم.. ومنهم من يدّعي أنه
__________
1
البيان والتبين 1/373.
2
انظر رسالته (النكت في إعجاز القرآن) .. وانظر مقالنا في العدد السابق من مجلة الجامعة الإسلامية.
(1/18)

كلام موزون فلا يخرج بذلك عن أصناف ما يتعارفونه من الخطاب"1
إذن فخطة الباقلاني في المرحلة الثالثة أن ينفي الشعر عن القرآن, ثم ينفي السجع عن القرآن، ثم يذكر الصور البيانية، والعناصر الجمالية التي يمكن أن يقع بها إعجاز القرآن. وهذا ما فعله الباقلاني تدعيما لوجوه الإعجاز وتأييداً لما ذهب إليه من آراء أثناء ردِّه على المزاعم التي قيلت حول القرآن.
وفي الحقيقة لم يكن نفي السجع عن القرآن من بنات أفكاره.. ولكنه ردَّد ما ذكره الرمّاني من أن فواصله تباين السجع مباينة تامة، إذ الفواصل تتبع المعنى، أمّا السجع فيتبعه المعنى، ومن أجل ذلك يتضح فيه التكلّف والثقل2.
بعد أن انتهى الباقلاني من دفاعه عن القرآن، انتقل إلى موضوع آخر وهو: الطريق إلى معرفة الإعجاز.. أو كيفية الوقوف على إعجاز القرآن. وهو كعادته حين يتصدى لموضوع ما يتساءل: هل يمكن أن يعرف إعجاز القرآن من جهة ما يتضمنه من البديع؟
وهنا نلاحظ أنه لا يقصد بالبديع المعنى الاصطلاحي المعروف, إنما يقصد ما جاء في القرآن من ألوان الجمال المعنوي التي تشملها علوم البلاغة.
وهو في هذا الفصل يحدّد الأبواب والفصول التي ذكرها أهل الصنعة، ومن صنّف في هذا المعنى - يقصد الإعجاز القرآني - ثم يبيّن ما عجزوا عن فهمه أو الوصول إلى كنهه، ليكون الكلام – على حد تعبيره - "وارداً على أمرٍ مبين، وباب مصور".
ثم يستعرض العناصر البلاغية التي تناولها القوم، وذكروها بوصفها النوافذ التي يمكن من خلالها أن يطلُّوا على آيات الإعجاز القرآني.. فنراه يتحدث كما تحدث البلاغيون السابقون من أمثال ابن المعتز وأبي هلال العسكري عن الاستعارة، والتشبيه، والإرداف, والمماثلة ويذكر المطابقة والجناس، ويذكر ضرباً يسميه (الموازنة) , وهي مما زاده قدامة بن جعفر3 في كتابه (جواهر الألفاظ) من حسن البلاغة، وقد سمّاها (اعتدال الوزن) .
ويذكر الباقلاني أيضا (المساواة) على أنها ضرب من البديع، مقتديا
__________
1
إعجاز القرآن ص80.
2
انظر رسالة الرمّاني "النكت في إعجاز القرآن" الفواصل، وانظر أيضا مقالنا في العدد السابق من مجلة الجامعة الإسلامية ص34.
3
جواهر الألفاظ ص3 طبعة القاهرة.
(1/19)

بقدامة في هذا الصنيع، وتأثره في حديثه عقب ذلك عن (الإشارة) و (المبالغة) و (الغلو) و (الإيغال) و (التوشيح) و (صحة التقسيم) و (صحة التفسير) و (التقسيم) و (الترصيع) .
ويظل ينقلنا الباقلاني من موضع بلاغي إلى آخر، ومن صورة شعرية فنية إلى أخرى، ملقيا الضوء على ما فيها من أبعاد وظلال فنية، حتى يأتي على كل العناصر البلاغية التي تناولها العلماء, وظنوا أنها السبيل إلى معرفة أسرار الإعجاز القرآني.
بيد أنه في آخر المطاف.. يضع أمام الأذهان سؤالا هاما..
هل لأبواب البديع فائدة في معرفة الإعجاز؟ ويجيب على هذا السؤال إجابة صريحة فيقول: "ليس كذلك عندنا.., لأن هذه الوجوه إذا وقع التنبيه عليها أمكن التوصل إليها بالتدريب والتصنع لها". ويمضي فيقول:
"
إنه لا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووضعوه فيه، وذلك أن هذا الفن ليس فيه ما يخرق العادة، ويخرج عن العرف، بل يمكن استدراكه بالتعليم والتدرب به والتصنع له.. أما شَأْوَ نظم القرآن فليس له مثال يُحْتَذى عليه ولا إمام يُقْتَدَى به، ولا يصح وقوع مثله اتفاقاً."
فما السبيل إذن إلى معرفة إعجاز القرآن؟
هذا هو محور الفصل الثامن الذي خصصه الباقلاني لتحديد (كيفية الوقوف على إعجاز القرآن) يقول فيه: إنه لا يقف عليه إلاّ مَنْ عرف معرفة بيِّنة وجوه البلاغة العربية، وتكوَّنت له فيها ملكة يقيس بها الجودة والرداءة في الكلام بحيث يميِّز بين نمط شاعر وشاعر، ونمط كاتب وكاتب، وبحيث يعرف مراتب الكلام في الفصاحة, وهذا كما يميز أهل كل صناعة صنعتهم "ومتى تقدم الإنسان في هذه الصنعة لم تخف عليه هذه الوجوه، ولم ثشبيه عنده هذه الطرق، فهو يميز قدر كل متكلم بكلامه، وقدر كل كلام في نفسه، ويحكم فيه بما يستحق من الحكم، وإن كان المتكلم يجود في شيء دون شيء عرف ذلك منه، وإن كان يعم إحسانه عرف."1
وبهذا المفهوم نستطيع أن نعرف أن الباقلاني يرد المسألة إلى الذوق وحُسْن تدرّبه على تمييز أصناف الكلام..
__________
1
إعجاز القرآن ص151.
(1/20)

ولقد دفعه هذا الفهم إلى أن يسوق طائفة من خطب الرسول - صلى الله عليه وسلم- ورسائله, ومن خطب الصحابة وغيرهم.. ليلمس القارئ فرق ما بين ذلك كله وبين القرآن.
ولا يقف عند حدود النثر.. بل ينطلق إلى آفاق الشعر، فيدرس معلقة امرئ القيس –إمام الشعراء -, ويبين ما فيها من تكلف وحشو، وخلل وتطويل، ولفظ غريب، وكيف تتفاوت أبياتها بين الجودة والرداء، والسلامة والغرابة، والسلامة والانحلال والاسترسال والتوحش والاستكراه.. "مع أنه قد أبدع في طرق الشعر أموراً اتبع فيها"1
بعد ذلك.. يعود بنا ليتحدث عن جمال نظم القرآن وحسن تأليفه ورصفه وكيف أنه وُزّع على كل آياته بقسطاس سواء منها القصص وغير القصص، بينما يتفاوت كلام البلغاء من الشعراء حتى في القصيدة الواحدة. ويتناول قصيدة بديعة للبحتري الذي اشتهر بجمال ديباجته وحلاوة أنغامه وعذوبة ألفاظه، وهي لاميته المشهورة:
أهْلاً بذلكمُ الخيالِ المقبل ... فَعَلَ الذي نَهْواه أوْ لم يفعلِ
ويشرِّح أبياتها تشريحا، مبيِّنا ما يجري فيها من ثِقل وتطويل وحشو وتكلف وألفاظ وحشية جافية، ومن تناقض وكزازة وتعسف ورداءة صوغ وسبك. ويهاجم الباقلاني كذلك ما يقال من بلاغة الجاحظ مبيِّناً أنه دائما يستعين بغيره، ويفزع إلى ما يوشِّح به كلامه من مثل نادر، وبيت سائر، وحكمة منقولة، وقصة مأثورة.. كل ذلك ليدل الباقلاني على أن بلاغة القرآن لا تسمو إليها أي بلاغة لشاعر أو كاتب وكأنه في كل ذلك يشرح ما ذكره الرمّاني في رسالته - التي تحدثنا عنها في المقال السابق - من أن للكلام ثلاث طبقات: عليا وهي طبقة القرآن، ووسطى ودُنيا، وهما طبقتا البلغاء على اختلاف بلاغتهم، وما ينظمونه أو يخطبون به أو يكتبونه. ونسمعه دائما يردِّدُ أنّ كلام البلغاء يتفاوت، بينما القرآن لا تتفاوت آياته، وإن العبارة لتُجْلَبُ منه إلى كلام البليغ.. فإذا هي تتلألأُ كأنها الدرّة الواسطة في العقد.. ويمضي الباقلاني قائلا: ".. إنّ القرآن ليس معجزاً لأهل العصر الأول الذي نزل فيهم فحسب، بل هو أيضا معجز لأهل كل العصور..
__________
1
إعجاز القرآن ص184.
(1/21)

"
هذا هو مفهوم الباقلاني للإعجاز القرآني.. وواضح أنه لم يزد في كتابه عن شرحه - أو قل بعبارة أدق - عن محاولة شرحه لما قاله الجاحظ من جمال النظم القرآني، وما قاله الرَّماني من أنه في المرتبة الرفيعة من البلاغة والبيان، ومضى يردُّ تفسير هذه المرتبة بوجوه البديع التي عدَّها ابن المعتز وقدامة وأبو أحمد العسكري وغيرهم، كما ردّ تفسيرها بوجوه البلاغة التي ذكرها الرماني..
وبالطبع, فهذا لا يقلّل من شأن الباقلاني.. أو يبهرج علمه.. فيكفي أن نعلم أنّ الرجل أوّل من هاجم في قوة نظرية إعجاز القرآن عن طريق تصوير ما فيه من وجوه البديع، وأيضا وجوه البلاغة التي أحصاها الرماني.
ومن هنا تأتي أهمية الباقلاني، إذ أعدّ للبحث عن أسرار في نَظْم القرآن من شأنها حين تَوضح توضيحا دقيقاً أن تقف الناسَ على إعجازه

الطحاوي والنووي يقران بأن المصر علي الكبيرة ومات مصرا عليها سيدخل الجنة وخالفا كتاب الله

 الطحاوي والنووي يقران بأن المصر علي الكبيرة ومات مصرا عليها سيدخل الجنة وخالفا كتاب الله {تعرف علي المهزلة العقائدية}   الطحاااااااااوي...